السبت، 4 أغسطس 2012

رمضان ليس شهر الأكل والنوم

رمضان.. ليس شهر الأكل والنوم!! صدقي البيك المظهر الإسلامي في شهر الصوم لا بد أن يكون انعكاساً للنية الصادقة. "شهر رمضان، هذا الموسم الديني المتجدد، وهذا المهرجان الإسلامي العظيم، شهر الخير والبركة. إنه الشهر الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن الكريم، وهو بهذا الشرف جدير، فهو الشهر الذي فيه أنزل القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وفيه بدأ تنزيل القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وهو الشهر الذي شهد أول وأخطر معركة خاضها المسلمون بقيادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تلك هي غزوة بدر الكبرى، التي أظهر الله فيها الحق وأزهق الباطل، وفيه جرت أيضاً أشهر المعارك الإسلامية الحاسمة في التاريخ كعين جالوت وغيرها. فضائل الصوم في رمضان: يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لو علمتم ما في رمضان من الخير لتمنيتم أن يكون رمضان الدهر كله. فالصيام في هذا الشهر يمثل قمة الإيمان الخالي من كل مظاهر الرياء والنفاق، لأنه عبادة لا يراها إلا الله، فليس لها مظاهر تدركها حواس الناس، أما الصلاة والزكاة والحج والجهاد.. فهي عبادات إيجابية، تؤدى بأعمال يراها الناس، ومن هنا قال الله تعالى في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"، هذا كله لأن الصائم لا يكون إلا مخلصاً لله، وصيامه سرٌّ بينه وبين ربه، ويعتمد الصيام في الأساس على عدم القيام بأعمال بل بالامتناع عن أعمال. حكم الصيام: من أبرز حكم الصيام وفوائده أنه يدرب المسلم على الصبر، فأي صبر أوضح من أن يردع الإنسان نفسه عن الطعام والشراب وهما ماثلان أمامه ونفسه تتوق إليهما؟ وأي صبر أقوى من أن يتحمل الإنسان المشاق النفسية والجسدية استجابة لأمر الله وامتثالاً لتعاليمه؟ والمسلم يتدرب بصومه على ملاقاة الظروف القاسية التي قد تعترض حياته إذا انقطعت به السبل، فلا يجزع ولا ينهار لأول صدمة. والصيام يدرب المسلم على الإحساس بمشاعر الآخرين، ومعاناة ما يعانونه، فإذا كان الغني قد تيسر له كل ما يشاء من طيبات الدنيا وحينما يشاء، فإن الفقير يعاني من عضة الجوع وحرقة العطش، ويتعرض لأذاهما طويلاً، فإذا صام المسلم الغني أدرك أن هناك أناساً يجوعون ويعطشون ويألمون من غير اختيار أو صيام، فيرق قلبه لهم ويجود عليهم بما يخفف بلواهم. والصيام في رمضان يدرب المسلمين على النظام والدقة في الوقت، فيقيسون الزمن، فيه. بالدقائق والثواني. على غير ما يفعلونه في غيره من الشهور! فلا يتقدمون عن وقت الإفطار دقيقة ولا يتأخرون عن وقت الإمساك ثانية! وبذلك يتعلم المسلمون الدقة في المواعيد والالتزام بها، فقبيل الإفطار تدب الحركة في حياة الناس وتصرفاتهم، فكل منهم يهرع إلى البيت، ويسير على عجل يسابق الآخرين، حريصاً على الوصول إلى أهله قبل الغروب، فإذا حانت لحظة الإفطار هدأت الحركة في الشوارع وخلت الطرقات من المارة فلا تكاد تسمع إلا همساً، ولا ترى إلا متعجلاً يسابق الريح فاتته لحظة الهدوء والاستقرار فهو يحاول إدراكها. فما أحوجنا إلى دروس رمضان فلا نضيع أوقاتنا وأوقات الناس بالانتظار للمواعيد أو بإهمالها. وما أكثر الدروس والعظات التي يمدنا بها رمضان والصيام فيه، وما أجدرنا بأن نستفيد منها ونتزود بها كلما مررنا بمحطة رمضان في سفرنا عبر الحياة. حالنا الآن في رمضان: هذا ما كان عليه رمضان لدى المسلمين الأوائل، وعند كثير منهم حديثاً، وهذا هو الوجه المشرق المتلألئ لرمضان وللصائمين فيه، ولكن هناك أناساً، وما أكثرهم، أصبح رمضان عندهم شيئاً آخر، المظهر مظهر إسلامي وعبادة مرجوة الأجر، ولكن الاهتمام عندهم ينصبّ على الطعام بأنواعه والأشربة بألوانها!! فكأن رمضان عندهم معرض غذائي لشتى المأكولات والمشروبات التي تزدحم بها موائد الإفطار! ويقبلون عليها بنهم، ويكثرون منها حتى يصابوا بالتخمة، ويثقلون على معداتهم متناسين حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-... فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسه. وبذلك يتلاشى عندهم الإحساس بما يعاني منه الفقراء، وتنقلب عندهم الأمور فينامون النهار و(يقومون!) الليل، ويتأخر العاملون منهم عن الدوام بحجة أنهم (قاموا) ليل رمضان (يعنون سهروا فيه حتى الفجر!!) وإذا لحقوا بأعمالهم كانت عيونهم مفتحة وقلوبهم نائمة، بل لا يتورع كثير منهم عن النوم قلباً وعيوناً، وبذلك تتعطل المصالح والأعمال، وتتوقف عجلة الإنتاج، ويكثر التسويف في الإنجاز للمعاملات، والحضور المتأخر والانصراف المبكر، أهكذا يكون النظام في رمضان؟ أهكذا نحرص على الدقة فيه؟ نحافظ على الدقائق والثواني ونضيع الساعات والأيام!! وأما الصبر فأين هو عندهم؟ وعلام يصبرون وهم في ظل ظليل وبرودة محببة تهب من المكيفات، وأعمال لم يبق فيها مشاق، سهلت ولانت وقلّت، وقصرت فترة الدوام، وتُقضى فترة الصيام والصائم نائم فلا يحس بجوع ولا عطش؟! ومع ذلك فإنهم تثور أعصابهم لأبسط الأسباب ويعبرون عن انفلاتهم العصبي بشتى الطرق من غضب وصخب وعدم احتمال كلام الآخرين، مبتعدين عن تحقيق الصفاء النفسي والسمو الروحي بتطبيق حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن سابّك أحد فقل إني صائم.