الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

نعم للتيسير لا للتشدد
تاريخ الإضافة29/11/2010 ميلادي - 22/12/1431 هجري زيارة106:
نعم للتيسير لا للتشدد بعَثَ الله - تعالى - محمدًا - عليه السلام - بالإسلام رحمةً للعالمين،وتعدَّدت تكاليف المسلم في حياته اليومية وفي سلوكه، ولكنَّ الله - تعالى - جعل كلَّ ما طالَب به المسلم من أعمالٍ في حدود طاقته وقدراته التي تتفاوَت من شخصٍ إلى آخر، وجعَل تطبيقَ كثيرٍ من هذه التكاليف مُرتبِطًا بالاستطاعة؛ كالحجِّ، والإصلاح، وإعداد القوَّة ولهذا كانت هذه التكاليف أقرب إلى التيسير على المسلمين منها إلى التعسير والتشدُّد، وفي المواقف التي استدعى فيها بعضُ المسلمين - بالسؤال أو بالرغبة - الحدَّ الأقصى من العبادة، أعلَمَهم الرسول - عليه السلام - أنهم لا يستطيعون، والله لا يريد عنَتَهم، فعندما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أيها الناس، قد فرَضَ الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا))، قال رجلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو قلت: نعم، لوجبت، ولَمَا استطعتم))، ثم قال: ((ذَرُوني ما تركتُكم؛ فإنما هلك مَن كان قبلكم بكثرة سُؤَالِهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعُوه))؛ رواه مسلمهكذا تكون رحمة الله بعباده، وهكذا يكون إشفاق رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أمَّته، فالإلحاح من السائلين ورغبتهم في التشدُّد قد تنعكس عليهم تشديدًا في الأحكام؛ ((ذَرُوني ما تركتكم))، فلا تُكثِروا من الأسئلة، وقد ضرب الله - تعالى - في القرآن الكريم للمسلمين مَثَلاً من إلحاح بني إسرائيل في السُّؤال وتشديد الله عليهم، حتى كادوا لا يجدون البقرة من كثرة الشروط والقُيُود التي كانوا يستدعونها بكثرة أسئلتهم؛ فيقول الرسول - عليه السلام -: ((إنما أُمِروا أن يذبحوا بقرةً))، ولكنهم لَمَّا شدَّدوا شدَّد الله عليهم، وايم الله لولا أنهم استثنوا وقالوا: ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 70] لَمَا بُيِّنت لهم آخِرَ الأبد، ويقول ابن كثير بعد هذا لهذا لَمَّا ضيَّقوا على أنفسهم ضيق عليهم ويروي أبو داود عن أنس بن مالكٍ - رضِي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: ((لا تُشَدِّدوا على أنفسكم فيشدِّد الله عليكم؛ فإن قومًا شَدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصَّوامِع والدِّيار، رهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم...)).