الجمعة، 30 نوفمبر 2012

الجبهة الشعبية الديمقراطية في حرب الأيام الثمانية في غزة

الجبهة الشعبية الديمقراطية في حرب الأيام الثمانية في غزة
بقلم : صدقي البيك

 
شاركت كتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديمقراطية في معركة غزة 14-21/11/2012، وأدت واجبها بصفتها فصيلاًَ له وجوده السياسي على مستوى المنظمة والسلطة، وكان لها حضو
ر قتالي في عقود سابقة، وتمثيل في المجلس التشريعي المنتخب عام 2006 بنصف نائب ( لقائمتهم مع ثلاث قوى أخرى نائبان)، ولا أذكر أو أتذكر أي دور لكتائبها في حرب الاثنين وعشرين يوماً 2008- 2009)، فلعلها صحت أخيراً إلى أن يكون لها شيء من السمعة بالوجود، فأدلت بدلوها!
وكنت أتابع موقعها وموقع كتائبها إلى جانب مواقع الكتائب الأخرى لقراءة البيانات مفصلة عن أحداث الحرب، واستغربت قلة متابعة موقعَيها للأحداث في أثناء الحرب، فلا أخبار عنها ولا عن عمل غيرها، إلا خبراً عما أصاب عائلة الدلو، وخبراً نشر يوم الأحد خامس أيام الحرب عن دورها في الرد بإطلاق الصواريخ في يومي الجمعة والأحد، وكانت الحصيلة في اليومين 12 صاروخاً.
ومع المتابعة، وبعد ثلاثة أيام من انتهاء الحرب طلعوا علينا بخبر مجمل ومفصل (عمليات كتائب المقاومة الوطنية على مدار 8 أيام من المواجهة): ... قامت الكتائب (بإطلاق 150 صاروخاً و100 قذيفة هاون وتفجير عبوتين ...). هذا هو المجمل الذي قد يكتفي به القارئ مطمئناً ومرتاحاً لهذا الدور .. وليوثقوا كلامهم فصّلوا هذه المشاركة يوماً فيوماً برشقات الصواريخ وتحديد عددها والجهة المقصوفة، وقليل من القراء من يقرأ التفاصيل ، وأقل منهم من يتفحصها، وأنا منهم، فعجبت كيف لا يذكرون هذه التفصيلات اليومية في أثناء أيام الحرب؟! فلعلهم كانوا مشغولين بتجهيز الصواريخ وإطلاقها!
ومع التسليم بصدق هذه التفصيلات أياماً وأعداداً وجهات، فقد هالني التناقض العجيب بين خبرهم السابق اليتيم المنشور يوم الأحد 18/11 عن حصيلة يومي الجمعة والأحد وبين المنشور يوم السبت 24/11 :
1- فقد كان مجموع الصواريخ في اليومين 12صاروخاً: اثنان يوم الجمعة وعشرة بعد ظهر يوم الأحد، في حين أن البيان الأخير 24/11 يذكر أنهم أطلقوا 16 صاروخاً يوم الجمعة، و14 يوم الأحد!!! فما هذا التباين؟! يبدو أن هذه الكثرة من الصواريخ والتأخر في النشر جعلتهم (يخربطون) في العد!!
2- وأدهى من ذلك أنهم نسوا في الخبر الأول أن يذكروا عدد ما أطلقوه يوم السبت، ثم فطنوا إلى هذا السهو الذي أوقعهم فيه الشيطان، فاستدركوا ذلك في الخبر الثاني وذكروا 12 صاروخاً وما أدري ما الذي يبدو لنا من ذلك!
3- ومن عدم الأمانة في الخبر الثاني أنهم لم يشيروا فيه إلى اشتراكهم مع كتائب أخرى في إطلاق عشرة صواريخ في عدة رشقات يومي الجمعة والأحد حسب الخبر الأول، وهذه الكتائب هي ستّ: كتائب أبو الريش والأقصى، و(نبيل مسعود) وأبو علي مصطفى، وسرايا القدس، ومجموعات أيمن جودة. فلِمَ يبخسون الناس أعمالهم؟! هذا إن كانت هناك أعمال.
4- وأغرب من ذلك وأعجب أن مواقع القصف في يوم الأحد في الخبرين اختلفت!! فهي في الأول خمسة: سديروت ونتيف عتسرا وزكيم والنقب الغربي وبئيري، وفي الثاني سبعة: عسقلان، وبئر السبع وأسدود ( هاتان أبعد وأوقع في النفس) وصوفا ومجمع إشكول، والنقب الغربي وبئيري، واتفق الخبران بهاتين الجهتين ولكن اختلفا بعدد الصواريخ!! فما هذه الدقة والصحة في المعلومات؟ ولكنني أقول: لعلهم لم يذكروا المشتركين معهم ورشقاتهم في الخبر الثاني لأنهم تنازلوا لهم وسامحوهم بادعاء وتبني هذه الرشقات واكتفوا بما انفردوا به، مع العلم أنهم ذكروا في الخبر الأول أنهم انفردوا برشقتين: على نتيف عتسرا والنقب الغربي. ونتيف عتسرا لم تذكر في الخبر الثاني. ويبدو أن الذي كتب الخبر الثاني لم يطلع على الأول ولم يقرأه.
5- وقد وجدت شيئاً عجباً، فهم من الحرص والدقة والتوثيق في التفاصيل في الخبر الأول كانوا يذكرون الساعة والدقيقة لإطلاق الرشقات التي بدأت الساعة 12:50 و.. إلى 5:00 مساء. ولم يطلق أي صاروخ ليلاً، في حين أنهم أطلقوا اثني عشر صاروخاً يوم الأربعاء 14/11 الأول من أيام الحرب، وكلها كانت مساء لأن القائد أحمد الجعبري قد اغتيل قبيل المغرب، وفي حين أن حماس لم تبدأ بإطلاق صواريخها إلا الساعة الثامنة مساء الأربعاء.
وهل هناك زيادة على ما سبق؟ ماذا أفعل؟ لا بد من الملاحقة إلى المجمل بعد التفاصيل، وإذا صبر القارئ وجمع مفردات كل يوم من عدد الصواريخ ثم جمع محصلات الأيام الثمانية: 12+23+16+12+14+17+10+21=125 صاروخاً، في حين أن المجمل الذي ذكره الخبر الثاني هو 150 صاروخاً (50 جراد و100 صاروخ 107 )، كما ذكر المجمل: و100قذيفة هاون، وفي التفصيل ذكر 4 قذائف يوم الاثنين و4 يوم الأربعاء الأخير. وذكر المجمل: عبوتين والتفصيل ذكر عبوة واحدة يوم الاثنين.
فما هذه الإحصاءات والدقة والأمانة؟ وما هذا الدور؟ أم هي عملية ملء فراغات وحياكة أخبار؟!!
أم يقولون: يجوز الكذب في الحرب؟ ولكن الكذب الجائز هو على العدو لا الكذب على الأصدقاء

السبت، 4 أغسطس 2012

رمضان ليس شهر الأكل والنوم

رمضان.. ليس شهر الأكل والنوم!! صدقي البيك المظهر الإسلامي في شهر الصوم لا بد أن يكون انعكاساً للنية الصادقة. "شهر رمضان، هذا الموسم الديني المتجدد، وهذا المهرجان الإسلامي العظيم، شهر الخير والبركة. إنه الشهر الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن الكريم، وهو بهذا الشرف جدير، فهو الشهر الذي فيه أنزل القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وفيه بدأ تنزيل القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وهو الشهر الذي شهد أول وأخطر معركة خاضها المسلمون بقيادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تلك هي غزوة بدر الكبرى، التي أظهر الله فيها الحق وأزهق الباطل، وفيه جرت أيضاً أشهر المعارك الإسلامية الحاسمة في التاريخ كعين جالوت وغيرها. فضائل الصوم في رمضان: يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لو علمتم ما في رمضان من الخير لتمنيتم أن يكون رمضان الدهر كله. فالصيام في هذا الشهر يمثل قمة الإيمان الخالي من كل مظاهر الرياء والنفاق، لأنه عبادة لا يراها إلا الله، فليس لها مظاهر تدركها حواس الناس، أما الصلاة والزكاة والحج والجهاد.. فهي عبادات إيجابية، تؤدى بأعمال يراها الناس، ومن هنا قال الله تعالى في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"، هذا كله لأن الصائم لا يكون إلا مخلصاً لله، وصيامه سرٌّ بينه وبين ربه، ويعتمد الصيام في الأساس على عدم القيام بأعمال بل بالامتناع عن أعمال. حكم الصيام: من أبرز حكم الصيام وفوائده أنه يدرب المسلم على الصبر، فأي صبر أوضح من أن يردع الإنسان نفسه عن الطعام والشراب وهما ماثلان أمامه ونفسه تتوق إليهما؟ وأي صبر أقوى من أن يتحمل الإنسان المشاق النفسية والجسدية استجابة لأمر الله وامتثالاً لتعاليمه؟ والمسلم يتدرب بصومه على ملاقاة الظروف القاسية التي قد تعترض حياته إذا انقطعت به السبل، فلا يجزع ولا ينهار لأول صدمة. والصيام يدرب المسلم على الإحساس بمشاعر الآخرين، ومعاناة ما يعانونه، فإذا كان الغني قد تيسر له كل ما يشاء من طيبات الدنيا وحينما يشاء، فإن الفقير يعاني من عضة الجوع وحرقة العطش، ويتعرض لأذاهما طويلاً، فإذا صام المسلم الغني أدرك أن هناك أناساً يجوعون ويعطشون ويألمون من غير اختيار أو صيام، فيرق قلبه لهم ويجود عليهم بما يخفف بلواهم. والصيام في رمضان يدرب المسلمين على النظام والدقة في الوقت، فيقيسون الزمن، فيه. بالدقائق والثواني. على غير ما يفعلونه في غيره من الشهور! فلا يتقدمون عن وقت الإفطار دقيقة ولا يتأخرون عن وقت الإمساك ثانية! وبذلك يتعلم المسلمون الدقة في المواعيد والالتزام بها، فقبيل الإفطار تدب الحركة في حياة الناس وتصرفاتهم، فكل منهم يهرع إلى البيت، ويسير على عجل يسابق الآخرين، حريصاً على الوصول إلى أهله قبل الغروب، فإذا حانت لحظة الإفطار هدأت الحركة في الشوارع وخلت الطرقات من المارة فلا تكاد تسمع إلا همساً، ولا ترى إلا متعجلاً يسابق الريح فاتته لحظة الهدوء والاستقرار فهو يحاول إدراكها. فما أحوجنا إلى دروس رمضان فلا نضيع أوقاتنا وأوقات الناس بالانتظار للمواعيد أو بإهمالها. وما أكثر الدروس والعظات التي يمدنا بها رمضان والصيام فيه، وما أجدرنا بأن نستفيد منها ونتزود بها كلما مررنا بمحطة رمضان في سفرنا عبر الحياة. حالنا الآن في رمضان: هذا ما كان عليه رمضان لدى المسلمين الأوائل، وعند كثير منهم حديثاً، وهذا هو الوجه المشرق المتلألئ لرمضان وللصائمين فيه، ولكن هناك أناساً، وما أكثرهم، أصبح رمضان عندهم شيئاً آخر، المظهر مظهر إسلامي وعبادة مرجوة الأجر، ولكن الاهتمام عندهم ينصبّ على الطعام بأنواعه والأشربة بألوانها!! فكأن رمضان عندهم معرض غذائي لشتى المأكولات والمشروبات التي تزدحم بها موائد الإفطار! ويقبلون عليها بنهم، ويكثرون منها حتى يصابوا بالتخمة، ويثقلون على معداتهم متناسين حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-... فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسه. وبذلك يتلاشى عندهم الإحساس بما يعاني منه الفقراء، وتنقلب عندهم الأمور فينامون النهار و(يقومون!) الليل، ويتأخر العاملون منهم عن الدوام بحجة أنهم (قاموا) ليل رمضان (يعنون سهروا فيه حتى الفجر!!) وإذا لحقوا بأعمالهم كانت عيونهم مفتحة وقلوبهم نائمة، بل لا يتورع كثير منهم عن النوم قلباً وعيوناً، وبذلك تتعطل المصالح والأعمال، وتتوقف عجلة الإنتاج، ويكثر التسويف في الإنجاز للمعاملات، والحضور المتأخر والانصراف المبكر، أهكذا يكون النظام في رمضان؟ أهكذا نحرص على الدقة فيه؟ نحافظ على الدقائق والثواني ونضيع الساعات والأيام!! وأما الصبر فأين هو عندهم؟ وعلام يصبرون وهم في ظل ظليل وبرودة محببة تهب من المكيفات، وأعمال لم يبق فيها مشاق، سهلت ولانت وقلّت، وقصرت فترة الدوام، وتُقضى فترة الصيام والصائم نائم فلا يحس بجوع ولا عطش؟! ومع ذلك فإنهم تثور أعصابهم لأبسط الأسباب ويعبرون عن انفلاتهم العصبي بشتى الطرق من غضب وصخب وعدم احتمال كلام الآخرين، مبتعدين عن تحقيق الصفاء النفسي والسمو الروحي بتطبيق حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن سابّك أحد فقل إني صائم.

