الخميس، 12 أكتوبر 2006

عرض كتاب استهداف العرب والمسلمين

استهداف العرب والمسلمين
الحقوق المدنية في خطر

· اضربوا بالقنابل المدن التي تؤوي هذه الديدان
· ليس هناك قانون سوى ما يراه بوش مناسباً
عرض: صدقي البيك

وهل يتوقع العرب والمسلمون من أمريكا، ومعها الغرب كله وإسرائيل، إلا الاستهداف؟!
فأوروبا قد استهدفتهما منذ تسعة قرون عبر الحروب الصليبية، ثم من خلال الاستشراق والاستعمار منذ قرنين، وإسرائيل تستهدفهما منذ أكثر من قرن؛ وأما أمريكا فهي تستهدفهما من بعد الحرب العالمية الثانية، بل اشتد سعارها في ذلك وتتولى قيادة هذا الاستهداف، خاصة بعد أن تمكنت القوى الصهيونية من السيطرة على المال والإعلام والسياسة والإدارة فيها.
وإذا كان في أمريكا قوى يهودية صهيونية ومسيحية صهيونية تتربع على هذه الميادين، وتتمثل في الإيباك اليهودية وفي المحافظين الجدد الذين تفوق صهيونيتهم صهيونية الكنيست الإسرائيلي، فإن فيها أيضاً موضوعيين منصفين مجردين من الهوى، ويجرؤون على الكلام، ومن هؤلاء محررة كتاب " استهداف العرب والمسلمين/ الحقوق المدنية في خطر" أستاذة علم الاجتماع في كلية سيمونز في بوسطنن إيلين ك. هاغوبيان.
محتويات الكتاب
حشدت السيدة هاغوبيان في كتابها هذا مقالات لثمانية من الكتاب الأمريكيين المنصفين، وختمتها بمقالة لها، وجعلت كتابها" تحليلاً مهماً وشاملاً لانتهاك المبادئ الدستورية الأمريكية ولائحة الحقوق المدنية على وجه الدقة، وهو انتهاك ينطوي على استهداف العرب والمسلمين" ص9. وهي تقصد من هذا الكتاب إلى " تعرية التفاعل بين السياسة المحلية والخارجية، وإعادة الحقوق التي يضمنها دستور الولايات المتحدة " وتكشف " كيف يؤدي تشبيه المجتمعات العربية والإسلامية بالشياطين إلى تسهيل الانتقاص القانوني والسياسي والاجتماعي من حقوقهم المدنية والإنسانية".
وقسمت كتابها إلى ثلاثة أبواب، ومقدمة هي مقالة لشريف بسيوني، يتساءل فيها " وهل الحرب على الإرهاب حرب على الحقوق المدنية؟" ويرى أن " الحقوق المدنية تعرضت لهضم منهجي بعد 11/9/2001 لم تتعرض له من قبل قوض النظام القانوني مشفوعاً بحالات فظيعة من إساءة استعمال السلطة الحكومية، وكل ذلك باسم مكافحة الإرهاب!! والمستهدفون من هذه الإجراءات هم العرب والمسلمون، ولكن آثارها تمتد لتشمل الجميع" ص16.
وركزت الملاحقات البوليسية على ذوي الأصول العربية وآخرين من المسلمين، ووصل العدوان على القانون والقضاء حداً دفع " محكمة الاستئناف الطوافة لمقاطعة كولومبيا إلى أن تلغي حكماً سابقاً لمحكمة اتحادية يأمر الحكومة بالكشف عن أسماء الذين اعتقلوا بعد 11/9 " ومن الخرق للقانون والحقوق "أن يكون بين المعتقلين في غوانتانامو أناس تراوح أعمارهم بين 15 و95 سنة، وكان بعضهم مرضى".ص17 .
وقد جعلت مخالفات القانون هذه القاضي ديفيد تاتل يكتب " أن إذعان الأغلبية للتأكيدات الحكومية الغامضة لم يكن مخالفا لغرض قانون حرية المعلومات فقط، بل هو يمنع الشعب الأمريكي من اكتشاف انتهاك الإدارة للحقوق الدستورية لمئات المعتقلين في أثناء التحقيق.."
ويذكر الكاتب بعد ذلك أمثلة حية على من أسيء إليهم باستعمال السلطة.
