الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الروح الإسلامية عند الشعراء السعوديين

الروح الإسلامية عند الشعراء السعوديين

 نشر في موقع الألوكة

صدقي البيك

 

تاريخ الإضافة: 16/10/2010 ميلادي - 8/11/1431 هجري   زيارة: 280     

 

شهد الأدب العربي في مطلع هذا القرن توجُّهًا نحو مفهوم العروبة وتمجيدها، والدعوة إلى القومية العربية والتغنِّي بها، وكان هذا الاتِّجاه في بلاد الشام مصحوبًا بمُناصَبة الإسلام العداء، أو على الأقلِّ بوضعه جانبًا أو إبعاده عن ساحة الأدب؛ وقد يكون السبب وراء هذا أن أكثر الشعراء كانوا من غير المسلِمين، أو كانوا يحملون أفكارًا يَسارِيَّة إلحاديَّة تدعو إلى فصْل الدين عن الدولة، وقد سارَتْ على هذا النهج جِهاتٌ لها صِلَة بالتربية والتدريس ووضع المناهج والكتب الدراسية، التي لم تجد غضاضة في أن تحذف من نصٍّ أدبي نثري جملةً مُعترِضة للكاتب إبراهيم عبدالقادر المازني في حديثه عن الحضارة، فهو يقول: "الحضارة العربية - وسمِّها الإسلامية إذا شئت - حضارة تقوم..."، فلكي يطمس هؤلاء كلَّ شيء يمتُّ إلى الإسلام حذفوا من النص "وسمِّها الإسلامية إذا شئت"؛ ليظهر المازني أمام الطلاَّب الدارِسين أحد دُعاة العروبة، مع أن المازني ومُعظَم الأدباء والشعراء المصريين كانوا لا يُفَرِّقون بين العُرُوبة والإسلام، فإن لم يكونا مترادفَين فهما غير متعارضَين، فهذا الشاعر محمد محمود غنيم يقول:

هِيَ الْعُرُوبَةُ لَفْظٌ إِنْ نَطَقْتُ بِهِ

فَالشَّرْقُ وَالضَّادُ وَالإِسْلاَمُ مَعْنَاهُ

 

وإذا كان الأمر هنالك كذلك، فهل اختَلَف الموقف عند الشعراء في المملكة العربية السعودية؟ إن هذه الدولة قامَتْ جذورها على دعوة محمد بن عبدالوهَّاب، وكانت منذ قيامها في أوائل هذا القرن مبنيَّة أيضًا على الإسلام عقيدة وشريعة، وكانت الثقافة العامَّة السائدة فيها - ولا زالت - ثقافة إسلامية صحيحة وصريحة وصارمة، والتدريس فيها يقوم على موادَّ دراسيةٍ إسلامية عديدة أساسية في النجاح وفي الاحتساب، (في مقابل إهمال مادَّة واحدة للتربية الإسلامية وجعْلها ثانوية ولا تُحتَسب للطالب عند دخوله في الجامعات في بلاد عربية أخرى!).

 

وهذه البلاد حفِظَها الله من شَرِّ المستعمِرين؛ فلم تطأها أقدامهم بالأسلحة والجيوش، ولا بالأفكار والعادات، ولم تنتشر فيها المدارس التبشيرية، بل لم تظهر فيها أصلاً واحدةٌ منها، كما لم يدخلها مستشرقون ولا أساتذة مستغرِبون ينشُرون أفكارَهم بكلِّ جرأة وصراحة، وإذا دخَلَها أحدهم لسببٍ أو لآخَر فلم يكن يجرؤ على نشر أفكاره.

 

لهذا كانت الظُّرُوف المُحِيطة بالشعراء السعوديين لا تُبعِدهم عن الاتِّجاه الإسلامي، بل تجعلهم من مثقَّفيه وحمَلَة أفكاره والدُّعاة إليه، ويظهر ذلك واضحًا لدى هؤلاء الشعراء.

 

وقد تناوَل هذا الموضوعَ كثيرٌ من النقَّاد ودارِسِي الأدب العربي المعاصِر، وأبرزهم الدكتور حسن فهد الهُوَيمل، الذي أصدر كتابًا ضخمًا من 600 صفحة تحت عنوان "النزعة الإسلامية في الشعر السعودي المعاصِر".

 

ولم يقتصر الأمر عند هؤلاء الشعراء على تناوُل القضايا والأفكار الإسلامية في أبيات أو في قصيدة أو في قصائد، بل تجاوَزوا ذلك إلى إصدار دواوين حول المفاهيم الإسلامية وقضايا المسلمين، فأحمد محمد جمال له ديوان "طلائع" الذي يُمَثِّل مُيوله الإسلامية في معالَجة الظواهر الاجتماعية معالَجة إسلامية.