الجمعة، 6 يوليو 2012

هل صحيح أن السلطان عبدالحميد فرط في فلسطين؟!

هل صحيح أن السلطان عبدالحميد فرط في فلسطين؟! صدقي البيك تاريخ الإضافة: 3/7/2012 ميلادي - 13/8/1433 هجري زيارة: 314 هل صحيح أن السلطان عبدالحميد فرّط في فلسطين؟! بين حين وآخر يظهر كلام لأحد الصليبيين المعاصرين، يكشف فيه عن صليبيته، من غير أن يدري أن تواريه وراء القضايا القومية والوطنية لا يستر تصرفه هذا. وقد كان هذا الأمر، ولا يزال، ديدنهم، فهم عندما يريدون أن يحطوا من شأن الإسلام لا يجرؤون على إعلان ذلك أو التصريح به، فيلجؤون إلى الهجوم على بعض الرموز الإسلامية من علماء معاصرين أو قدامى، أو من خلفاء أو سلاطين، فيتقوّلون عليهم أو يؤولون أقوالهم أو يفسرون أعمالهم أو يزورون عليهم غير ما قالوا وما فعلوا، ليسقطوهم من أعين القراء ويسقط معهم ما كانوا رمزاً له، وهذا هو مقصدهم. ومن ذلك ما يذكره الكاتب اللبناني جان داية من أن "... صمت السلطان عبدالحميد كان وراء ضياع فلسطين"!! هذا الخليفة العثماني الذي تسلم زمام الأمور في أحلك الأيام التي مرت بها الدولة العثمانية، عندما كانت دول أوروبا النصرانية من روسيا إلى فرنسا إلى إنجلترا، تحاول نهش أطرافها، وسمتها بالرجل المريض، هذا الخليفة الذي كان أشرف وأسمى عمل قام به هو تصديه للمحاولات الصهيونية استلاب فلسطين، حتى أيأس زعيم الصهيونية هيرتزل من كل مساعيه فلجأت الصهيونية ومعها الماسونية والعملاء الأغبياء من دعاة القومية الطورانية والعربية و... إلى إسقاطه بالانقلاب عليه، حتى كان أحد أعضاء الوفد الذي دخل عليه لإجباره على التنازل عن العرش، الصهيوني مزراحي قره صو، الذي سبق له أن حاول مع هيرتزل مخادعة السلطان بالسماح لليهود بامتلاك أرض فلسطين مقابل ملايين الليرات الذهبية. يقول جان داية "ومما يعزز الرأي بأن السلطان لم يكن ضد الاستيطان اليهودي في فلسطين موافقته على قرار القاضي بإعدام نجيب عازوري لأنه كشف تواطؤ الوالي في هذا الاستيطان" مع أن عازوري هذا كان معاوناً للوالي في القدس لمدة ست سنوات، وعديله (بشارة حبيب) كان مترجماً للوالي، ويقول عنه عازوري "كان يجبي لنفسه وللوالي أضعاف جباية المأمورية، وذلك عبر مهاجري اليهود.. والترخيص لهم بالبناء على الرغم من الإرادات السنية". والمعروف عن نصارى لبنان وغيرها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أنهم كانوا يحاربون الدولة العثمانية باسم القومية، واستطاعوا أن يغووا بذلك بعض ضعاف النفوس للوقوف هذا الموقف بحجة محاربة الاستبداد والمطالبة بالاستقلال، وكانوا يتعاونون مع الفرنسيين "مؤتمر باريس" أو مع الانجليز "في الحرب العالمية الأولى". ومن المعروف أيضاً أن الدولة العثمانية كانت تعامل اليهود في بلاد الشام، قبل 1897م معاملة المواطنين فيها، وهم أهل ذمة لهم حقوق وعليهم واجبات، وذلك حين لم يكن يبدو منهم خطر على البلاد، وأما بعد المؤتمر الصهيوني في بال بسويسرا عام 1897م وكشف اليهود عن نيتهم في إقامة دولة لهم في فلسطين، ومحاولات هيرتزل مقابلة السلطان وإغرائه بالأموال، فقد رفض السلطان السماح لهم بالإقامة في فلسطين وشدد عليهم عبر إرادات سنيّة كثيرة، وردّ على هيرتزل بما ذكره هذا في مذكراته، وبما أعلنه السلطان من منفاه بعد خلعه عن العرش، في رسالة أرسلها إلى شيخه أبي الشامات في دمشق. ومن العجيب أن هذه الرسالة عندما نشرت مجلة العربي ترجمتها ، مُزقت الرسالة من المجلة التي دخلت إلى سورية، وكأن الهدف من ذلك ألا يسمع أحد بالموقف المشرف الذي وقفه السلطان ورفضه السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين، والتفريط فيها، بعد أن فرّط العرب ببقيتها في حرب 1967م، ثم قبلوا بوجود إسرائيل في فلسطين المحتلة عام 1984م. ويكفي السلطان فخراً أن يشهد له نجيب عازوري نفسه بمقاله المنشور في 1904م يندد فيه بالوالي في القدس والذي يقوم بأعمال "على غير رغائب جلالة السلطان الأعظم، وقد وردت بشأنها إرادة سنيّة مراراً عدة قاضية بعدم السماح لليهود بأن يتملكوا شبر أرض في تلك الأراضي المقدسة". فالذي يقول هذا الكلام لا يحق له أن "يحمل السلطان مسؤولية امتلاك الأجانب للأراضي الزراعية في جهات فلسطين ونواحي بيت المقدس". كما أن الموسوعة الفلسطينية تترجم للسلطان عبدالحميد في المجلد الثالث من القسم العام، مبتدئة كلامها بالقول "هو السلطان الذي يعد سلطاناً مناوئاً للحركة الصهيونية وللهجرة اليهودية إلى الأراضي المقدسة.." وتختم الحديث عنه بالقول:"والحقيقة أن موقف السلطان المتشدد حيال الهجرة اليهودية إلى فلسطين كان سبباً مباشراً في الثورة التي قامت عليه وأدت إلى خلعه في 24/4/1909م، واستعرضت الموسوعة بين هذين القولين الأوامر التي وجهها إلى متصرفية القدس ويافا بعدم السماح لليهود بالدخول إلى البلاد إلا حجاجاً أو زواراً، وبحمل الأجانب منهم لجوازات سفر توضح عقيدتهم اليهودية، وعرضت كذلك ست محاولات قام بها هيرتزل للقاء السلطان وأخفق فيها إلا واحدة استطاع فيها أن يقابل السلطان بصفته صحفياً يهودياً لا رئيساً للمنظمة الصهيونية، وكان مع شخص آخر صديق للسلطان هو فامبري، ومع ذلك كان رد السلطان على مطالب هيرتزل كما وردت في مذكراته:" بأنه لن يبيع قدماً من أرض الإمبراطورية لأنها ليست ملكه بل ملك الشعب الذي ضحى في سبيلها وأراق الدماء من أجلها، وبأن ملايين جنيهات اليهود لن تغير من الأمر شيئاً". ويقول السيد رفيق النتشة العضو البارز في فتح والمنظمة والسلطة الوطنية، في كتاب له بعنوان "الإسلام وفلسطين":"... وقام اليهود بمحاولة أخرى 1902م فتوجه وفد لمقابلة السلطان برئاسة اليهودي "مزراحي قراصو" حاملاً عرضاً مغرياً قدمه إلى رئيس الوزراء "تحسين باشا" ليعرضه على السلطان، بعد أن رفض السلطان مقابلتهم. ومما جاء في هذا العرض تعهد اليهود بالوفاء بجميع ديون الدولة وهي 33 مليون ليرة إنجليزية ذهبية، وبناء أسطول الدولة بتكلفة 120 مليون فرنك ذهبي، وتقديم قرض بـ35 مليون ليرة ذهبية من دون فوائد، مقابل إباحة دخول اليهود إلى فلسطين في أي يوم من أيام السنة بقصد الزيارة، والسماح لليهود بإنشاء مستعمرة في القدس الشريف ينزل فيها اليهود في أثناء زيارتهم... وكان رده: إن الديون ليست عاراً على الدولة، وبيت المقدس قد افتتحه للإسلام أول مرة سيدنا عمر بن الخطاب، ولست مستعداً أن أتحمل في التاريخ وصمة بيعها لليهود وخيانة الأمانة التي كلفني المسلمون بحمايتها، وليحتفظ اليهود بأموالهم، فالدولة العلية لا يمكن أن تحتمي وراء حصون بأموال أعداء الإسلام". ولم ييئس هيرتزل، فحاول للمرة السادسة في 1904م مقابلة السلطان وأخْذ وعد بذلك، فكان رده، كما ذكر هيرتزل في مذكراته أيضاً "انصحوا الدكتور هيرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع... وإذا مزقت إمبراطوريتي يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أن أرى فلسطين قد بترت من إمبراطوريتي..." فكيف يتنطع بعد هذا كله كاتب مثل جان داية فيتهم السلطان بأن صمته، كان وراء ضياع فلسطين؟! ثم إن كل ما كان قد ملكه اليهود من 1866م حتى 1909م هو 158.5 ألف دونم، فيها 99 ألف دونم امتلكها اليهود قبل عام 1897م، و59.5 ألف دونم من 1897م حتى 1909م، وهذه الأرقام حسب كتاب يهودي بعنوان "دعوى نزع الملكية" يفصل فيه مؤلفه كل صفقة بيع تمت بين الصهاينة وعملائهم بالاسم والمساحة والموقع والتاريخ، فكيف يتفق هذا مع ما زعمه جان داية نقلاً عن نجيب عازوري "... وفي 1903م وسّط كاظم بك شركاءه في استمالة عرب بير سبع إلى بيع أراضيهم لليهود، ومساحتها تبلغ مائة ألف دونم"؟ ثم يقول:" فإن الوالي وشركاءه قد تعهدوا لممثلي الحركة الصهيونية بأن يقنعوا فلاحي غزة ببيع مائة ألف دونم... حتى أصبحت الشركات اليهودية تمتلك تقريباً نصف أحسن الأراضي في أقضية يافا وثلاثة أرباع أراضي حيفا وصفد وطبرية ومرجعيون..." هذه الأرقام من مبالغات نجيب عازوري، الذي تقاضى عديله، حسب قوله، "بشارة حبيب والجزدار وباقي الوسطاء الخونة عشرة آلاف ليرة عثمانية إضافة إلى مبلغ خمسين ألف ليرة للوالي على أساس ربع ليرة عثمانية على كل دونم" وهذا يعني أنه سهلوا عملية بيع أكثر من مائتي ألف دونم في غضون ثلاث سنوات!! والحقيقة أن المساحات التي بيعت لليهود، على رغم كل الأوامر السلطانية بتحريم البيع لليهود، كانت أقل من ذلك، وكانت فعلاً بتلاعب من الموظفين الخونة بدءاً بالوالي وانتهاء بمترجمه وبالسماسرة، وما أكثر ما تقع في كثير من البلاد مخالفات لأوامر السلطة العامة. وهكذا يتبين لنا حرص بعض الكتاب على الإساءة إلى السلطان عبدالحميد بشتى الوسائل، ولكن بحر إخلاصه العميق لا يعكره حجر أو صخرة تلقى فيه. أو كما قال الشاعر: كناطحٍ صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنَه الوعلُ

الأربعاء، 27 يونيو 2012

الغزل بين يدي الرسول (ص)