العدوان على الحقوق
وأما الباب الأول فقد حمل عنوان " التشريع والتنظيمات المؤثرة على الحقوق المدنية قبل 11/9 وبعدها". ودار الفصل الأول من هذا الباب حول " القضايا العنصرية والحقوق المدنية قبل 11/9/2001 واستهداف العرب والمسلمين". فقد كان المقيمون في أمريكا من غير المواطنين معرضين تاريخياً للحرمان من الحقوق المدنية لأدنى المخالفات، ويشجع القانون السلوك الحكومي المتطرف ضدهم ولا يقدم لهم القانون أدنى حماية"، ويرى " أن تشبيه العرب والمسلمين في الولايات المتحدة بالشياطين، مصحوباً بالإجراءات القانونية القاسية، كان قد بدأ قبل زمن طويل من مأساة 11/9، ويظهر ذلك في صور شعبية وفي أساطير الأفلام وأجهزة الإعلام..فمنذ سبعينيات القرن العشرين كانت القوانين والسياسات مبنية على الافتراض بأن غير المواطنين من العرب والمسلمين هم إرهابيون محتملون.."ص25
وقد سعت الإدارات الأمريكية إلى تنميط العرب بصفة إرهابيين وطوائف دينية وإسكاتهم من خلال العنف والتهديد بدوافع سياسية، وساعدت وسائل الإعلام على تغذية الصور المعادية للعرب في الثقافة الشعبية وإيقاظ النزعة العنصرية في أوقات الأزمات الوطنية، كما كانت الحكومة الاتحادية تعدل في القوانين ليتيسر لها إبعاد أفراد من العرب والمسلمين " فالعرب، ولا سيما الفلسطينيون، هم الجماعات الرئيسية التي تستهدفها النصوص المتعلقة بالإرهاب." ويذكر أمثلة كثيرة على أناس أبعدوا في عام 1972 أو عام 1987 أو في حرب الخليج.
ومن أسوأ ما كانت تعتمد عليه الإدارة في مواجهة هؤلاء " قضايا الأدلة السرية"، وما لحق مازن النجار وأنور هدام وغيرهما من اعتقال دام عدة سنوات كان اعتماداً على هذا الدليل.
استهداف العرب والمسلمين
وفي الفصل الثاني من هذا الباب تناولت كاتبة المقال نانسي موراي استهداف العرب والمسلمين بعد 11/9/2001 تحت عنوان ( تجميع المعلومات عن العرب والمسلمين، وتصيد "العدو القابع في الداخل" في أعقاب 11/9).
وهو أطول الفصول وأهمها، وتصف الكاتبة فيه بالخديعة والمكر كلمة للمدعي العام " يرفض فيها التحريض على المهاجرين وعلى غير المواطنين، لأن وزارة العدل التي ينتمي إليها عطلت أحكاما ًللمحكمة العليا من قبل قرون من الزمن تثبت لغير المواطنين حقوق حرية التعبير والتجمع والحماية والمعاملة المتساوية أمام القانون في الملاحقات القضائية"ص47. وبذلك " صار غير المواطنين من المسلمين هدفاً رئيسياً للقمع، وامتد هذا القمع إلى كل المهاجرين ولو كانوا من أمريكا اللاتينية"ص48.
وتنعى الكاتبة على السلطة التنفيذية تهديداتها على لسان المدعي العام جون آشكروفت التي وردت في خطاب له بعد شهر ونصف من تدمير مركز التجارة العالمي " فليحذر الإرهابيون المقيمون بيننا: إذا بقيتم بعد انتهاء تأشيراتكم ولو يوماً واحداً فسوف نعتقلكم... وسوف نستخدم كل قانون متاح وكل أسلحتنا وبموجب الدستور لحماية الحياة وتعزيز الأمن في أمريكا." ص50.
وتذكر الكاتبة أنه جرى اعتقال 1200 شخص من المسلمين المواطنين وغير المواطنين، ثم ما يزيد على ألف آخرين واستجوابهم، وتستعرض قضايا متعددة لاعتقال أشخاص ومحاكمتهم والحكم عليهم بأحكام قاسية وغير عادلة، ثم إعداد قوائم كبيرة تضم 314000 شخص من الهاربين الأجانب، وقد حرم هؤلاء المعتقلون من حقوق الالتقاء بمحاميهم، ووضعت " قائمة مراقبة لأناس يريد مكتب التحقيقات استجوابهم بخصوص هجمات 11/9 عممت على المصارف ومكاتب حجز تذاكر السفر " وأماكن أخرى، " ووزعت وزارة العدل على فرق مكافحة الإرهاب في 94 مكتباً للادعاء، قائمة بأسماء خمسة آلاف رجل أجنبي، ثم ضمت إلى القائمة ثلاثة آلاف اسم أخرى."ص63.