فلا مجالَ إذًا للتشدُّد، بل المطلوب من المسلم أن يُيَسِّر الأمور على نفسه، والمطلوب من الدُّعَاة أن يَنشُدوا اليُسْرَ والسُّهولة فـمَن صلَّى بالناس فليُخَفِّف؛ فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة))؛ رواه البخاري. بل عَدَّ الرسول - عليه السلام - عمل هؤلاء المتشدِّدين تنفيرًا للناس وفتنة لهم؛ فعندما أطالَ معاذٌ - رضي الله عنه - فقَرَأ سورة البقرة في إحدى الركعات وشكا أحد المسلمين ذلك إلى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال له - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفَتَّان يا معاذ؟: وإذا كان الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يرفض التشدُّد حتى يُسمِّيه فتنةً أو تنفيرًا من الدين، فإنه دعا إلى ما يُقابِله وهو التيسير، فهو في اختياراته - عليه السلام - كان يتوجَّه إلى أيسر الأمور ما لم يكن إثمًا؛ فعن عائشة - رضِي الله عنها - قالت: ما خُيِّر رسولُ الله بين أمرين قطُّ إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا وطالَب - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَّته بهذا التيسير فقال: ((يَسِّروا ولا تُعَسِّروا وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا))، وذكَر ما يُمَيِّز الإسلام فقال: ((إن الدين يسرٌ، ولن يُشَادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلَبَه، فسَدِّدوا وقارِبوا وأَبشِروا، واستعينوا بالغَدْوَة والرَّوْحَة وشيءٍ من الدُّلْجَة...)). وكذلك وصَف أُمَّته بهذه الصفة؛ فقال - فيما يرويه محجن بن الأدرع في ;مسند أحمد بن حنبل -: ((إنكم أمَّة أُرِيدَ بكم اليسر))، وهل بعد قول الله - تعالى -: ﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185] مجالٌ لأحدٍ أن يتشدَّد في أمرٍ من أمور الدين، إذا كان في هذا الأمر سَعَة ويسر؟ وقد عَدَّ الرسول - عليه السلام - مَن يَتنطَّعون ويستقلُّون العبادات المطلوبة من المسلم والتي كان يُؤَدِّيها الرسول من الصلاة والصيام والزواج، فيتعاهَدُون على أشدِّ حالاتها، عدَّهم راغِبين عن سنَّته؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شأنهم: ((... أمَّا أنا فأصلِّي وأنام، وأصوم وأُفطِر، وأتزوَّج النساء، فمَن رغب عن سنَّتي فليس مِنِّي))فأيُّ تهديدٍ أكبر وأشدُّ من هذا؟ فالأليق بالعلماء أن يتجنَّبوا التشدُّد ولو كان في باب الأَخْذِ بالأَحْوَط، بل على الدُّعَاة - خصوصًا - أن يأخذوا بالأيسر على الناس، خاصَّة إذا كان ذلك رأيًا لأحد علماء المسلمين المعتَبَرين، والغالب أنهم يستَنِدون في آرائهم إلى أدلَّة واضحة ومعتمدة
ما أحوجنا إلى الوسطية في هذا العالم المتطرف الوسطية: مفهومًا ودلالةالوسطية الوسطية والطرفيةالوسطية ضرورة للحفاظ على اليقظةالوسطية التيسير في دعوة المسلم الجديدالاتهام بالتشددرفع الحرج والتيسير في الشريعة الإسلامية ضوابطه وتطبيقاتها السلام عليكم ورحمة الله ..