الغزل بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم صدقي البيك كان للقصيد في الشعر العربي في العصر الجاهلي غالباً منهج محدد، يسلكه الشاعر، سواء أكان الشاعر مقلاً أم كان مكثراً، فكانت القصيدة تبدأ بمقدمة غزلية، يتغزل فيها الشاعر بامرأة، يذكر اسمها وتعلق قلبه بها، ويصفها وصفاً حسياً أو معنوياً، ويقف على أطلال ديارها يشكو هجرانها له، ويحيي ذكرياته معها في تلك الديار التي أقفرت من ساكنيها، وسمي هذا لمطلع للقصيدة: "الوقوف على الأطلال". وكان يفعل ذلك الشعراء الذين اشتهروا بالمجون، والذين اتصفوا بالعقل والرزانة، والشعراء الشباب، والشعراء الذين تقدمت بهم السن، فالشاب طرفة بن العبد يقول: لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد والماجن امرؤ القيس يستوقف صاحبيه على أطلال محبوبته: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل والشيخ الهرم الذي نيف على الثمانين زهير بن أبي سلمى يقول: أمن أم أوفى دمنة لم تكلم؟ بحومانة الدراج المتثلم وقفت بها من بعد عشرين حجة فلأياً عرفت الدار بعد توهم وهذا الغزل لم يكن تغزلاً بزوجة الشاعر دائماً، فقد يتغزل بها أو بغيرها، وغالباً ما يكون بغير زوجته، ضناً بها عن أن يتحدث عنها الناس. وكانت هذه الطريقة أسلوباً سلكه الشعراء في العصر الجاهلي، واستمروا عليه حتى بعد ظهور الإسلام، فالشعراء المخضرمون الذين أسلموا ساروا على هذا النهج، وشعراء العصر الأموي لم يخرجوا عليه.. إلى أن لحق التجديد نهج الشعر في العصر العباسي، بعد معركة كلامية حامية بين من خرج على هذا النهج (المحدثين) ومن بقي عليه (المحافظين). ولما جاء الإسلام بعقيدة جديدة على المجتمع الجاهلي، وبأخلاق سامية نبيلة، هذبت هذه العقيدة سلوك أفراد المجتمع، نتيجة تحريم الخمرة، وطلب الحفاظ على العرض وغض البصر... فلم يكن بد من أن يلتزم المجتمع بذلك في سلوك أفراده. أما الشعراء، فقد قال الله تعالى عنهم في كتابه العزيز ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 224 - 226] ومع ذلك، كان منهم شعراء مسلمون يؤدون دورهم الإعلامي، ويجاهدون بالكلمة المنافحة عن الإسلام والمسلمين، وقد استمروا على النهج الذي كانوا عليه؛ فكانوا يبدؤون قصائدهم بالغزل التقليدي، ويقفون على الأطلال، ولم يكن المسلمون يحاسبونهم على كل كلمة يقولونها في شعرهم، ولا يستنكر عليهم ذلك أحد: فهذا كعب بن زهير بن أبي سلمى كما تروي كتب الأدب والتاريخ، يقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدحه ويعتذر إليه عما بدر منه من هجاء له وعن محاربته للإسلام بشعره، ويفتتح قصيدته، على عادة شعراء الجاهلية بالوقوف على الأطلال، بل بالغزل مباشرة فيقول: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول هيفاء، مقبلة، عجزاء مدبرة لا يشتكى قصر منها ولا طول تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالراح معلول شجت بذي شبم من ماء محنية صاف بأبطح أضحى وهو مشمول فيا لها خلة قد سيط من دمها فجع وولع وإخلاف وتبديل فما تدوم على حال تكون بها كما تلوّن في أثوابها الغول وما تمسّك بالوعد الذي وعدت إلا كما تمسك الماء الغرابيل كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً وما مواعيدها إلى الأباطيل أرجو وآمل أن تدنو مودتها وما لهن، إخال، الدهرَ تعجيل أمست سعاد بأرض لا تبلغها إلا العتاق النجيبات المراسيل فهو يصرح بذكر اسم المرأة التي يتغزل بها، ويصف جمالها وكمالها وأخلاقها الحسنة وعاداتها.. فهي هيفاء عجزاء مكحولة العينين ذات صوت أغن، معتدلة القوام، وتعد وتخلف، وتتلون وتتقلب.. أوصاف جسدية ومعنوية. والرسول صلى الله عليه وسلم يستمع إليه، فلا ينهره ولا يردعه! وأين يلقي كعب قصيدته هذه؟ إنه يلقيها بين يدي الرسول عليه السلام، وفي مسجده وبعد صلاة الفجر، ويروي هذه القصيدة ابن هشام في سيرته في الصفحة 153 من الجزء 4، كما يرويها ابن كثير في تاريخه "البداية والنهاية" في الصفحة 370 من الجزء الرابع، مقدماً لها بقوله: وجاء به رجل من جهينة بينه وبينه معرفة فغدا به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح، فصلى مع رسول الله ثم أشار له إلى رسول الله، فقال، هذا رسول الله، فقم إليه فاستأذنه، وقام فجلس إلى رسول الله، ووضع يده في يده، والرسول لا يعرفه. وقد يقول قائل: إن كعباً نظم هذه القصيدة وهو جاهلي، وقبل أن يسلم، ولا يعرف أحكام الإسلام. ولكن الحقيقة أن كعباً لم يكن يجهل مفاهيم الإسلام، فقد كان يهجو الرسول والمسلمين، وترددت الرسائل بينه وبين أخيه المسلم بجير مرات، كما أن المشركين كانوا يعرفون مفاهيم الإسلام ومواقفه الأخلاقية.. وسواء أكان هذا أم ذاك، فإن الرسول عليه السلام لم يعنفه على ما قال في مطلع قصيدته، ولم يرشده إلى التخلي عن ذلك، بل يورد ابن كثير، أن الرسول صلى الله عليه وسلم نبه الصحابة إلى بيت كعب: نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول فأشار رسول الله إلى من معه (أن اسمعوا). ويروى أن الرسول تدخل في صياغة بعض أبيات القصيدة، فلما قال كعب: مهند من سيوف الهند مسلول سأله الرسول: ألا يصح.. من سيوف الله؟ قال: بلى. وهذا يدل على أن الرسول عليه السلام، لم يعترض على أبيات المقدمة، واستمع إليها مع كثرة أبياتها! وحسان بن ثابت شاعر الرسول، الذي نافح بشعره عن الإسلام وعن الرسول، له قصيدته الهمزية، التي تتصدر ديوانه، ويرويها كاملة ابن هشام في سيرته (في الصفحة 43 من الجزء الرابع)، فيما قيل من شعر في يوم الفتح، كما يذكرها ابن كثير بتمامها (في تاريخه في الصفحة 310 من الجزء الرابع)، ولا يتورع أي منهما عن ذكرها في كتابه، وهذه القصيد يبدؤها حسان بوصف الأطلال ثم بالغزل فيقول: عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء فدع هذا، ولكن من لطيف يؤرقني إذا ذهب العشاء لشعثاء التي قد تيمته فليس لقلبه منها شفاء عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء فحسان في هذه الأبيات لم يكتف بالوقوف على أطلال شعثاء بل تغزل بها، فطيفها يؤرقه، ولا شفاء لقلبه منها.. ويزيد على ذلك أنه يذكر أربعة أبيات يتحدث فيها عن الخمرة. وقد يقول قائل: هذه المقدمة ليست جزءاً من قصيدة حسان في مدح الرسول وفتح مكة، إنما هي مقدمة لقصيدة أخرى من شعر حسان في جاهليته، اتفقت في الوزن والقافية والروي وحركته، مع القصيدة التي تحدث فيها عن فتح مكة. ولكن ما يلفت النظر أن ديوان حسان لا يحتوي على قصيدة همزية أخرى بهذه المواصفات، وكذلك لم يشر جامع الديوان ولا ابن هشام ولا ابن كثير إلى انفصال المقدمة عن بقية القصيدة، كما أن العالمين الجليلين ابن هشام وابن كثير، لم يعلقا على القصيدة بنقد أو بعيب أو أي إشارة إلى تناقض هذه المقدمة مع أحكام الإسلام، فكأنهما نظرا إليها من الناحية البيانية والشعرية، على أنها شيء مألوف ومعروف ومعفوّ عنه في أوساط الأدب والأدباء، فلا يثير عندهم شيئاً من الاستنكار. ولذلك يستغرب المرء الآن أن يجد من يستنكر إلقاء الشعر في المسجد أو يعترض على من يرد في شعره كلمة غزلية عابرة من مثل "فالوجه الباسم لامرأة وسط حقول الرمان، أجمل من أشعاري وقوافيّ". ولم تكن قصيدة حسان السابقة هي الوحيدة التي يفتتحها بالمقدمة الطللية والغزل، بل هناك قصيدة أخرى أوردها ابن كثير (في الصفحة 361 من الجزء الرابع)، في ما كان من أمر الأنصار وتأخرهم عن الغنيمة بعد حصار الطائف. قال حسان: ذر الهموم، فماء العين منحدر شحا إذا حفلته عبرة درر وجدا بشماء إذ شماءُ بهكنة هيفاء لا ذنن فيها ولا خور دع عنك شماء إذ كانت مودتها نزراً، وشر وصال الواصل النزر وأنت الرسول، وقل يا خير مؤتمن للمؤمنين إذا ما عدد البشر فهو يأخذه الوجد بشماء، وهي بضة ناعمة دقيقة الخصر ما فيها ضعف ولا فتور. وهذا كله بعد غزوة الطائف في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يعترض عليه رسول الله ولا الصحابة، ولم يستنكر ذلك منه ابن كثير صاحب التفسير والحافظ للحديث والفقيه السلفي، وأورد ذلك في كتابه. ولو كانت كتب التاريخ تروي كل القصائد كاملة لوجدنا لكثير من قصائد الشعراء المخضرمين مقدمات طللية غزلية، ولكن الغالب على هذه الكتب أن تذكر من القصيدة الأبيات التي لها علاقة بالحدث المقصود. وكل هذا يدل على أن النظرة إلى الأدب والشعر خاصة، كانت غير متشددة، وفيها تساهل لا نجده مع النصوص النثرية، ولعل ذلك داخل في باب فهمهم لقول الله تعالى عن الشعراء: ﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 226] وأنهم يتطرقون إليه من غير تزيين له وإغراء به.