وتتبعت الوكالات خط سير الأموال عبر" مشروع البحث الأخضر" واشترك فيه "الجمارك وإدارة الريع الداخلي والشرطة السرية ومكتب ضبط استعمال الكحول والتبغ والأسلحة النارية ومكتب مراقبة الأرصدة الأجنبية..." ص66، وأضافت وزارة العدل إلى قوانين الهجرة تسجيلاً خاصاً للزوار " يوجب على الذكور الزائرين من خمسة وعشرين بلداً إسلامياً أن يأتوا إلى مكاتب إدارة الهجرة والجنسية لأخذ بصماتهم وصورهم..."ص72، ووضعت كذلك نظام تبادل المعلومات عن الطلاب والزوار لمتابعة أكثر من مليون طالب أجنبي في الجامعات والكليات، كما وضعت قوائم الممنوعين من الطيران، والنظام الثاني لتدقيق هويات الركاب مسبقاً. وجرت اعتقالات الشهود الماديين، وجردت الحكومة المواطنين المسلمين من حقوقهم إذا اعتبروا " مقاتلين للعدو غير قانونيين" وهو الاسم الذي أطلق على من أسرتهم القوات الأمريكية في حرب احتلال أفغانستان.
ومع كل هذه الخروقات للقانون والإساءات للمسلمين " فقد قامت ثلاثة مجالس تشريعية للولايات ونحو 240 مدينة وبلدة تمثل خمسة وثلاثين مليون نسمة، باتخاذ قرارات ضد إجراءات الحكومة التي تنتهك الحريات المدنية والحمايات الدستورية الأساسية".ص101
التشبيه بالشياطين
وعالج الباب الثاني استمرار وتعزيز تشبيه العرب والمسلمين بالشياطين، عبر الصور العنصرية لهم. وتناول الكاتب روبيرت مورلينو في الفصل الثالث ذلك تحت عنوان " أعداؤنا بين ظهرانينا: تصوير الأمريكيين العرب والمسلمين في أجهزة الإعلام الأمريكية بعد 11/9"، وعرض صوراً كثيرة وألفاظاً بذيئة وقاسية سالت بها أقلام كتاب في الصحف أو جرت بها ألسنة مقدمي البرامج التلفزيونية، وصبت على العرب والمسلمين، من ذلك عمود مشهور في صحيفة نيويورك بوست " اقتلوا أولاد الزنى ببساطة" و" اضربوا المدن التي تؤوي هذه الديدان بالقنابل" ص110. واستعرض ما لاقته بعض المؤسسات التجارية والصناعية التي يملكها أو يديرها مسلمون، من إغارات وتفتيش وتخريب واتهامات ومصادرات، مثل شركة بتيك المتحدة للبرمجيات، وما تعرضت له من غارات تفتيشية وما نشرته عنها القنوات التلفزيونية والصحف ص112، وما لاقاه ثلاثة شبان عرب وشت بهم فتاة ادعت أنها سمعتهم في مطعم يخططون لهجوم إرهابي(!!)، ووصفوا في الصحف بالجواسيس ص139، ورفض مقدم برنامج تلفزيوني أن يقرأ طلاب إحدى الكليات كتاباً يعرض مفاهيم الإسلام ص144.
ويقول ويل يومانز في الفصل الرابع، تحت عنوان " الممارسون الجدد للحرب الباردة": هناك شبكة مترابطة... توحدها عقائدياً مجموعة آراء وأهداف تزايد تداولها في أعقاب 11/9، وهم يرون أن النزعة الإسلامية أو الإسلام السياسي هو أكبر تهديد للحضارة الغربية بعد انحسار الشيوعية الدولية، وتكتيك الإسلام السياسي هو الحرب غير المتساوقة أو الإرهاب، وهم يدعون إلى إجراءات حكومية عدوانية ضد الإسلاميين. ص157
وعناصر هذه الشبكة يرون أن الأصوليين أو المتأسلمين أقلية صغيرة في جماعة مؤمنة كبيرة ، وهم يشكلون تهديداً كلياً للولايات المتحدة وللعالم الغربي ولمبادئ الحرية. ومن أبرز هؤلاء برنارد لويس، ودانيل بايبس، وستيف إيمرسون، ودوغلاس فايث، وريتشارد بيرل، وميرياف وورمسر؛ وهم يتغلغلون في عدة معاهد ومنابر وصحف ودور نشر ومكاتب حكومية وجماعات ضغط ومجالس عالمية.