جزى الله الكاتب خير الجزاء على بحثه القيم والثري حقيقة بهذا الموضوع المهم في فقه الدعوة واصولها.. ونحن حقيقة بحاجة الى مثل هذا اليوم.. نظرا لاختلاط الحابل بالنابل. في واقع الأمة..

ولكن يا حبذا لو أذن لي الكاتب الكريم أن أضيف أمر مهم:
كنت أود أن تضيف للموضوع فريقًا آخر من الناس.. جعلوا من التنادي .. بقه التيسير فقها مطلقا.. يمارسون من خلاله فقه الانتقاء لا التيسير.. ولا الموازنة.. ولا الحال وفقهه..
فيجيزون للناس استماع الغناء وفوائد البنوك.. وتبرج المرأة بحجة انهم بعثوا ميسرين لا معسرين.. ويضعون النصوص الشرعية في مأزق بين التعسير والتيسير..
ثم يلمزون المتسابقين إلى ملازمة الحق والسنة بالتشدد.. دون اعتبار وموازنة صحيحة ومنضبطة..

ولكن جزاك الله خيرا فمقالكم قيم جدا

السبت، 27 نوفمبر 2010

وسطية الأمة المسلمة

وسطية الأمة المسلمة صدقي البيك نشر في موقع الألوكةتاريخ الإضافة20/11/2010 ميلادي - 13/12/1431 جاء الرسول محمد - عليه السلام - ليكون خاتَمَ الأنبياء، وليكون كتابه خاتَمَ الكتب التي أَوْحَاها الله ومهيمِنًا عليها، ولتكون أمَّته شاهِدَةً على الأُمَم، وقد وصَفَها الله - تعالى - بالوسطيَّة والخيريَّة؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، و﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، وقد ذكر معظم المفسِّرين أن هذه الوسطيَّة تعني العدل، فهي الأمَّة العادلة، ومع ذلك فقد ذكر لها بعض المفسِّرين معنى التوسُّط بين شيئين، فعبارة القرطبي: هذه الأمَّة لم تغلُ غلوَّ النصارى في أنبيائهم، ولا قصَّروا تقصير اليهود في أنبيائهم وعبارة أبي حيَّان: وقيل: متوسِّطين في الدِّين بين المفرِط والمقصِّر، لم يتَّخِذوا واحدًا من الأنبياء إلَهًا كما فعلت النصارى، ولا قتلوا نبيًّا أو حاوَلُوا قتله كما فعلت اليهود ولا يبعد هذا عن تفسير سائر العُلَماء لكلمة وسطًا بمعنى فالاعتدال بين الأشياء مشتقٌّ من العدلوقد وردَتْ كلمة وسط بمشتقَّاتها في القرآن الكريم خمس مرَّات يحتمل معظمها بشكلٍ واضح معنى التوسُّط بين شيئين ماديين أو معنويين، وكذلك تحتمل كلمة أمَّة وسطًا الاعتدال والبعد عن الإفراط وعن التفريطوالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُرِيد من أمَّته أن تتوسَّط بين الانقطاع للعبادات الإفراط بين تركها التفريط فهو في ردِّه على مَن رغِبُوا في المغالاة وتجاوَز الحدَّ في عباداتهم ((... أمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنَّني أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النساء...))، وعَدَّ الرغبة عن هذه السنَّة (في الاعتدال) إلى ذات اليمين تشدُّدًا أو ذات الشمال إهمالاً، أو إلى الأعلى أو إلى الأسفل، عدَّها خروجًا عنه وعن دينه وسنَّته؛ ((فمَن رغِب عن سنَّتي فليس مِنِّيوالذي يراه المسلم في الإسلام حقيقة هو التوسُّط بين المادية التي يَتكالَب عليها الملحِدون واليهود، وبين الروحانية والرهبانية التي غَرِقَتْ فيها النصرانية والبوذيةوالإسلام في أوامره ونواهيه كلها يتميَّز بهذا التوسُّط والاعتدال، ويقترب منه ما يقوله بعض المفكِّرين من أن الفضيلة هي توسُّطٌ بين رذيلتين، فالكرم وسَطٌ بين البُخْلِ والإسراف، والشجاعة وسَطٌ بين الجبن والتهوُّر... والله - تعالى - يقولوَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ [الإسراء: 29]، وهو يقول: وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا"البقرة: 195]، ويقول:إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ﴾ [الأنفال: 45 والرسول - عليه السلام - يقول: ((لا تتمنَّوا لقاء العدوِّ، وسَلُوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا))، ولم يقبل - عليه السلام - من أصحابه أن يُبالِغوا في مدحه والثناء عليه إلى درجة الإطراء التي أطرى بها النصارى عيسى ابن مريم - عليه السلاموقد شمل الاعتدال والتوسُّط كلَّ جوانب الحياة في الإسلام، ففي شؤون العمل يقول الله - تعالى وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، فلا يشغل المسلم اهتمامه بالآخرة عن أمور دنياه وحاجاتها، ولا ينسيه إقدامُه على متاع الدنيا وعمرانها بناءَ آخرته، ويصبُّ في هذا المجرى القولُ المأثورُاعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا وفي الحديث عن ابن عمر - رضِي الله عنهما -: ((احرُث لدنياك كأنَّك تعيش أبدًا، واعمَل لآخرتك كأنك تموت غدًا))؛ القرطبي;ويشمل كذلك العلاقات الاجتماعية في نِطاق الأسرة، فالزوج مُطالَب بالعدل في طاقاته البشريَّة، وبعدَم الإهمال لطرَف وإيثار آخَر من الأولاد والزوجات؛ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: 129]، ((أَكُلَّ ولدِك نحلتَ مثله؟ وقد تجاوَز طلبُ الاعتدال كلَّ الجوانب المادية ووصَل إلى الجوانب العاطفية، على رغم صعوبة العدل فيها، فإن لم يكن فيها عدل فليكن فيها اعتدال ومُقارَبة، فالحبُّ بمقدار والبغض بمقدار، فلا إفراط ولا تفريط، ولا تطرُّف في أيٍّ منهما، فقد ورد أن رسول الله - عليه السلام - قال: ((أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بَغِيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بَغِيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا مافماذا بقي ممَّا لا تشمله المطالبة بالاعتدال والتوسُّط فيه؟