الخميس، 29 مارس 2012

عمرك وكيف تحياه

عمرك.. وكيف تحياه؟
صدقي البيك

تاريخ الإضافة: 28/3/2012 ميلادي - 5/5/1433 هجري
خلق الله الزَّمنَ ليكون هو البعد الرابع للأشياء، خاصة الأشياء الحية، بعد الأبعادِ الثلاثة من طولٍ وعرض وعمق، وليكونَ هو الظرفُ الثاني للأشياءِ في وجودها بعد المكان.
والزمنُ هو الذي ترتبطُ به حياة الأحياء، في ولادتِها ونموها وتطورها، ثم وفاتها، ولولا الزمنُ ما كان لهذه الأحياء ما يميزها من الجمادات.
وحياةُ الإنسان مرتبطةٌ في وجودِها بهذا الزمن الذي يمكن أن نطلقَ عليه أيضًا اسم (الوقت).
ومنذ خلقَ الله الجماداتِ ومن بعد ذلك الأحياء، جعل حركةَ الجمادات مقياسًا للزمن، وقد سخَّر الله تعالى للإنسانِ هذه المخلوقات الضخمة ليستطيع - بما هداه الله وبما يراه من حركتِها المنتظمة - أن يقيسَ الزمن.
وعندما يسأل بعضُ الناس محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن حركةِ بعض أجرام السماء تجيئه الإجابةُ لافتة نظره إلى أهميتِها في قياس الزمن: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة : 189]، وكذلك الشمس والقمر، والليل والنهار (آلات) يقيس بها الإنسانُ وقتَه، كما في قوله - تعالى -: ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [الأنعام : 96]، ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس : 5].
خصائص الوقت:
وللوقتِ خصائصُ ومميزات تجعله فريدًا أمام كثير من مخلوقات الله التي سخَّرها للإنسان.
• وأول هذه الميزات أنه يسيرُ دائمًا إلى الأمام، وبانتظام، ولا يستطيعُ الإنسان ولا أي مخلوق آخر أن يوقفَ الزمن، ولا أن يسرعَه أو يبطئه، ولا أن يرجعَه إلى الوراء، ولعلَّ من أكبر أمنيات الإنسان وأحلامه أن يتجولَ عبر الزمان تقدمًا ورجوعًا، أو أن يسافرَ إلى الماضي أو المستقبل كما يفعل عبر المكان.
وقد عبَّر أحدُ فلاسفة الغرب وكتَّابه الكبار في أواخرِ القرن الماضي، وهو "هـ.ج.ويلز" عن هذه الأحلامِ بقصةٍ من الخيال العلمي وهي "آلة الزمن Time Machine" ليحقِّقَ في أحلامِه القصصية أمنيةً مستحيلة، فيمخر بآلته عبر الزمانِ رجوعًا إلى الماضي، وتقدمًا نحو المستقبلِ المجهول يرتاده ويرى أحداثه.
ولكن هيهات ذلك للإنسان، فأنَّى له ذلك وقد جعلَهُ الله - تعالى - خاضعًا لمسيرةِ الزمن المنتظمة، لا مُخضعًا لها، وإذا كان جسد الإنسان خاضعًا لمسيرةِ الزمن، سائرًا في ركابِه، غير قادر على التقدمِ أو التأخر أو الانفلات منه، وغير قادر على تسريعِه أو تبطيئه، فهل روحُه كذلك؟ هل يطويها الزمنُ تحت جناحيه؟ أو أنها تمتطيه أو تستطيع الانفلات من قيودِه المفروضة على الأجسام المادية؟
هل يمكن أن نرى في قدرةِ روح الإنسان على التذكر عودة إلى الماضي؟ وهل يمكن أن نرى في رؤاه - مناماته - سياحة للروحِ في عالم الزَّمان مستقبلاً؟
كل هذه أسئلة تتعلَّقُ بالروح، وجوابها قول الله - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء : 85]، والإنسانُ يقسم الزمن إلى ثلاثةِ أقسام:
• ماض لا يعرفُ الإنسانُ بدايتَه، ويجهل معظمَ أحداثه.
• وحاضر قصير قصير، يلهثُ لاقتناصِه.
• ومستقبل طويل لا يعرفُ نهايتَه، ويجهل كل مجرياته.
• والسمة الثانية التي يمتازُ بها الوقت - خاصة الحاضر منه - هي سرعة انقضائه، فلا يكادُ المرء يدركُ الوقتَ الذي هو فيه حتى يطير من بين يديه، وزد على ذلك أن الوقتَ الماضي كله - على طوله - يراه الإنسانُ قصيرًا، فإذا سئل عنه أحسَّ بقصرِه، فعندما تساءل أهلُ الكهف عن الزمنِ الذي لبثوه وهو يزيدُ على ثلاثمائة سنة قدَّروه بيومٍ أو بعض يوم: ﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ [الكهف : 19]، وليس هذا الإحساس بقصرِ الماضي وقفًا على الوقت المستغرق في النوم، فوقت اليقظة أيضًا يدخلُ في هذا الإحساس، وهذا ما يدركُه كلُّ واحد منا، وقد عبر عنه الشاعر العربي بقوله:
مَرَّتْ سِنُونٌ بِالْوِصَالِ وَبِالْهَنَا
فَكَأَنَّهَا مِنْ قِصْرِهَا أَيَّامُ
ثُمَّ انْقَضَتْ تِلْكَ السِّنُونُ وَأَهْلُهَا فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُمْ أَحْلاَمُ
ولا بد من التنبيهِ إلى أنَّ ميزانَ الإنسان الداخلي لقياس الزمن يتأثَّرُ بحالته النفسية، فهو إذا كان سعيدًا مسرورًا أحسَّ بسرعة انقضاء حاضره، وإذا كان كئيبًا تطاول عليه الزمنُ وضاق به ذرعًا، فهذا الشاعرُ ابن خفاجة، ومثله كثير من الشعراءِ يصور إحساسَه بطولِ ليله الكئيب:
تَطَاوَلَ حَتَّى قُلْتُ لَيْسَ بِمُنَقَضٍ وَلَيْسَ الَّذِي يَرْعَى النُّجُومَ بِآيِبِ
ويكفينا أن نذكرَ كلمةً تحكى عن نوح - عليه السلام - وقد لبث في قومِه ألف سنة إلا خمسين عامًا، فعندما سئل: كيف وجدت الدنيا؟ أجاب: كدارٍ لها بابان؛ دخلتُ من أحدِهما وخرجتُ من الآخر!
وهذا الزمن الذي لا يسيرُ إلا إلى الأمام لا يستطيعُ أحد من البشرِ أن يعودَ به إلى الوراء، فما مرَّ منه فقد انقضى ولا عودة، وما ضاع منه فلا يُستعاد، ولذلك يردُّ الله - تعالى - على من يتمنَّى استرجاعَ ماضيه بالرَّفض: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون : 99 ، 100]، وفي الآخرةِ ترى الذين أضاعوا حياتَهم الدنيا يتمنون أن يعيدَهم الله إلى الدنيا؛ للتعويضِ عمَّا فاتهم، فلا يُجابون إلى ما يطلبون؛ ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة : 12]، وهذا أبو العلاء المعري يصوِّرُ عجزَ الإنسانِ عن استرجاع أقرب يوم إلى حاضرنا وهو اليوم السابق ليومنا:
أَمْسُ الَّذِي مَرَّ عَلَى قُرْبِهِ يَعْجِزُ أَهْلُ الْأَرْضِ عَنْ رَدِّهِ
ويعد الوقتُ أغلى شيء وضعه الله تحتَ تصرفِ الإنسان، وقد جاء هذا الغلاء من كونه لا يرجعُ إذا مضى، ولا يُعوَّضُ إذا ضاع، بينما يستطيعُ الإنسانُ أن يعوضَ كلَّ شيء آخر بما يغني عنه، ولذلك عبر أصحابُ الحكمةِ عن هذا الغلاء فقالوا: "الوقتُ من ذهب"، فقرنوه بأغلى شيء مادي يعرفه البشر، ولا يعرفُ قيمةَ هذا الوقت وغلاءه إلا الذين فقدوه وأضاعوه، ولات ساعة معرفة، وذلك عند الموت، وهم يعرفون أنه لا عودةَ للماضي، فيتمنون أن ينسأ لهم في أجلِهم ويمد لهم في عمرِهم؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون : 10]، وبسبب هذه الخصائص كان للوقتِ أهمية عظيمة لا بدَّ للإنسان أن ينظرَ إليها باهتمام، ويحسب لها حسابًا شديدًا وهو يعملُ في نطاقِ الزمن.
أعمار البشر:
يمكن تقسيمُ الوقتِ الذي يعطيه الله للإنسانِ إلى ثلاثة أقسام:
1- عمره الدنيوي: وهو الأعوام والأيام التي تمتدُّ من ولادتِه حتى وفاته.
2- عمره البرزخي: وهو الممتدُّ من لحظةِ وفاته حتى بعثِه في الآخرة.
3- حياته الأخروية: التي تمتدُّ من بعثِه إلى ما شاء الله.
وهذا القسمُ الأخير هو المستقبلُ الحقيقي والأساسي لكلِّ إنسان، وفيه يكون الجزاء على ما قدَّمَ في الدنيا، والخلود في هذا الجزاء، أما عمره الأوسط (البرزخي) فهو إرهاصٌ لما سيكون عليه مستقبله الأخروي، فكأنه تهيئةٌ وإعداد لهذا الإنسانِ للتعامل والتأقلم مع جزائه في الآخرة، وأمَّا عمره الدنيوي فهو الذي يُعطى فيه حرية التصرف والمسؤولية، وفيه يعمل، وعليه يُحاسَب، وهو الوقت الذي يمكنُ أن يكسبَ أو أن يضيع.
تنظيم الوقت:
يعد اليوم الوحدة الأساسية لقياسِ عمر الإنسان، ولا بد لكلِّ فردٍ من البشر أن ينظمَ وقته بتنظيم يومه؛ لئلا يضيع عليه شيءٌ منه سدًى، وهو بحاجةٍ إلى جزء من يومه ليعمل فيه وينتج ما يكفيه لشؤون حياتِه الجسدية؛ من مأكلٍ ومشرب وملبس ومأوى.
وقد يستغرقُ هذا الجزءُ ثلثَ يومه في الظروفِ العادية، وجسده المتعب نتيجة للجهودِ المبذولة في هذا السبيل بحاجةٍ ماسة إلى الراحةِ المطلقة، التي لا يستغني عنها الجسدُ والعقل، وهذه الراحة هي النوم الذي جعله الله للناسِ سباتًا وليسكنوا فيه؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ﴾ [الفرقان : 47]، ويلزم للإنسان أقل من ثلثِ اليوم لنومه، ويبقى بعد ذلك ثلث اليوم، وهو الوقت الذي يمكنُ أن يكون قسمٌ كبير منه وقتَ فراغ، يصرف منه المسلمُ ساعات متفرقة على عباداته اليومية المفروضة.
وقت الفراغ:
هذا الوقتُ هو الذي يمكن أن يضيعَ في أنواعِ اللهو التي لا يليقُ بالمسلمِ أن يأتي بها، والتي نهى عنها الإسلام؛ كاللعبِ بالنرد والورق، والاستماع إلى الغناءِ الماجن وتربية الكلاب و...، كما أنَّ استنزاف الساعاتِ الكثيرة في متابعةِ الألعاب الرياضية أو مشاهدة شاشات التلفزيون يدخلُ في هذا الوقتِ الضائع، وإذا توافر للشبابِ مع هذا الفراغ شيءٌ من المال والقدرة فسدت أعمالُه كما يقولُ أبو العتاهية:
إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَةْ مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَةْ
والحقيقة أنَّ كلَّ أعمال الدنيا والعلوم المادية التي لا تدع للإنسانِ وقتًا، وتشغله عن الإحاطةِ بعلوم الدين الضرورية للمسلم، وعن تأدية العبادات المفروضة عليه - تعدُّ من مُضيعاتِ الوقت.
ولكن هذا لا يعني أنَّ الإسلامَ يمنعُ الرياضةَ ومشاهدة التلفزيون والعلوم المادية، ولكن يعني عدم الإفراط فيها، وهو ما يؤدي إلى التفريطِ في أمور أخرى، فالأفضل ألا يكون هناك إفراطٌ ولا تفريط، والرسول- صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يرضى الإفراطَ في العبادةِ والانقطاع إليها عن أمورِ الدنيا، فقد نهى ثلاثةً من الصَّحابةِ عن ذلك، وقال لهم: ((إنما أنا أخشاكم لله وأتقاكم، ولكني أقومُ وأنام، وأصومُ وأفطر، وأتزوَّجُ النساء، فمن رغبَ عن سنتي فليس مني))؛ رواه البخاري.
فهذا هو التوازنُ الذي يدعو إليه الإسلامُ والذي يتمثَّل في قولِ الله - تعالى -: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص : 77].
قتلة الوقت:
وهؤلاء الذين يقضون أوقاتَهم في اللهوِ البريء أو غير البريء، ولا يتورَّعون عن القول: "إننا نقتلُ الوقتَ ونتسلى"، هؤلاء حقيقة هم قتلة لأغلى ما يملكون وما يحتاجون إليه، إنهم يبذرون رأسَ مالِهم، ويبددون أيامَ عمرِهم، ولا يدرون أنهم بذلك يحثون الخطى إلى آجالهم:
الْمَرْءُ يَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ يَقْطَعُهَا وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ
هؤلاء فيهم عيوبٌ يتَّصفون بها؛ منها الغفلة، بل هي مرضٌ فتَّاك إذا أصاب إنسانًا قضى على وقتِه، فصاحب الغفلة يفتقرُ إلى الإحساسِ بالأحداث ووعي الأمور، ولا يدركها إلا بعد فواتِ الأوان، ولات ساعة مندم.
ومنها التسويف، فهو يعرفُ ما يُطلب منه وما يجب عليه، ولكنه يؤجِّلُ التنفيذَ ظنًّا منه أنَّ الزمنَ بيده ومتسعٌ أمامه، وبذلك تمرُّ الساعاتُ والأيام وهو يؤجِّلُ ويؤجل حتى يفوتَه الوقت، وهو لا يدري بذلك، وقد عدَّ بعضُ المتكلمين (سوف) من جندِ إبليس، فمن يضمن للمسوفِ البقاءَ إلى المستقبل؟ وإذا عاش فمن يضمنُ له الأمنَ من المشاغلِ والمعوقات؟ حتى قال أحدُ الشعراء:
وَلاَ أُؤَخِّرُ شُغْلَ الْيَوْمِ عَنْ كَسَلٍ إِلَى غَدٍ، إِنَّ يَوْمَ الْعَاجِزِينَ غَدُ
أولا يعلم المسوِّفُ أنَّ لكل يوم عملاً؟ فإذا أجل عملَ يومِه إلى غده لم يجد في غدِه متسعًا لعملِ يومين! وقد فطنَ إلى ذلك عمر بن عبدالعزيز عندما بدا عليه الإرهاقُ من كثرةِ العمل في أحدِ الأيام، فقيل له: أخِّرْ هذا إلى الغد، فقال: لقد أعياني عملُ يومٍ واحد، فكيف إذا اجتمع عليَّ عملُ يومين؟
ومن هذه العيوبِ أيضًا: شتم الزمان، وتحميله المسؤولية وإلقاء اللوم على الدهر، وبذلك يتجسَّدُ الدهر لدى هؤلاء كأنه عدوٌّ لهم أو حاكم ظالم يتصرَّفُ بعشوائية؛ يقول في ذلك الإمام الشافعي:

نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالْعَيْبُ فِينَا وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا
وَنَهْجُو ذَا الزَّمَانَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَان لنَا هَجَانَا
أليس مضيعو الوقتِ هؤلاء بحاجةٍ إلى هذه الأيام والساعات؟ أليس لهم مستقبلٌ أخروي ينبغي عليهم أن يبنوه ويخططوا للفوزِ فيه؟ أغرَّهم ما قدموه من خيرٍ زهيد فحسبوا أنه يكفيهم للنجاةِ في الآخرة؟ ألا يدخل هؤلاء في عدادِ السُّفهاء الذين يُحجرُ عليهم لو كان ما يملكونه شيئًا ماديًّا؟ ولكن ما الحيلة معهم؟ ليس لنا إلا أن نتوجَّهَ إليهم بالنَّصيحة، والتذكير بأنَّ الموتَ يأتي فجأة، وأنَّ الشيطان يقفُ للإنسان بالمرصاد ليزل به من حيث يدري أو لا يدري.
فالتزم يا أخي المسلم بقولِ رسولنا الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتَك قبل موتك، وصحتَك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هَرَمِك، وغناك قبل فقرِك))؛ رواه أحمد والنسائي والبيهقي والحاكم.
تنظيم الإسلام للوقت والفراغ:
لقد علَّمنا الإسلامُ في كلِّ العبادات كيف ننظم الوقتَ وكيف ننتبه إليه فلا نفاجأ بانقضائه، فالحجُّ والزكاة تنظيم سنوي للوقت، والصيام تنظيم يومي لمدةِ شهر، وفيه تتعلق العيونُ بظهورِ الهلال وبزوغ الفجر وغروب الشمس أو تنصِتُ الآذانُ لصوتِ المؤذن، ليبدأ المسلمون عملاً أو يتوقفوا عن عمل، وهم يحسبون الوقتَ بالدقائق والثواني، ولا يفرطون في القليل منه تأخيرًا ولا تقديمًا، والصلاة هي المنظِّمُ الأساسي للوقتِ يوميًّا وعلى امتدادِ ساعاته من الفجرِ إلى غسق الليل، مرورًا بطلوعِ الشمس وزوالها وغروبها، فهذه المفاصل الزمنيَّة تحدد لهم بداياتِ وقت الصلاة أو نهايته، ويلتزمون بذلك بدقةٍ فلا يتقدَّمون ولا يتأخرون، فكلُّ وقت عندهم بمقدار.
وهكذا؛ فلا يكادُ المسلم يسهو أو يشرد ذهنُه في زحمةِ الأعمال حتى يأتيه صوتُ المؤذِّنِ ينبهه إلى أنَّ جزءًا من اليومِ انقضى، فلا تضيع الباقي وأدِّ ما عليك فقد آن الأوان.
هذا من حيث تنظيم الوقت، فكيف ينظِّمُ المسلمُ فراغَه؟
في الحقيقة إنَّ الأمور الخمس التي أمرنا الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - باغتنامها؛ ومنها الفراغ، هي نعمٌ أنعم الله بها على الإنسان، والفراغ - وهو ما زاد من الوقت عن الحاجةِ لمتطلبات العيش والنوم - لا يبقى فراغًا أبدًا، فالإنسان يملؤه إمَّا بالخيرِ وإمَّا بالشر، والفراغ ليس شرًّا كاملاً ولا هو خير كامل، إنما هو سلاح ذو حدين: إذا ساءت فيه نيةُ المرء وانحرف سلوكُه وفسدت أعماله كان شرًّا عليه، وإذا كان المرء سليم دواعي الصدر صالحًا خلوقًا استغلَّ فراغَه في الخيرِ له ولغيره، ويرى بعضُ العلماء أنَّ الحضارةَ والمكتشفات والمخترعات ما كان يمكنُ الوصول إليها لولا توفر الفراغ.
وأعمالُ الخير والنفع التي يمكن أن يملأ بها الإنسانُ فراغه كثيرةٌ لا تحصى؛ من أدعيةٍ وأذكار إلى صلاة نافلة إلى زيارات للأهل والأصدقاء إلى المطالعة الحرة ودراسة الكتب النافعة، ولا مانع من أن يستمتعَ الإنسانُ بشكلٍ من أشكالِ اللهو المباح الذي لا ينسيه واجباتِه الدينية ولا واجباته المعيشية، فيقوم ببعضِ الألعاب الرياضية، أو يمزح فيما لا كذبَ فيه ولا فحش ولا أذًى يجرح مشاعرَ الناس، فقد شاهدَ الرسولُ - عليه السلام - الأحباشَ وأراها عائشة - رضي الله تعالى عنها - كما سابقها وسبقته ثم سبقها، ومزح مع المرأةِ العجوز ومع امرأةٍ أخرى طلبت منه أن يحملَها على بعيرٍ فقال لها: أحملكم على ولد النَّاقة.
فلنوفر لأنفسِنا فراغًا بتنظيمِ أوقاتنا، ولنحرص على شغل هذا الفراغ بما ينفعُ ويمتع، ولنحسن استغلالَه بالقول الطيب وفعل الخير بالترويحِ عن القلوب ساعة، فإنها إذا عملت كلَّت.

الأحد، 19 فبراير 2012

نساء تحدث عنهن القرآن5

نساء تحدث عنهن القرآن (5)

صدقي البيك

15\2\2012
نساء تحدث عنهن القرآن (5)
نساء حول الرسول

تحدثنا من قبل عن النسوةِ الصالحات اللاتي تحدث عنهنَّ القرآنُ الكريم[1]، من مجتمعاتِ الأنبياء السابقين لعصر خاتم النبيين، وكما تحدث القرآنُ عن أولئك النسوة الصالحات في تلك المجتمعات، تحدَّثَ أيضًا عن عدة نساءٍ من عصرِ نبوة محمد - عليه السلام - ليكنَّ قدوةً للمسلماتِ في القرون التالية:
1- زينب بنت جحش: أول هؤلاء النسوة: زينب بنت جحش، وأمها أميمةُ بنت عبدِالمطلب، عمة الرسول - عليه السلام - وهي امرأةٌ ذات حسب وجمال، زوَّجها الرَّسولُ - عليه السلام - من مولاه زيد بن حارثة - رضي الله عنه - وكان قد تبناه قبل البعثة، وصار يُقال له: زيدُ بن محمد؛ عندما آثر البقاءَ عنده على الذَّهابِ مع أبيه وعمِّه، وبعد أن أنزل الله تعالى في حقِّ زيد وأمثالِه: ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ﴾ [الأحزاب : 4 ، 5]، ولكن زينب عاشت سنةً مع زيد على مضض، وتعكَّرتْ بينهما العلاقةُ الزوجية إلى حدٍّ لم يبق زيد يطيقُه، ولعلَّ كون زيد مولى لمحمد لا ولدًا له، أشعر زينبَ بأنه دونها حسبًا ونسبًا، فتعَالَت عليه مما نغَّصَ حياتهما، فعرض زيد على الرَّسولِ - عليه السلام - أن يطلقَها، ولكن الرسولَ - عليه السلام - كان يشدِّدُ على زيد في أن يمسكَ زوجته، وأن يبقي عشَّ الزوجية عامرًا؛ ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ﴾ [الأحزاب : 37]، فالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتوقَّعُ هزةً اجتماعية في مجتمع المدينة، بعد أن هدأت هزةُ إلغاء التبنِّي.
وكان الرسول - عليه السلام - يعلمُ بما أعلمه الله، أنَّ تغييرًا نفسيًّا سيحدث في المجتمعِ الإسلامي الذي كان في جاهليته قد اعتاد على مفهومِ التبني، وليكتمل إلغاء هذا المفهوم عمليًّا، قدَّرَ الله على محمد - عليه السلام - أن يتزوجَ بمطلقةِ مَن كان يُعدُّ سابقًا ولده (بالتبني)، وهذا الحدث يشكِّلُ صدمةً عملية للمفهوم الذي كان سائدًا في السابق، ومن هنا حرص الرسولُ - عليه السلام - على أن تبقى زينب عند زيد؛ ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب : 37].
فمحمَّدٌ - عليه السلام - كان يشفقُ على المسلمين من هذه الصدمةِ النفسية، لما اصطلحوا عليه واعتادوه، ولكنَّ الله قدَّر، ولا رادَّ لذلك، أن يضعَ حدًّا لهذا المفهومِ الخاطئ؛ من نسبةِ الولد المُتبنَّى إلى غيرِ أبيه، ومعاملته معاملةَ الولدِ من الصلب، وراثة وحرمة، وذلك بأن يتزوجَ محمد من مطلقة زيد! ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب : 37 ، 38]، وهكذا أصبحت زينب إحدى زوجاتِ الرسول - عليه السلام - وإحدى أمهات المؤمنين، وزادت شرفًا إذ نزل فيها قرآنٌ يتلى، وكانت عنصرًا أساسيًّا في إلغاءِ متعلقات التبني ولواحقه.
2- عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -: وأمَّا المرأة الثانية التي نزل فيها قرآنٌ فهي عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنها وعن أبيها، نزل فيها قرآنٌ يبرئها من تهمةٍ لاكتها ألسنةُ السوء، التي تحدثت بحديثِ الإفك، فكانت عائشة بذلك طاهرةً مطهرة مبرأة، ونتلو براءتها في عشرِ آيات من سورة النور، على مرِّ الزمان، فقد كانت - رضي الله عنهما - مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوة بني المصطلق، وألجأتها حاجتُها إلى الابتعادِ عن الرَّكبِ ليلاً لقضائها، وعندما عادت افتقدت عِقدًا رجعت تبحث عنه، وطال بحثُها فارتحل الركبُ قبل أن تعود، وعندما رجعت وجدت المكانَ خاليًا من الجيش، فقعدت تنتظرُ عودةَ من يبحث عنها عندما يفتقدونها، وأقبل عليها صفوانُ بن المعطل المكلف بتعقبِ الجيش وجمع ما يتساقَطُ منه، وعرفها فاسترجع وأناخ راحلةً فركبتها، وسارت حتى أدركا الجيشَ ظهرًا، وهنا بدأت ألسنةُ السوء تتحدَّثُ بالسوء على عائشة، وكان من الذين جاهروا بذلك حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثه، وحمنة بنت جحش - أخت زينب بنت جحش زوجة الرسول - وتولَّى كبرَ هذا الإفك عبدالله بن أبي بن سلول، وعائشة لا تدري بما تتداولُه الألسنة عنها، واستلبث الوحي شهرًا حتى علمتْ بالأمر واشتدت عليها وعلى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - القضية، ثم نزلت آياتُ سورة النور تبرئها: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور : 11]، ثم أعطت الآياتُ التالية درسًا للمسلمين وتأديبًا لهم: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ [النور : 12]، فهكذا ينبغي أن يكونَ تصرفُ المسلمين أنْ يحسنوا الظنَّ بأنفسهم وبأمِّ المؤمنين، ويتورَّعوا عن الاتهامِ أو الحديث به، وقد تمثلت هذه التربية في الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عندما قالت له زوجته: "أمَا تسمع ما يقولُ الناسُ في عائشة؟ فقال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أمَّ أيوب؟ قالت: لا والله ما كنتُ فاعلة، فقال لها: وعائشة والله خيرٌ منك!"، هكذا يكون حسنُ الظن بأمهاتِ المؤمنين، وهكذا يظن المؤمنون بأنفسِهم خيرًا.
وقد قرع الله بعضَ المسلمين على ما قالوه؛ ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15]، وأي شيء أعظم من أن تتهمَ زوجةُ الرسول - عليه السلام - في عرضِها وكرامتها! وأي شيء أعظم من أن يُهان الرسولُ - عليه السلام - في اتهامِ أهله وأحب أهله إليه!
وهكذا بُرِّئت عائشةُ - رضي الله عنها - وباء بالخزي والقذف والحد أولئك الذين جاهروا بالاتهام، وتوعَّد الله من تولَّى كبر هذه الفرية من وراء ستار بالعذاب الأليم.
عائشة وحفصة:
3- وكان لعائشة ومعها حفصة - رضي الله عنهما - موقفٌ آخر تناوله القرآنُ الكريم، وتنزلت فيه آياتٌ من سورةِ التحريم؛ وذلك أنَّ عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - تواطأتا على أن تقولَ أيُّ واحدة منهما يدخلُ عليها النبيُّ - عليه السلام - بعد مجيئه من عند زينب: "إني أجدُ منك ريحَ المغافير - نبت له رائحة مميزة"، ودخل النبي على حفصةَ، فقالت له ذلك، فقال: ((لا، ولكنِّي كنتُ أشرب عسلاً عند زينب، فلن أعودَ له، وقد حلفتُ لا تخبري بذلك أحدًا))، ولكنَّ حفصة أخبرت عائشةَ، وكان هذا التواطؤ أو التظاهر منهما على النبي - عليه السلام - سببًا في نزولِ قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم : 1]، ثم قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [التحريم : 3]، ويوجه الله - تعالى - إليهما (حفصة وعائشة) تهديدًا شديدًا: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [التحريم : 4]، ووصل هذا التهديد إلى الطَّلاقِ: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾ [التحريم : 5]، وبذلك كان هذا الحدثُ درسًا لنساء النبي - عليه السلام - ولنساءِ كلِّ مسلم، أن يحافظنَ على أسرار البيت والزوج، وأن يرعين حقَّه، وأن يبتعدن عن التواطؤ على غيرهن والكيد لهن، وعن التظاهرِ على الأزواج.
هذا مع العلم أنَّ هناك روايتين أخريين تذكرهما كتبُ التفسير في سبب نزول هده الآيات غير السبب السابق، ولكن حفصة وعائشة شريكتان في كل الروايات.
4- ومن اللواتي نزل فيهنَّ قرآنٌ من غيرِ زوجات النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت، الذي كان شيخًا كبيرًا وقد ساء خلقُه، ودخل على زوجته يومًا فراجعته بشيءٍ فغضب عليها، وظاهر منها - قال لها: أنت علي كظهر أمي - يريدُ بذلك أن يحرمَها على نفسِه، على عادةٍ كانت سائدةً في الجاهلية، ومع ذلك رجع إليها بعد قليلٍ وأرادها عن نفسِها، فامتنعت منه حتى يحكمَ الله ورسوله فيهما، فواثبها وغلبتْه بما تغلب المرأةُ الشيخَ الضعيف، وأبعدته عن نفسِها، ثم خرجت إلى بيتِ النبي، وذكرت له ما لقيت من زوجِها: "يا رسول الله، أكلَ مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطعَ ولدي ظاهر منِّي، اللهمَّ إني أشكو إليك"، فجعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول لها: ((يا خولة، ابنُ عمِّك شيخ كبير فاتقي الله فيه، ما أعلمك إلا قد حرمتِ عليه))، فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي وأشكو أبا صبيتي، فرأت عائشةُ وجهَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد تغير، إيذانًا بنزول الوحي عليه، فنحتها عنه، ومكث رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غشيانه، فلمَّا انقطع عنه الوحي قال: ((يا عائشة، أين المرأة؟ فدعتها، فقال لها رسولُ الله - عليه السلام -: ((يا خولة، قد أنزل الله فيكِ وفي صاحبك، ثم قرأ عليها: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المجادلة : 1 - 4]))، وقال لها الرسولُ - عليه السلام -: ((مُريه فليعتق رقبة))، فقالت: ما عنده ما يعتق، قال: ((فليصمْ شهرين متتابعين))، قالت: والله إنه شيخٌ كبير ما به من صيام، قال: ((فليطعم ستين مسكينًا وسقًا - ستين صاعًا - من تمر))، قالت: يا رسول اللهِ، ما ذاك عنده، فأعانه الرسولُ بثلاثين صاعًا، وأعانته زوجته بثلاثين.
وهكذا كان تصرف هذه المرأة المسلمة وحوارها مع رسول الله - عليه السلام - سببًا لنزولِ هذه الآيات وتشريع الظِّهار، وتأديب الرِّجال الذين يطلِقُون ألسنتَهم بهذه الأقوال الجاهلية من غير تدبر لعواقبها.
وقد لقيتْ خولةُ هذه مرةً عمرَ بن الخطاب في خلافته فاستوقفته، فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسَه، حتى أنهت حديثَها وانصرفتْ، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، حبست رجالات قريش على هذه العجوز؟! فقال له عمر: "ويحك! أتدري من هذه؟"، قال: لا، فقال له: "هذه امرأةٌ سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرفْ عني إلى الليلِ ما انصرفتُ حتى تقضي حاجتَها".
وهكذا كانت هذه المظاهرة من أوس لزوجتِه خولة فرصةً لها ليذكر قصتَها القرآن، وتردد ألسنةُ المسلمين شكواها كلَّما قرؤوا القرآن.
وهكذا يستذكرُ المسلمون مواقفَ هؤلاء النسوة؛ الصالحات منهنَّ والطالحات، اللواتي تحدثَ عنهنَّ القرآن، كلما قرؤوا كتاب الله ومرت معهم الآيات التي تناولت قضاياهنَّ، فرضي الله عن الصالحاتِ منهنَّ، وجعلهنَّ الله قدوةً للمؤمنات، وأنزل الله على الطالحات منهنَّ ما يستحققن من العذابِ ليكنَّ عبرة للطالحات من النساء.