 

وللشاعر أحمد قنديل ديوانان يُفِيضان بالمشاعر الإسلامية هما "شاعر ومشاعر" و"مكَّتي قبلتي"، وللشاعر طاهر الزمخشري ديوان "لبَّيك"، وللشاعر محمد بن سعد الدبل ديوان "إسلاميات" و"أناشيد إسلامية" و"ملحمة نور الإسلام"، وللدكتور عدنان النحوي "ملحمة القسطنطينية" و"موكب النور"، وللشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي ديوان "يا أمَّة الإسلام" و"إلى أمَّتي"، وللشاعر محمد هاشم رشيد ديوان "في ظلال السماء"، وهذا غَيْض من فَيْض.

 

والذين لم يَخُصُّوا المفاهيم الإسلامية بديوان أكثر من ذلك بكثيرٍ، تناثرت قصائدهم الإسلامية في ثَنايا دواوينهم من أمثال حسن الصيرفي، وعبدالسلام حافظ، ومحمد بن عبدالله بليهد، وزاهر بن عوَّاض الألمعي، وأحمد فرح عقيلان، وأحمد إبراهيم الغزاوي... وهم يستعصون على الحصر.

 

وقد تناوَل هؤلاء الشعراء الأفكار الإسلامية من تمجيد القرآن الكريم، والدعوة إلى عقيدة التوحيد والإيمان بالغيب، وتسبيح الله، والدِّفاع عن العقيدة، والجهاد في سبيل الله، والعبادات وآثارها على الأفراد والمجتمع، ومدح الرسول - عليه السلام - وإبراز معجزاته، وأهميَّة الهجرة في إنشاء الدولة الإسلامية، وذكريات الأحداث الإسلامية من هجرة وغزوات وفتوحات.

 

كما أنهم عالَجُوا قضايا المسلِمين المعاصِرة، وشارَكُوهم في الضرَّاء والسرَّاء، وواكَبُوا ثوراتهم التحرُّرية، وكانوا دائمًا يُبرِزون الرُّوح الإسلامية المتأجِّجة في هذه الثَّوْرَات في فلسطين والجزائر وأفغانستان، ومصر ولبنان وباكستان وكشمير، والدعوة إلى الوَحْدَة الإسلامية والتضامُن الإسلامي، ومواساة المسلمين في الكوارث الطبيعية التي أصابَتْهم، كما كانت مواقفهم في القضايا الاجتماعية تنطلق من رأي الإسلام وموقفه منها، كقضايا المرأة والتَّرَف والأخلاق والزهد والعمل والمُسْكِرات والتمييز العنصري.

 

ولا بُدَّ من ذكْر بعض الأمثلة على تناوُل الشعراء السعوديين لهذه المفاهيم والقضايا الإسلامية؛ فالشاعر عبدالله بن خميس يعتزُّ بالإسلام، ويُعلِن رفضه لتلقِّي أيَّة أفكار أجنبية فيقول:

شَرَفِي - مَا عِشْتُ - أَنِّي مُسْلِمٌ

نَسَبِي هَذَا وَهَذَا مَذْهَبِي

لَسْتُ مِنْ (بِكِّينَ) أَسْتَوْحِي الهُدَى

إِنَّمَا أَبْغِي الهُدَى مِنْ (يَثْرِبِ)

 

والشاعر محمد صبحي يقول في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية:

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ قَدْ وَضَحَ الأَمْ

رُ فَخَلُّوا الجَفَا وَخَلُّوا الخِصَامَا

وَتَعَالَوْا لِلاتِّحَادِ وَلَبُّوا

دَاعِيَ الحَقِّ وَالزَمُوا الإِسْلاَمَا

وَاسْتَفِيقُوا فَقَدْ دَهَتْنَا اللَّيَالِي

إِنَّ فِيهَا مِنَ الأُمُورِ عِظَامَا

 

وحسين النجمي الذي ساءَه أن يتمكَّن الصهاينة من احتلال كلِّ أرض فلسطين، وأن يطؤوا بأقدامهم المسجد الأقصى، تَثُور نفسه ويُعلِن رفضه لما آلَتْ إليه حال المسلمين:

أَفَنَرْضَى بِأَنْ تَدُوسَ يَهُودٌ

بِمَكَانٍ لِسَيِّدِ الخَلْقِ مَسْرَى

يَا حُمَاةَ الإِسْلاَمِ هَذَا زَمَانٌ

قَابِضُ الدِّينِ فِيهِ يَقْبِضُ جَمْرَا

 

وها هو الشاعر محمد علي السنوسي يُثِير الهِمَم ويُلهِب الحماسة في صدور أبناء أمَّته يدعوهم إلى الجهاد بالدم فيقول:

يَا أَخِي يَا أَخَا العُرُوبَةِ وَالإِسْ

لاَمِ قُمْ نَنْفُضُ الأَسَى وَالحِدَادَا

قُمْ بِنَا نَكْتُبُ البُطُولَةَ بِالدَّمْ

مِ زَكِيًّا فَقَدْ سَئِمْنَا المِدَادَا

أَنْتَ مِنْ أُمَّةٍ يَلَذُّ لَهَا المَوْ

تُ كِفَاحًا عَنِ الحِمَى وَذِيادَا

لَيْسَ إِلاَّ الجِهَادُ طَبْعًا لِصِهْيَوْ

نٍ فَطُغْيَانُهَا تَمَادَى وَزَادَا

 

والشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي يُخاطِب أمَّته الإسلامية:

يَا أُمَّةَ الإِسْلاَمِ فَجْرُكِ نَوَّرَا

وَالرَّوْضُ فِي سَاحَاتِ مَجْدِكِ أَزْهَرَا

يَا قُدْسَنَا المَحْبُوبَ عُذْرًا إِنَّنَا

تُهْنَا عَلَى دَرْبِ الخِلاَفِ كَمَا تَرَى

سَنَجِيءُ فِي ظِلِّ العَقِيدَةِ أُمَّةً

مَرْفُوعَةَ الأَعْلاَمِ مُحْكَمَةَ العُرَى

أَوَلَمْ يُبَشِّرْهَا الرَّسُولُ بِأَنَّهَا

سَتَظَلُّ أَقْوَى فِي الوُجُودِ وَأَقْدَرَا

 

فشاعرنا مُتفائِل بالنصر الذي بشَّر به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((لا تزال طائفةٌ من أمَّتي قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذلهم، أو خالَفَهم حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون على الناس)).

 

وهذا شاعرنا عدنان النحوي يجد أن اليقين والإحساس بالأمن لا يصمدان أمام كلِّ خَوْفٍ وفي وجه كلِّ ظلام إلا للمؤمن، فيقول:

عَجَبًا أَنْ تَرَى مَعَ الخَوْفِ أَمْنًا

وَمَعَ اللَّيْلِ شُعْلَةً مِنْ يَقِينِ

وَعَلَى الشَّوْكِ نَفْحَةً مِنْ نَدَى الصُّبْ

حِ وَمِنْ رِقَّةٍ عَلَيْهِ وَلِينِ

ذَاكَ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي صَحَّ مِنْهُ

قَلْبُهُ أَوْ مَضَى بِعَزْمٍ أَمِينِ

 

ويتعالَى تعالِي المؤمن عن كلِّ طأطأةِ رأسٍ لغير الله فيقول:

دَرْبِيَ الحَقُّ حَيْثُمَا سِرْتُ أَلْقَى

قَبَسًا شَعَّ أَوْ هُدًى بِيَمِينِي

مَا حَنَيْتُ الجَبِينَ إِلاَّ رُكُوعًا

وَسُجُودًا للهِ فَهْوَ يَقِينِي

 

ولن أزيد على ما سبق، فهذه أمثلة ونماذج لمئات أو آلاف الشواهد التي تؤكِّد ما ذهبتُ إليه من وضوح التوجُّه الإسلامي لدى الشُّعَراء السعوديين المعاصِرين، وليس إشارات عابِرَة في أشعارهم تحتاج إلى بَذْلِ جهد للعثور عليها.


 

 

·         قول: شوفتك ترد الروح(محاضرة - مكتبة الألوكة)

·         من أسرار الروح(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)

·         يسألونك عن الروح(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة) انتشال الروح(مقالة - حضارة الكلمة)

·         صلاة الروح والبدن(مقالة - آفاق الشريعة)

·         التسامح وإذكاء الروح الإيجابية(مقالة - مجتمع وإصلاح)

·         أفراح الروح في رمضان بالبلقان(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 

 

1- الشعراء لم يحظوا بما يستحقون
د/بشير أبو لبن - السعودية 26/10/2010 09:12 PM

الاخ الأستاذ الكريم صدقي البيك
مقالة جيدة ومفيدة ولكنها اختصرت اختصارا مخلا ولم يحظ أي من الشعراء بما يستحقه وبالأخص الشاعر الدكتور عدنان النحوي الذي لم يذكر له سوى ملحمة واحدة وديوان واحد علما بأنه قد أبدع حوالي ثلاث عشرة ملحمة شعرية حسب المفهوم الإيماني لمصطلح الملحمة وكذلك حوالي سبعة دواوين شعرية هذا عدا القصائد الكثيرة التي لم يحويها ديوان ولا ملحمة حتى الان وسوى الكتب والدراسات الكثيرة في الادب الاسلامي ومؤلفاته الغزيرة في الدعوة الاسلامية والمنافحة عن قضايا الإسلام والمسلمين على كل أرض اسلامية.

 

هناك تعليق واحد:

إبراهيم موسى يقول...

وأضم صوتي إلى صوت التعليق رقم(1)الأخ بشيرأبولبن,ولاشك أن البحث الموضوعي لابد أن يستوفي شروطه بالاستقصاء حول الشعراء الإسلاميين -والأعلام منهم خاصة-ومنهم الإمام العلامة الدكتور عدنان النحوي حفظه الله-ومثله لايخفى على الساحة- وأمده بموفور الصحة والسعادة وأطال في عمره لخدمة الإسلام والمسلمين والأقصى والقدس وفلسطين, فهو بحق شاعرفلسطين وأديبها وشيخها,ومن الإجحاف تهميشه على ساحة الشعر والشعراءالإسلاميين السعوديين وغيرهم , هداناالله وإياك لمافيه الخيروالرشادوالسداد,ومن قلب فلسطين لكم تحية.