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الروح الإسلامية عند الشعراء السعوديين

الروح الإسلامية عند الشعراء السعوديين

 نشر في موقع الألوكة

صدقي البيك

 

تاريخ الإضافة: 16/10/2010 ميلادي - 8/11/1431 هجري   زيارة: 280     

 

شهد الأدب العربي في مطلع هذا القرن توجُّهًا نحو مفهوم العروبة وتمجيدها، والدعوة إلى القومية العربية والتغنِّي بها، وكان هذا الاتِّجاه في بلاد الشام مصحوبًا بمُناصَبة الإسلام العداء، أو على الأقلِّ بوضعه جانبًا أو إبعاده عن ساحة الأدب؛ وقد يكون السبب وراء هذا أن أكثر الشعراء كانوا من غير المسلِمين، أو كانوا يحملون أفكارًا يَسارِيَّة إلحاديَّة تدعو إلى فصْل الدين عن الدولة، وقد سارَتْ على هذا النهج جِهاتٌ لها صِلَة بالتربية والتدريس ووضع المناهج والكتب الدراسية، التي لم تجد غضاضة في أن تحذف من نصٍّ أدبي نثري جملةً مُعترِضة للكاتب إبراهيم عبدالقادر المازني في حديثه عن الحضارة، فهو يقول: "الحضارة العربية - وسمِّها الإسلامية إذا شئت - حضارة تقوم..."، فلكي يطمس هؤلاء كلَّ شيء يمتُّ إلى الإسلام حذفوا من النص "وسمِّها الإسلامية إذا شئت"؛ ليظهر المازني أمام الطلاَّب الدارِسين أحد دُعاة العروبة، مع أن المازني ومُعظَم الأدباء والشعراء المصريين كانوا لا يُفَرِّقون بين العُرُوبة والإسلام، فإن لم يكونا مترادفَين فهما غير متعارضَين، فهذا الشاعر محمد محمود غنيم يقول:

هِيَ الْعُرُوبَةُ لَفْظٌ إِنْ نَطَقْتُ بِهِ

فَالشَّرْقُ وَالضَّادُ وَالإِسْلاَمُ مَعْنَاهُ

 

وإذا كان الأمر هنالك كذلك، فهل اختَلَف الموقف عند الشعراء في المملكة العربية السعودية؟ إن هذه الدولة قامَتْ جذورها على دعوة محمد بن عبدالوهَّاب، وكانت منذ قيامها في أوائل هذا القرن مبنيَّة أيضًا على الإسلام عقيدة وشريعة، وكانت الثقافة العامَّة السائدة فيها - ولا زالت - ثقافة إسلامية صحيحة وصريحة وصارمة، والتدريس فيها يقوم على موادَّ دراسيةٍ إسلامية عديدة أساسية في النجاح وفي الاحتساب، (في مقابل إهمال مادَّة واحدة للتربية الإسلامية وجعْلها ثانوية ولا تُحتَسب للطالب عند دخوله في الجامعات في بلاد عربية أخرى!).

 

وهذه البلاد حفِظَها الله من شَرِّ المستعمِرين؛ فلم تطأها أقدامهم بالأسلحة والجيوش، ولا بالأفكار والعادات، ولم تنتشر فيها المدارس التبشيرية، بل لم تظهر فيها أصلاً واحدةٌ منها، كما لم يدخلها مستشرقون ولا أساتذة مستغرِبون ينشُرون أفكارَهم بكلِّ جرأة وصراحة، وإذا دخَلَها أحدهم لسببٍ أو لآخَر فلم يكن يجرؤ على نشر أفكاره.

 

لهذا كانت الظُّرُوف المُحِيطة بالشعراء السعوديين لا تُبعِدهم عن الاتِّجاه الإسلامي، بل تجعلهم من مثقَّفيه وحمَلَة أفكاره والدُّعاة إليه، ويظهر ذلك واضحًا لدى هؤلاء الشعراء.

 

وقد تناوَل هذا الموضوعَ كثيرٌ من النقَّاد ودارِسِي الأدب العربي المعاصِر، وأبرزهم الدكتور حسن فهد الهُوَيمل، الذي أصدر كتابًا ضخمًا من 600 صفحة تحت عنوان "النزعة الإسلامية في الشعر السعودي المعاصِر".