الأربعاء، 1 فبراير 2012

نساء تحدث عنهن القرآن 4

ممهدات لعيسى - عليه السلام

وإذا كان حول موسى - عليه السلام - عددٌ من النسوةِ اللاتي حضنه ورعينه وســِرْن معه، فإنَّ عيسى - عليه السلام - وهو آخر أنبياء بني إسرائيل قد سبقَهُ عددٌ من النِّسوةِ المؤمنات تحدَّث عنهنَّ القرآن، وكل شأنهنَّ الذي أبرزه الله - تعالى - يتمثلُ في التمهيدِ لمعجزة عيسى - عليه السَّلام - تلك المعجزة المرتبطة بولادتِه، وكانت السماتُ البارزة في حياتهنَّ تدورُ حول الولادة!

7- وأولهنَّ جدته لأمِّه امرأة عمران، واسمها: (حنة)، وكانت لا تحملُ، واشتهت أن يكونَ لها ولدٌ، فدعت الله وحملتْ متأخرة، فنذرتْ ما في بطنِها لله، خالصًا لخدمة بيت المقدس، وكانت تتوقعُ أن يكونَ المولودُ ذكرًا، ولذلك نذرته، إلا أنَّها عندما وضعتْ وضعتْ أنثى، وسمتْها: (مريم)، ولكنَّها كانت قد نذرت ما في بطنِها ولم تحدِّد غير ذلك، فلزمها أن تقدِّمَ مولودتَها للمعبد، وهي تعلمُ أنَّ الذَّكرَ أجل وأقدر على خدمةِ المعبد من المرأة، ولكن لا مناصَ من تقديمها للمعبد، ومن قبل أن يقوى عودُها ويشتدَّ ساعدُها، كانت بحاجةٍ إلى من يكفلُها من الصَّالحين المشرفين على إدارةِ شؤون المعبد، ودعت لها وأعاذتها باللهِ من الشيطانِ الرَّجيم، كما أعاذت باللهِ ذريتَها، وكأنها تستشفُّ المستقبل، واستجاب الله لها، فتقبَّلَ مولودتَها وأنبتها نباتًا حسنًا، وجعل كفالتَها لزوجِ خالتها زكريا - عليه السلام - بعد أن اقترعَ مع بقيةِ المشتركين في حجابة البيت؛ لأنَّ كلَّ واحد منهم حرص على كفالتِها وألقوا أقلامَهم في النهر، وصاحب القلم السابق يكون كفيلها، وكان ذلك من نصيبِ زكريا - عليه السَّلام - وعاشت في المحرابِ - غرفة في جدارِ المعبد تُتخذ للعبادة - وعندما شبَّتْ كان زكريا كلما دخَلَ عليها في هذا المحرابِ وجد عندها رزقًا - طعامًا من الفاكهةِ في غير أوانه – فيسألها: من أين لك هذا الطعام؟ فتجيبه: هو من عند الله، كرامة من عندِ الله لهذه الفتاة التي خاطبتها الملائكةُ مبشرةً لها باصطفاءِ الله لها وتطهيرها واصطفائها على نساءِ العالمين.

هذه المرأة الطاهرة المصطفاة هي مريم أمُّ عيسى - عليه السلام - ذرية بعضُها من بعض، ويكفيها فخرًا أنها المرأةُ الوحيدة التي ذكر اسمها صريحًا في القرآن الكريم، ولعلَّ في هذا اصطفاء لها أيضًا.

8- وكان لولادةِ (حنة) امرأة عمران لابنتِها مريم، مع تأخُّرِها في الحمل، ولِمَا رآه زكريا عليه السلام من إكرامِ الله تعالى لمريم في المحراب - أثرٌ على قلبِه المفعم بالإيمان والثقة بالله، وعدم اليأس، فالله قادرٌ على أن يرزقَه الولدَ على رغم يقينِه بأنَّ امرأته - أخت امرأة عمران - عاقر، وعلى رغمِ تقدمِه في السن، فقد وهن عظمُه واشتعل الشيبُ في رأسِه، ولذلك توجَّهَ إلى الله بالدُّعاءِ أن يرزقَه الله ذريةً طيبة، ولدًا تقرُّ به عينه ويرث علمَه وعلم آل يعقوب، وسأل الله أن يكونَ هذا الولدُ رضيًّا، وهكذا استجاب الله لدعاءِ هذا النبي فحملت زوجُه العاقر، وكانت البشرى من الله لزكريا بغلامٍِ وسماه الله تعالى: (يحيى)، وجعله سيدًا وحصورًا ونبيًّا، هذا عطاءُ الله، وهكذا كانت كرامةُ هذه المرأة مرتبطةً بالولادةِ في سنٍّ غير مألوف فيها إنجاب المرأة.

9- والمرأة الثالثة هي مريم ابنة عمران، تلك التي كانت ولادة أمِّها لها كرامة، وحياتها في المحرابِ كرامة، وولادتها لابنها عيسى معجزة في حقِّ عيسى - عليه السلام.

فتاةٌ غير متزوجة تقيَّة نقية، تخرجُ من المعبد الذي نُذرت لخدمتِه متجهة إلى الشرقِ منه، وتحتجب عن أهلِها، فيتمثل لها الملكُ بشرًا سويًّا، فترتعب منه وتستعيذ بالله منه، فإذا هو يعلمُها أنه رسولُ الله إليها ليهب لها غلامًا زكيًّا، وكيف يكون لها غلامٌ وهي لم تتزوج ولم يمسها بشر؟! ولكنها قدرةُ الله وإرادته، فما أهون هذا الأمر! وكان حملها أمرًا مقضيًّا في الحال، وتمتد بها أيامُ الحمل حتى ثقل عليها، فخرجت إلى مكانٍ قصي عن المعبد، وحانت ساعةُ المخاض فألجأها إلى جذعِ النخلة تتكئ عليه، ويعتصر قلبُها أمران: آلام المخاض، والتفكير في موقفها أمام قومِها بعد ولادتِها، فتمنت أن تكونَ قد ماتت قبل هذه الحالة ونسيها الناس، وجاءها المددُ والغوث من عالم الغيب وواقع المعجزات، فتسمع كلامًا من هذا الوليدِ أو من الملك يربطُ على قلبِها ويهدئ روعها: لا تحزني، فتحتك نهر يزيلُ عنكِ أوضارَ الولادة، وفوقك طعامُ رُطَبٍ جني يتساقطُ عليك إذا هززتِ جذعَ النخلة! ويعلمها كيف تواجه قومَها في هذا الموقفِ العصيب، بلا كلام، إشارة باليدِ إلى المولود وكفى، وهو يتولَّى الدفاعَ عنها، مولود في أيامه الأولى يدافعُ عن أمِّه بلسانه! بكلامه! معجزة تلي معجزة، معجزة ولادته من غيرِ أب، ومعجزة كلامِه في المهد! ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم : 30]، كلامٌ حازم يسمعونه بآذانهم يبرئ أمَّه، ويعلمهم بعبوديتِه لله، وجعله نبيًّا يتنزل عليه كتابُ الله، هل اقتنعَ بنو إسرائيل بكلِّ هذه الدلائل، وهذه المعجزات؟

إنَّ القلوبَ القاسية تستعصي على الإيمانِ والتصديق، فاتهموا مريمَ التي رافقت ولدَها في أيامِ حياته العادية متنقلةً به من مكانٍ إلى مكان خوفًا من الحكامِ الظلمة، وخوفًا من الكهنةِ الذين يأكلون الدنيا بالدين، وينكرون معجزاتِ ربِّ العالمين، ولا يصدقون بزكريا ويحيى وعيسى، وهكذا أحاطت بحياةِ عيسى - عليه السلام - هذه الكوكبةُ من النِّساءِ اللاتي كانت كراماتُهنَّ مرتبطةً بطبيعة معجزة عيسى الكبرى؛ الولادة غير المعتادة، ولادة بعد عقم، ولادة بعد كبر، وولادة من غير أب! فسبحان الله الذي يؤيد رسله بالمعجزات!