وهم يحثون على سياسة خارجية ومحلية متشددة ، ويحاولون (أسرلة) الولايات المتحدة ، ويساوون المعتدلين من المسلمين بالمتشددين، ويعاملون المجتمع الإسلامي كله بالجملة باعتباره يشكل تهديداً، ويكذبون فيما يذكرونه من معلومات ونسب تمثل المتشددين أو المدانين منهم بجرائم أخلاقية ( اغتصاب نساء في الدانمارك مثلاً) ص183، ويصرون على المطالبة بمراقبة الحرم الجامعي.
ومن أسوأ تعميمهم للأحكام أن " بايبس يضع العنيفين وغير العنيفين من معتنقي النزعة الإسلامية في فئة واحدة ، وهو يرى أن صاحب النزعة السياسية الإسلامية الذي لا يستخدم العنف اليوم سوف يستخدمه غداً" ص184.
الحملة الصليبية
وأما الباب الثالث فقد جاء تحت عنوان" الجمع بين الانحراف المحلي الأمريكي إلى أقصى اليمين والسعي إلى التوسع العالمي في تجريم المجتمعات العربية والإسلامية".
ويضم ثلاثة فصول تناول الأول منها ( الفصل الخامس) جذور الحملة الصليبية الأمريكية لمكافحة الإرهاب ، كما تناول السادس حرب بوش الصليبية على الإرهاب ، وفيه يركز نصير عاروري " على مذهب بوش" الذي وصفه آل غور نائب الرئيس كلينتون " بأنه مذهب يلغي عالماً تعتبر فيه الدول نفسها خاضعة للقانون، كي يحل محله فكرة تؤمن بأنه ليس هناك قانون سوى ما يراه رئيس الولايات المتحدة جورج بوش مناسباً" ص242.
ويقوم هذا المذهب على تبرير التدخل العسكري باعتباره " حرباً وقائية " لا يوافق عليها القانون الدولي ، وأنها لازمة لتفادي تهديدات ممكنة ص241، وأن من حق أمريكا شن حروب وقائية على أي أمة مارقة تضبط وهي تبني نوع الأسلحة التي تملكها أمريكا وغيرها، واستعملتها هي من قبل ستين سنة، وتهدد بها بين حين وآخر ص243. ويشير الكاتب في ص248 إلى صليبية بوش بقوله" كثيراً ما يُسرّ بوش إلى الأصدقاء أن يد الله هي التي تقوده. ولكن إذا كان الله هو الذي قاده إلى غزو العراق فإن الله قد أرسل إلى البابا رسالة مختلفة، فإنه مع مؤتمر المطارنة الكاثوليك ومجلس الخط الرئيس للكنائس البروتستانتية يعتقدون أن غزو العراق وقصفه هو ضد مشيئة الله..." ص249، ويتابع الحديث عن تطبيق مذهب بوش في آسيا وفلسطين وفي داخل الولايات المتحدة.
إعادة تشكيل الشرق الأوسط
والفصل الأخير لمحررة الكتاب إيلين هاغوبيان، وهي تتحدث فيه عن تشابك سياسة اليمين والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد احتلال العراق، وتتحدث عن ستة بلدان هي: العراق ولبنان وإيران، ولها عند أمريكا قيادات بديلة مؤسسة ومعترف بها في المنفى، أقامتها الحكومة الأمريكية وترعاها، وربطت نفسها بجماعات الضغط الصهيونية المؤيدة لإسرائيل.
وثلاثة بلدان أخرى: فلسطين والمملكة العربية السعودية وسورية، تتحدث عن قياداتها الحالية وعن عدم وجود قيادات بديلة ترعاها أمريكا. وتعود إلى تفصيل الكلام عن أوضاع هذه البلدان وما يتهددها، وتستنتج أن الولايات المتحدة تتوقع أن تنشئ قوس سيطرة حول الشرق الأوسط ومعها إسرائيل والهند فاعلان رئيسيان، وأنها تتوقع أيضاً أن تثبت شريكتها الإستراتيجية إسرائيل قوة إقليمية مسيطرة، وأن ترغم الدول العربية والإسلامية على الاعتراف بها وتطبيع العلاقات معها.
ويبدو أن ما دعت إليه كونداليزا رايس في حرب لبنان الأخيرة من خلق شرق أوسط جديد هو تنفيذ لهذا التوقع، ولكن نتائج حرب ال33 يوماً قلبت الخطط رأساً على عقب أو أجلتها إلى ظروف جديدة. وكذلك ما صدر عن الرئيس الأمريكي بوش من استعمال تعبير " الفاشية الإسلامية"يدل على استمرار استهداف العرب والمسلمين في داخل أمريكا وعلى نطاق العالم كله، وقد كان هو نفسه بدأ هذه الحملة الشرسة اللامسؤولة بوصفه حربه على العرب والمسلمين ب"الحرب الصليبية"!!