 

ولم يقتصر الأمر عند هؤلاء الشعراء على تناوُل القضايا والأفكار الإسلامية في أبيات أو في قصيدة أو في قصائد، بل تجاوَزوا ذلك إلى إصدار دواوين حول المفاهيم الإسلامية وقضايا المسلمين، فأحمد محمد جمال له ديوان "طلائع" الذي يُمَثِّل مُيوله الإسلامية في معالَجة الظواهر الاجتماعية معالَجة إسلامية.

 

وللشاعر أحمد قنديل ديوانان يُفِيضان بالمشاعر الإسلامية هما "شاعر ومشاعر" و"مكَّتي قبلتي"، وللشاعر طاهر الزمخشري ديوان "لبَّيك"، وللشاعر محمد بن سعد الدبل ديوان "إسلاميات" و"أناشيد إسلامية" و"ملحمة نور الإسلام"، وللدكتور عدنان النحوي "ملحمة القسطنطينية" و"موكب النور"، وللشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي ديوان "يا أمَّة الإسلام" و"إلى أمَّتي"، وللشاعر محمد هاشم رشيد ديوان "في ظلال السماء"، وهذا غَيْض من فَيْض.

 

والذين لم يَخُصُّوا المفاهيم الإسلامية بديوان أكثر من ذلك بكثيرٍ، تناثرت قصائدهم الإسلامية في ثَنايا دواوينهم من أمثال حسن الصيرفي، وعبدالسلام حافظ، ومحمد بن عبدالله بليهد، وزاهر بن عوَّاض الألمعي، وأحمد فرح عقيلان، وأحمد إبراهيم الغزاوي... وهم يستعصون على الحصر.

 

وقد تناوَل هؤلاء الشعراء الأفكار الإسلامية من تمجيد القرآن الكريم، والدعوة إلى عقيدة التوحيد والإيمان بالغيب، وتسبيح الله، والدِّفاع عن العقيدة، والجهاد في سبيل الله، والعبادات وآثارها على الأفراد والمجتمع، ومدح الرسول - عليه السلام - وإبراز معجزاته، وأهميَّة الهجرة في إنشاء الدولة الإسلامية، وذكريات الأحداث الإسلامية من هجرة وغزوات وفتوحات.

 

كما أنهم عالَجُوا قضايا المسلِمين المعاصِرة، وشارَكُوهم في الضرَّاء والسرَّاء، وواكَبُوا ثوراتهم التحرُّرية، وكانوا دائمًا يُبرِزون الرُّوح الإسلامية المتأجِّجة في هذه الثَّوْرَات في فلسطين والجزائر وأفغانستان، ومصر ولبنان وباكستان وكشمير، والدعوة إلى الوَحْدَة الإسلامية والتضامُن الإسلامي، ومواساة المسلمين في الكوارث الطبيعية التي أصابَتْهم، كما كانت مواقفهم في القضايا الاجتماعية تنطلق من رأي الإسلام وموقفه منها، كقضايا المرأة والتَّرَف والأخلاق والزهد والعمل والمُسْكِرات والتمييز العنصري.

 

ولا بُدَّ من ذكْر بعض الأمثلة على تناوُل الشعراء السعوديين لهذه المفاهيم والقضايا الإسلامية؛ فالشاعر عبدالله بن خميس يعتزُّ بالإسلام، ويُعلِن رفضه لتلقِّي أيَّة أفكار أجنبية فيقول:

شَرَفِي - مَا عِشْتُ - أَنِّي مُسْلِمٌ

نَسَبِي هَذَا وَهَذَا مَذْهَبِي

لَسْتُ مِنْ (بِكِّينَ) أَسْتَوْحِي الهُدَى

إِنَّمَا أَبْغِي الهُدَى مِنْ (يَثْرِبِ)

 

والشاعر محمد صبحي يقول في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية:

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ قَدْ وَضَحَ الأَمْ

رُ فَخَلُّوا الجَفَا وَخَلُّوا الخِصَامَا

وَتَعَالَوْا لِلاتِّحَادِ وَلَبُّوا

دَاعِيَ الحَقِّ وَالزَمُوا الإِسْلاَمَا

وَاسْتَفِيقُوا فَقَدْ دَهَتْنَا اللَّيَالِي

إِنَّ فِيهَا مِنَ الأُمُورِ عِظَامَا

 