الأربعاء، 4 يناير 2012

women about whom the quraan spoke 4

Women about whom the Qur'an spoke (4)
Sidqy Al Bayk

Published On: 2/1/2012 A.D. - 7/2/1433 H. Visited: 53 times

Women about whom the Qur'an spoke (4)
Significant precursors to Jesus (Peace be upon him)
If Moses (peace be upon him) was surrounded by some women who fostered and cared for him, Jesus (Peace be upon him), who was the last prophet sent to the Children of Israel, was preceded by a number of believing women about whom the Qur'an spoke.
Allah (may He be Exalted) highlighted their role which they played as a preface to the miraculous birth of Jesus (Peace be upon him), and the eminent features of their lives were focused on his birth.
7- The first was his maternal grandmother, the wife of `Imran, whose name was: Hinnah.
She was barren and desired to have a child, so she invoked Allah and became pregnant in old age.
Therefore, she vowed that the child which was in her belly shall be dedicated for the service of Jerusalem.
She anticipated that the newborn baby would be a boy, therefore she had taken a vow to put his in the service of Allah, but she delivered a girl and called her Maryam (Mary).
She had vowed to dedicate her baby without differentiating between a boy or a girl, so she had to dedicate her baby for the service of the church.
She knew that a male is more efficient to serve the church than a female, but there was no escape but to dedicate her to the church even before she grows up.
She needed someone to undertake her child from the righteous people who were responsible to administer the church affairs.
She invoked Allah for her and protected her against the cursed Satan and sought Allah's Protection for her offspring as if she was reading the future.
Allah responded to her, accepted her baby, grew her up properly, and assigned her sponsorship to the husband of her maternal aunt Zechariah (Peace be upon him) after he had balloted with the rest of the sponsors because everyone of them was keen to sponsor her, so they threw their pens into the river and the owner of the pen which preceded other pens undertook her, and that was Zechariah (Peace be upon him).
She lived in a chamber in the church that was made for worship and when she grew up, Zechariah used to visit her and whenever he entered her chamber, he found untimely fruits.
Then he asked her: Where did you get this food from? She answered: It was from Allah.
It was an honor to that girl whom the angels addressed and gave her glad tiding that Allah had chosen her to be purified and to be the best of women worldwide.
That purified and chosen woman was Mary, the mother of Jesus (Peace be upon him), righteous offspring from righteous parents.
It is enough honor for her that she was the only woman that her name was mentioned in the Glorious Qur'an and perhaps that is an honor to her also.
8- Hinnah's giving birth to her baby Mary along with the delay of her pregnancy and the honor of Allah to Mary by sending her untimely fruits affected Zechariah's heart which was full of faith and trust in Allah, and not showing despair because Allah is Able to grant him children although his wife, the sister of the wife of `Imran, was barren and despite his old age.
Therefore, he invoked Allah to grant him good offspring so as to be a rejoice for his eyes, his heir of knowledge and the knowledge of the family of Jacob.
He invoked Allah that the boy be righteous and thus Allah answered his invocation and his barren wife became pregnant.
Allah grant Zechariah a male child whom Allah called (John the Baptist) and made him a master and a Prophet.
That was the gift of Allah and thus the honor of that woman was connected by giving birth to a child in unfamiliar age.
9- The third woman was Mary, the daughter of `Imran, whose birth was an honor from Allah, her life in the church was an honor, and giving birth to her son Jesus was a miracle.
An unmarried and a pure girl came out from the church in which she dedicated herself to serve Allah and headed eastward to conceal herself from her family.
There she saw an angel in the image of a man, so she feared and sought refuge in Allah against him.
Then he told her that he was a messenger from Allah to her to give her a child; how could she have a child without marriage and she was not touched by any male?
It was the power and the will of Allah, therefore it was so easy.
Her pregnancy was a decisive matter and happened at once. She became pregnant until it was heavy, so she went to a far place and when it was the time to deliver her baby, she leaned to a palm tree while her heart was feeling pain for two matters: The pain of delivery and the pain of thinking about her situation when she meets her people after birth.
So, she wished to die and people would forget about her before reaching that would happen.
Then, aid and help came from the Knower of the unseen by causing the child to speak in his early birth hours or the angel conveyed to her some words to ease her heart and calm her down: Do not feel sad because underneath you there is a river to remove you birth pains, and there are fresh dates falling upon you if you shake the palm tree!
He taught her how to face her people in that terrible situation without speech, but by a little indication to the child and it will defend her.
A newborn child defended his mother with his tongue! By speech! A miracle after a miracle: Giving birth to a child without a father and the miracle of his speech in young age! "He ['Isâ (Jesus)] said: Verily, I am a slave of Allâh, He has given me the Scripture and made me a Prophet." [Surat Maryam: 30].
His firm and clear speech, which they hear by their ears, acquitted the chaste and pure mother, moreover, the child told them about their servitude to god. Allah made him a Prophet and sent down to him a book.
Were the children of Israel convinced by those proofs and those miracles?!
However, cruel hearts do not believe, so they accused Mary who accompanied her son during his life, moving from a place to another for fear of tyrant rulers and soothsayers who deceived people, denied miracles, and did not believe in Zechariah, John the Baptist, and Jesus.
Thus, Jesus (peace be upon him) was surrounded by those group of righteous women whose role was connected by the miraculous birth of Jesus, glory be to Allah who supports His Messenger with miracles!

________________________________________

women about whom the quraan spoke 3

Women about whom the Qur'an spoke (3)
Sidqy Al Bayk

Published On: 26/12/2011 A.D. - 30/1/1433 H. Visited: 148 times

From the nurses of Moses to Bilqis (the Queen of Sheba)
There are a group of righteous women whom the Glorious Qur'an spoke about their roles in protecting and caring for one of the most forbearing Messengers; he was Moses (Peace be upon him).

Five chaste women took part in his life and about whom the Glorious Qur'an spoke:
4- The first was his mother: That woman who was afflicted along with her people by the sedition of killing the male children of Israel. The Pharaoh saw a vision that a man from the Children of Israel killing the Pharaoh and destroying his kingdom.

Another version: The people of the Pharaoh heard from the Children of Israel some inherited prophecies that a man of them shall be a ruler and shall establish a state, so the Pharaoh commanded that all male babies should be slaughtered. When the mother of Moses begot him, she feared and expected that he will be butchered, thereupon Allah inspired her to suckle her boy then put it in a box and throw it in the River Nile.

It was a critical situation for a mother who feared slaughtering for her child, should she throw it with her own hand into the river?! Does not she fear for it to be drowned or crocodiles and fishes may eat it?

However, her strong faith in Allah moved her to put her trust in Allah, hence the glad tiding came to her with two matters: Allah (may He be Exalted) shall send it back to her and shall make it one of the Messengers.

The box flowed on water, and waves and currents drove it to the canal which delivers to the palace of the Pharaoh. The Pharaoh found it and the heart of his wife was attached with it, and it seemed that she had no children, therefore it was a condolence for her, moreover Allah cast the love of that boy into the heart of everyone who saw him, therefore she stood to save it of death. "Kill him not, perhaps he may be of benefit to us, or we may adopt him as a son." [Surat Al Qasas: 9].

She rejoiced that Allah (Glory be to Him) saved it of slaughtering, and the palace of the Pharaoh was opened for it to live therein forever. The worry of Moses' mother over her baby was terrible, therefore sometimes she wished to declare in public that she has a child, but Allah reinforced her to be firm and commanded her daughter (Moses' sister) to follow his tracks.

His sister saw that he refused to suckle from any other woman, then she entered and guided the wife of the Pharaoh to a nurse to suckle it and took them to her mother and when Moses saw her, it suckled from her. Since then, she became its nurse for a fee from the wife of the Pharaoh, and the promise of Allah became true at the end of the day. It lived with its mother who bore it, under the care of the Pharaoh's wife who saved it, and with the effort of its sister who worked hard to bring it back to its mother.

At that limit the role of those three women ends because they delivered Moses to security, and the Glorious Qur'an spoke once again about the wife of the Pharaoh and made her a role model for those who believed: "And Allâh has set forth an example for those who believe: the wife of Fir'aun (Pharaoh), when she said: "My Lord! Build for me a home with You in Paradise, and save me from Fir'aun (Pharaoh) and his work, and save me from the people who are Zâlimûn (polytheists, wrong-doers and disbelievers in Allâh)." [Surat At-Tahrim: 11].

That believing woman (the Pharaoh's wife) observed patience on the disbelief, oppression, and the allegation of Al Uluhiyyah (Allah's Exclusive Right to be worshipped) of the Pharaoh. She found in Moses the joy of her eye and expected that it shall be a joy of the eye for the Pharaoh, however the Pharaoh refused and said to her: "He is a joy for your eyes, but it means nothing to me."
That was true because Moses was a joy for the wife of the Pharaoh by believing in him and believed his call when he grew up.

5- There are two other women who played a great role in the life of Moses (Peace be upon him). When Moses got out afraid from Egypt, waiting for his matter about killing an Egyptian man to be exposed, he reached the water of Madyan (Midian) and there he found two women warding off their sheep from water. They were waiting to water their sheep, so Moses helped them to water their sheep before sheepherders come. Then, they departed to their father early and told him that a strong strange man helped them to water their sheep. The father admired the power of the strange man and asked their daughters to fetch the man to reward him for what he did. One of them went to him shyly and asked him to walk with her to her father. The girl wished that her father would hire that powerful guy to foster the animals and ease the girls, then he concluded an agreement with him to marry one of the two girls on one condition which was to serve the father for eight or ten years.
That wife was with him when he left the city back to his homeland and while he was walking, he went to search for fire and there he received revelation and was given the miracles of the stick and the hand. His wife and her sister played a role in one of Moses' stage of life.

6- Of the women about whom the Glorious Qur'an spoke was Bilqis.
When the dominion of Prophet Solomon was settled and reached a great extent: "Such as shall not belong to any other after me," there was a woman about whom the Qur'an spoke lengthy. She was the queen of Sheba. That queen who was given everything and had a great throne in Yemen but she and her people were worshipping the Sun. When Solomon knew these facts, he sent her a message calling her and her people to subjugate to his state: "Be you not exalted against me, but come to me as Muslims (true believers who submit to Allâh with full submission)." [Surat An-Naml: 31].

He called them to Islam to give up the sun-worship: "but come to me as Muslims (true believers who submit to Allâh with full submission)." He did not want to expand his kingdom, but he had another higher objective which was the spread of Allah's Religion.

That woman who was an idolater was a skillful politician who knew how to deal with authority men. So, she sent a valuable gift and monies to Solomon to test him: whether he was a man of authority or a man of doctrine and creed?
However, he refused that bribe and said: "Will you help me in wealth?" [Surat An-Naml: 36]. "Nay, you rejoice in your gift! * [Then Sulaimân (Solomon) said to the chief of her messengers who brought the present]: Go back to them. We verily shall come to them with hosts that they cannot resist, and we shall drive them out from there in disgrace, and they will be abased." [Surat An-Naml: 36 - 37].

That was a terrible threat forced her to go to him and there she saw her own throne which he brought before she came and added to it some modification to test her intelligence, but she neither recognized it nor admitted it but said: "(It is) as though it were the very same." [Surat An-Naml: 42].

Then he wanted to destroy the idolatry thinking in a scientific way; so he made her enter a hall which its floor was made of polished glass underneath water was running. She thought that it was a running water and in order to pass, she had to pull her garment up so as water would not wet her clothes. At that moment, she realized that there are things which the eyes cannot see (like the polished glass), so she saw the water and could not see the glass. If she was worshipping the Sun because she could see it, there is Allah who created the Sun, and visions cannot grasp Him. Because of her brilliance, she understood the idea and declared her mistake, thereupon she said the words of truth and admitted that she wronged herself because she was worshipping the sun and not worshipping Allah. "She said: "My Lord! Verily, I have wronged myself, and I submit in Islâm, together with Sulaimân (Solomon) to Allâh, the Lord of the `Alamîn (mankind, jinn and all that exists)."" [Surat An-Naml: 44].

Hence, she moved from sun-worship to the religion of monotheism after Solomon had used with her a practical process: Used the technologies which Allah (Glory be to Him) granted.

Thus, Bilqis became a believing righteous woman and joined the group of women about whom the Qur'an spoke.
________________________________________

الاثنين، 2 يناير 2012

women about whom the quran spoke

Women about whom the Qur'an spoke(1)
Sidqy Al Bayk

Published On: 20/11/2011 A.D. - 23/12/1432 H. Visited: 180 times


Allah (may He be Exalted) created Adam from clay then created all mankind from Adam and Eve (male and female).

Women are fundamental elements in the human existence and play a bigger role than men. Women carry children in their bellies, bear the pains of pregnancy and the pain of giving birth. Their effective role continues to serve food and care for children until they grow up, become powerful, and be self-sufficient.
In the Glorious Qur'an, women played a great role in directing and receiving the rulings, as they were mentioned in every field where work and reward were mentioned (for men and women) Allah (may He be Exalted) say: "Whoever works righteousness (whether male or female) while he (or she) is a true believer (of Islâmic Monotheism) verily, to him We will give a good life (in this world with respect, contentment and lawful provision), and We shall pay them certainly a reward in proportion to the best of what they used to do (i.e. Paradise in the Hereafter)." [Surat An-Nahl: 97].
Allah also says: "Verily, the Muslims (those who submit to Allâh in Islâm) men and women, the believers men and women (who believe in Islâmic Monotheism), the men and the women who are obedient (to Allâh), the men and women who are truthful (in their speech and deeds), the men and the women who are patient (in performing all the duties which Allâh has ordered and in abstaining from all that Allâh has forbidden), the men and the women who are humble (before their Lord - Allâh), the men and the women who give Sadaqât (i.e. Zakât, and alms), the men and the women who observe Saum (fast) (the obligatory fasting during the month of Ramadân, and the optional Nawâfil fasting), the men and the women who guard their chastity (from illegal sexual acts) and the men and the women who remember Allâh much with their hearts and tongues - Allâh has prepared for them forgiveness and a great reward (i.e. Paradise)." [Surat Al Ahzab: 35].
They take the same reward of men when doing righteous deeds, as they have the same punishment in this world and in the Hereafter.

Women are the sisters of men as the Messenger of Allah (peace be upon him) said.

Moreover, they are addressed by every command or forbiddance that is directed to Muslims. If they have that general presence in the general speech, some of them have been mentioned especially in some Ayahs of the Glorious Qur'an.
The Glorious Qur'an spoke about some righteous or unrighteous women and the number of women about whom the Glorious Qur'an spoke is 17: Three of them were unbelievers and fourteen of them were good believing women. As for the unbelieving women, they are:
1- The wife of Nuh (Noah):
There are indirect indications about her in the saying of Allah (may He be Exalted): "So We revealed to him (saying): "Construct the ship under Our Eyes and under Our Revelation (guidance). Then, when Our Command comes, and water gushes forth from the oven, take on board of each kind two (male and female), and your family, except those thereof against whom the Word has already gone forth. And address Me not in favour of those who have done wrong. Verily, they are to be drowned." [Surat Al Mu'minun: 27].