وحسين النجمي الذي ساءَه أن يتمكَّن الصهاينة من احتلال كلِّ أرض فلسطين، وأن يطؤوا بأقدامهم المسجد الأقصى، تَثُور نفسه ويُعلِن رفضه لما آلَتْ إليه حال المسلمين:

أَفَنَرْضَى بِأَنْ تَدُوسَ يَهُودٌ

بِمَكَانٍ لِسَيِّدِ الخَلْقِ مَسْرَى

يَا حُمَاةَ الإِسْلاَمِ هَذَا زَمَانٌ

قَابِضُ الدِّينِ فِيهِ يَقْبِضُ جَمْرَا

 

وها هو الشاعر محمد علي السنوسي يُثِير الهِمَم ويُلهِب الحماسة في صدور أبناء أمَّته يدعوهم إلى الجهاد بالدم فيقول:

يَا أَخِي يَا أَخَا العُرُوبَةِ وَالإِسْ

لاَمِ قُمْ نَنْفُضُ الأَسَى وَالحِدَادَا

قُمْ بِنَا نَكْتُبُ البُطُولَةَ بِالدَّمْ

مِ زَكِيًّا فَقَدْ سَئِمْنَا المِدَادَا

أَنْتَ مِنْ أُمَّةٍ يَلَذُّ لَهَا المَوْ

تُ كِفَاحًا عَنِ الحِمَى وَذِيادَا

لَيْسَ إِلاَّ الجِهَادُ طَبْعًا لِصِهْيَوْ

نٍ فَطُغْيَانُهَا تَمَادَى وَزَادَا

 

والشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي يُخاطِب أمَّته الإسلامية:

يَا أُمَّةَ الإِسْلاَمِ فَجْرُكِ نَوَّرَا

وَالرَّوْضُ فِي سَاحَاتِ مَجْدِكِ أَزْهَرَا

يَا قُدْسَنَا المَحْبُوبَ عُذْرًا إِنَّنَا

تُهْنَا عَلَى دَرْبِ الخِلاَفِ كَمَا تَرَى

سَنَجِيءُ فِي ظِلِّ العَقِيدَةِ أُمَّةً

مَرْفُوعَةَ الأَعْلاَمِ مُحْكَمَةَ العُرَى

أَوَلَمْ يُبَشِّرْهَا الرَّسُولُ بِأَنَّهَا

سَتَظَلُّ أَقْوَى فِي الوُجُودِ وَأَقْدَرَا

 

فشاعرنا مُتفائِل بالنصر الذي بشَّر به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((لا تزال طائفةٌ من أمَّتي قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذلهم، أو خالَفَهم حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون على الناس)).

 

وهذا شاعرنا عدنان النحوي يجد أن اليقين والإحساس بالأمن لا يصمدان أمام كلِّ خَوْفٍ وفي وجه كلِّ ظلام إلا للمؤمن، فيقول:

عَجَبًا أَنْ تَرَى مَعَ الخَوْفِ أَمْنًا

وَمَعَ اللَّيْلِ شُعْلَةً مِنْ يَقِينِ

وَعَلَى الشَّوْكِ نَفْحَةً مِنْ نَدَى الصُّبْ

حِ وَمِنْ رِقَّةٍ عَلَيْهِ وَلِينِ

ذَاكَ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي صَحَّ مِنْهُ

قَلْبُهُ أَوْ مَضَى بِعَزْمٍ أَمِينِ

 

ويتعالَى تعالِي المؤمن عن كلِّ طأطأةِ رأسٍ لغير الله فيقول:

دَرْبِيَ الحَقُّ حَيْثُمَا سِرْتُ أَلْقَى

قَبَسًا شَعَّ أَوْ هُدًى بِيَمِينِي

مَا حَنَيْتُ الجَبِينَ إِلاَّ رُكُوعًا

وَسُجُودًا للهِ فَهْوَ يَقِينِي

 

ولن أزيد على ما سبق، فهذه أمثلة ونماذج لمئات أو آلاف الشواهد التي تؤكِّد ما ذهبتُ إليه من وضوح التوجُّه الإسلامي لدى الشُّعَراء السعوديين المعاصِرين، وليس إشارات عابِرَة في أشعارهم تحتاج إلى بَذْلِ جهد للعثور عليها.


 

 

·         قول: شوفتك ترد الروح(محاضرة - مكتبة الألوكة)

·         من أسرار الروح(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)

·         يسألونك عن الروح(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة) انتشال الروح(مقالة - حضارة الكلمة)

·         صلاة الروح والبدن(مقالة - آفاق الشريعة)

·         التسامح وإذكاء الروح الإيجابية(مقالة - مجتمع وإصلاح)

·         أفراح الروح في رمضان بالبلقان(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 

 

1- الشعراء لم يحظوا بما يستحقون
د/بشير أبو لبن - السعودية 26/10/2010 09:12 PM

الاخ الأستاذ الكريم صدقي البيك
مقالة جيدة ومفيدة ولكنها اختصرت اختصارا مخلا ولم يحظ أي من الشعراء بما يستحقه وبالأخص الشاعر الدكتور عدنان النحوي الذي لم يذكر له سوى ملحمة واحدة وديوان واحد علما بأنه قد أبدع حوالي ثلاث عشرة ملحمة شعرية حسب المفهوم الإيماني لمصطلح الملحمة وكذلك حوالي سبعة دواوين شعرية هذا عدا القصائد الكثيرة التي لم يحويها ديوان ولا ملحمة حتى الان وسوى الكتب والدراسات الكثيرة في الادب الاسلامي ومؤلفاته الغزيرة في الدعوة الاسلامية والمنافحة عن قضايا الإسلام والمسلمين على كل أرض اسلامية.

 

الأربعاء، 11 أغسطس 2010

رد على تعليق غير معروف

وعليك السلام يا غير معروف
>شكرا لك على اهتمامك بالموضوع، والله تعالى يورث الأرض لعباده المؤمنين الصالحين على صلاحهم;واستمرارهم على ذلك فحين جاء جيل مؤمن صالح من بني إسرائيل أدخلهم الله الأرض التي وعدهم بدخولها مكافأة لهم على الإيمان والصلاح، وليس التوريث أبديا، كما دلت عليه الأحداث التي تلت، فلما فسدوا كتب الله عليهم النفي منها مرة ثم كتب عليهم الطرد والتدمير للهيكل في عهد الرومان على مدى 18 قرنا. وأما عودتهم إليها حديثا فليس لإيمان وصلاح فيهم بل عقوبة للمسلمين

الذين فسدوا كما فسد بنو إسرائيل سابقا، وليتم ما كتبه الله عليهم في آخر الزمان من إساءة وجوههم والقضاء عليهم كما في حديث الرسول الذي ينص على (فتقتلوهم) حتى لا يحميهم حجر ولا شجر.
أما الآية التي ذكرتها في الأعراف/137 فهي مكافأة للذين صبروا من بني إسرائيل، كما ستكون ميراثا لكل عبد لله مؤمن به وبأنبيائه وكتبه ويعمل صالحا. ولن يكون اليهود الصهاينة من هؤلاء لانتفاء هذه الشروط فيهم، وإن كنت ممن يقيم في الأرض المحتلة فأنت تعلم كفر العلمانيين منهم بالدين وكفر المتدينين منهم بعيسى ومحمد وبالإنجيل والقرآن، وتعلم الفساد الديني والأخلاقي والقانوني فيهم، وما محاكمات كبار الكهنة منهم عنك بمجهولة.
إن موعدهم قريب فقد جاء الله بهم لفيفا ليهزمهم عباد الله وليكون شعار انتصارهؤلاء العبادعليهم دخولهم المسجد حديثا كما دخلوه أول مرة على يد عمر بن الخطاب أمير المؤمنين.
وإنا لمنتظرون.
فإن كنت من المسلمين فأرجو أن يكتب لك الله امتداد العمر لتعيش تلك الأيام، وإن كنت من غير المسلمين فعسى أن تكون من الذين يحميهم الغرقد فتعيش في كنف المسلمين غير مظلوم كما عاش بنو إسرائيل في دولة الإسلام 13 قرنا.
وأخيرا إن صاحب الرأي لايخفي نفسه فيترك رسالته غير مذيلة باسمه