In Allah's saying: "Except those thereof against whom the Word has already gone forth." [Surat Al Mu'minun: 27], there is a general reference to those who did not believe in the call of Noah from his own family: His wife and his son as understood from another Ayah: "Allâh sets forth an example for those who disbelieve: the wife of Nûh (Noah) and the wife of Lût (Lot). They were under two of our righteous slaves, but they both betrayed them (their husbands by rejecting their doctrine). So they [Nûh (Noah) and Lût (Lot) peace be upon them] availed them (their respective wives) not against Allâh and it was said: "Enter the Fire along with those who enter!"" [Surat At-Tahrim: 10].
So, the wife of Noah was an example for those who disbelieved. Although she was the wife of Noah, she did not open her heart to his call and followed the errors of her people and her multiple idols; thereby she betrayed her husband and his call, and deserved two types of punishment:
First, a punishment in worldly life by drowning with the drowned.
And the second is in the Hereafter by admitting her to Hell-Fire.
This situation gives us a great lesson which is: Family relationship with a prophet or pious people does not avail in the Hereafter, therefore the Messenger (peace be upon him) addressed his kins saying:
"Do, for I can avail you nothing before Allah."
So, the relatives of the Prophet (Peace be upon him) and the relatives of the Companions or the relatives of pious people and scholars do not get benefit from their relationship with good people as long as Prophet Noah did not benefit his wife and could not stop her punishment. However, if the woman is a wife of a prophet and she is good, her reward -by the will of Allah- shall be doubled. Likewise, every person has a connection with pious people will not get a benefit unless his actions are good; however if the matter reached the state of disbelief, there will be no intercession.
2- The wife of Lot:
She was another example for those who disbelieved and being a wife of a prophet did not benefit her as long as she disbelieved in his message.

In this previous Ayah, she was judged by disbelief and she was mentioned clearly in eight Ayahs in several Surahs and she was judged in these Ayahs by deserving the torment of Alalh in worldly life and she will have the same torment of her people. "They (messengers) said: "O Lût (Lot)! Verily, we are the messengers from your Lord! They shall not reach you! So travel with your family in a part of the night, and let not any of you look back; but your wife (will remain behind), verily, the punishment which will afflict them, will afflict her." [Surat Hud: 81].
The rest Ayahs did not exclude her from the torment of Allah in worldly life although Allah undertook to rescue Lot and his family. Allah (may He be Exalted) says: "So We saved him and his family, except his wife. We destined her to be of those who remained behind." [Surat An-Naml: 57].
"Except his wife, of whom We have decreed that she shall be of those who remain behind (i.e. she will be destroyed)." [Surat Al Hijr: 60].
"Then We saved him and his family, except his wife; she was of those who remained behind (in the torment)." [Surat Al A`raf: 83]. [Surat Al `Ankabut: 22].
"Except your wife: she will be of those who remain behind (i.e. she will be destroyed along with those who will be destroyed from her folk)." [Surat Al `Ankabut: 33].
"Except an old woman (his wife) among those who remained behind." [Surat Ash-Shu`ara': 171]. [Surat As-Safat: 135].

3- The wife of Abu Lahab:
She was the wife of the Prophet's uncle (`Abdul-`Uzza) who used to harm the Messenger of Allah (peace be upon him) physically by spreading thorns in the way of the Messenger (Peace be upon him) while he was their neighbor and a moral harm when he commanded his sons to divorce the daughters of the Prophet.
That woman was known as Um Jamil the wood carrier as described in the Glorious Qur'an. Allah singled her out along with her husband with a short Surah which is Surat Al Masad: "Perish the two hands of Abû Lahab (an uncle of the Prophet) and perish he! * His wealth and his children will not benefit him! * He will be burnt in a Fire of blazing flames! * And his wife, too, who carries wood (thorns of Sa'dân which she used to put on the way of the Prophet peace be upon him, or used to slander him). * In her neck is a twisted rope of Masad (palm fiber)." [Surat Al Masad: 1- 5].
If the wife of Noah (Peace be upon him) represents those who disbelieved in the beginning of creation, the wife of Lot represents those who disbelieved in the middle of creation, and the wife of Abu Lahab and her husband represent those who disbelieved in Allah and His Messenger and harmed the Messenger (peace be upon him) in the end of creation; and she deserves her share of Hell-Fire in the Hereafter.
Furthermore, the connection of Abu Lahab with the Messenger of Allah (Peace be upon him) will not avail him nor the good actions which he did before people, such as: Freeing the female slave which gave him the news of the birth of Prophet Muhammad (peace be upon him) and his concern to protect the Messenger of Allah (peace be upon him) after the death of his uncle Abu Talib.
As long as those actions took place while he was non-Muslim, they shall be wasted.
Thus, we reviewed the three models of unbelieving women whom Allah mentioned in the Glorious Qur'an, and their final consequence will be punishment in the Hereafter and lessons for the heedless people.
________________________________________

نساء تحدث عنهن القرآن 3

نساء تحدث عنهن القرآن (3)
صدقي البيك

تاريخ الإضافة: 31/12/2011 ميلادي - 5/2/1433 هجري زيارة: 206




نساء تحدث عنهن القرآن (3)
من حاضنات موسى إلى بلقيس
وهناك كوكبةٌ من النِّساءِ الصالحات المتعاصرات تحدث عنهنَّ القرآنُ الكريم وعن أدوارِهنَّ في حماية ورعاية أحد أولي العزم من الرسل؛ إنه موسى - عليه السلام.
فقد شارك في حياتِه خمس نسوة طاهرات عفيفات تحدث عنهنَّ القرآن:
4- أولهن أمه: تلك المرأةُ الممتحنة مع نساء قومها بمحنة ذبحِ الفرعون "رعميس" الثاني للذكورِ من بني إسرائيل، وكان قد رأى رؤيا فُسِّرت له على أنَّ رجلاً من بني إسرائيل ستكونُ على يديه نهاية ملك فرعون، أو أنَّ قوم فرعون قد سمعوا من بني إسرائيل بعضَ النبوءات التي توارثوها عن أنَّ رجلاً منهم ستكونُ لهم به دولة ومنعة، فأمر فرعون بذبحِ المواليد الذكور وإبقاء الإناث على قيدِ الحياة، وعندما ولدت موسى أمُّه خافت عليه وتوقعت أن يأتي الذبَّاحون من جندِ فرعون فيذبحوه، فأوحى الله إليها أن ترضعَ ولدَها ثم تضعه في تابوت (صندوق) وتلقي به في نهر النيل (اليم)! موقف عصيب على أمٍّ تخافُ على ابنها من الذَّبحِ بغير يدها، فتلقي به بيدِها في الماء! ألا تخشى عليه من الغرقِ أو من أن تأكلَه التماسيحُ والأسماك؟! ولكن إيمانها بالله دفعها إلى تفويضِ أمرِها وأمر ابنها إليه، وقد جاءتها البشرى في هذا الوحي بأمرين: أنَّ الله - تعالى - سيردُّه إليها، وأنه سيجعلُه من المرسلين.
وجرى الصندوقُ في الماء يتهادى، وتسوقه الأمواجُ والتيارات إلى القناةِ التي تدخل إلى قصرِ فرعون! ويعثر عليه، ويتعلق قلبُ امرأة فرعون به وينشرح صدرُها له، ويبدو أنها كانت محرومة من الولد، فكان لها سلوى وعزاء بل ألقى الله عليه المحبة منه فما رآه أحد إلا أحبه، ووقفت تدفعُ عنه الموتَ؛ ﴿ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [القصص : 9]، فقد قرَّتْ به عينُها، ونجاه الله - تعالى - بذلك من الذَّبح، وفتح له قصرَ فرعون ليعيشَ فيه.
وكان قلقُ أمِّ موسى على ولدِها يطغى على قلبِها حتى كادت تعلن على ملأ فرعون أنَّ لها ولدًا، ولكن ربط الله على قلبِها فثبتتْ، وكلَّفتْ ابنتَها - أخت موسى - باقتفاءِ أثر أخيها.
وتراه أخته يمتنعُ عن التقامِ أثداء المراضع، فتدخلت ودلَّتهم على من يستطيعُ إرضاعه، وأخذتهم إلى أمِّها فأقبل على ثديها، وأصبحت بذلك مرضعة له وبأجرٍ من امرأةِ فرعون، وتحقَّقَ وعدُ الله لها برده إليها في آخر النهار، الذي قذفته في أولِه في اليم، وعاش في حضنِ أمِّه التي أنجبته، وبرعاية امرأة فرعون التي أنقذته، وبسعي أخته التي عملتْ على ردِّه إلى أمه.
وعند هذا الحد ينتهي دورُ هؤلاء النسوة الثلاث اللاتي عملنَ بمشيئة الله على إيصالِ موسى إلى برِّ الأمان، وقد تحدَّثَ القرآنُ الكريم مرة أخرى عن امرأةِ فرعون، وجعلها مثلاً للذين آمنوا ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم : 11]، هذه المرأةُ المؤمنة صبرت على كفرِ فرعون وظلمه وادعائه الألوهية، ووجدت في موسى الطفل الرضيع قرةَ عينٍ لها، وتوقعت أن يكونَ أيضًا قرة عين لفرعون، ويأبى عليها فرعون ذلك ويقول لها: "هو قرةُ عين لك، فأمَّا لي فلا حاجةَ لي فيه"! وقد كان الأمر كذلك، فقد قرَّت عينُ امرأة فرعون بموسى ودعوته.
5- وهناك امرأتان أخريان لهما دورٌ في حياة موسى - عليه السَّلام - فعندما خرج موسى من مصر خائفًا يترقَّبُ انكشافَ أمرِه في مقتلِ الرجل المصري، وصل إلى ماء مدينَ ووجد امرأتين تذودان غنمَهما عن الماء، تنتظران انتهاء الرعاة من سقي أغنامِهم، فساعدهما موسى على سقايةِ دوابهما قبل أن يأتي الرعاةُ ويستقوا، فانصرفتا إلى والدِهما الشيخ الكبير مبكرتين على غير عادتِهما في التأخرِ بالعودة إلى البيت، وعلم منهما أنَّ رجلاً غريبًا قويًّا استطاع أن يمتاحَ من البئرِ وحده، وأن يسقيَ الدَّوابَّ قبل قدوم الرعاة، وأعجب الشيخُ بقوة الرجل الغريب، وطلب من ابنتَيْه أن تستدعي الرجلَ ليكافئه الشيخُ على ما فعل، فجاءته تمشي على استحياءٍ وطلبت منه المسيرَ معها إلى أبيها، ورغبت هذه الفتاةُ إلى أبيها أن يستأجرَ هذا الشابَّ القوي الأمين لرعي المواشي وإراحةِ البنتين من ذلك، وتم الاتفاقُ بينهما على أن يتزوجَ إحدى البنتين على أن يخدمَ الشيخ ثماني سنوات أو عشرًا.
وكانت هذه الزوجةُ معه عندما سار بأهلِه عائدًا إلى بلدِه وآنس نارًا، ثم تلقى عندها الوحي بالنبوةِ والرسالة، وأُيِّد بمعجزةِ العصا واليد، ولم يكن لهذه الزوجة ولا لأختِها أكثر من هذا الدور الذي شكَّلَ مرحلةً من مراحل حياة موسى - عليه السَّلام.
6- وفي مرحلةِ استقرارِ مُلك النبي سليمان - عليه السلام - وامتداد هذا الملك إلى حدٍّ ﴿ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ ﴾، ظهرت في السَّاحةِ امرأةٌ تحدَّثَ عنها القرآنُ وأطال الحديث، إنها ملكة سبأ "بلقيس"، تلك الملكة التي أُوتيت من كلِّ شيء ولها عرشٌ عظيم، كانت تحكمُ بلادَ اليمن "سبأ" في بيئةٍ وثنية، تعبد وقومُها الشمس، وعندما علم سليمان - عليه السلام - بهذه الحقائق أرسلَ إليها رسالةَ دعوةٍ يدعوها وقومها فيها إلى الانصياعِ لدولته: ﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ ﴾ [النمل : 31]، وعرض عليهم الإسلامَ والتخلي عن عبادةِ الشمس: ﴿ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾، فهو لم يكن يهدف إلى التوسعِ في السُّلطان فقط، ولكن له هدفٌ آخر أسمى؛ ذاك هو نشر الإيمانِ بالله.
وهذه المرأة التي كانت بدايتها وثنية، كانت سياسية ماهرة، تعرفُ كيف تتعامَلُ مع ذوي السلطات، فأرسلت إلى سليمانَ هديةً ثمينة، وأموالاً تختبره بها: هل هو رجل سلطان ومادة، أو رجل مبدأ وعقيدة؟
ولكنه رفضَ هذه الرشوة فقال: ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ﴾ [النمل : 36]، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ﴾ [النمل : 36 ، 37]، وهذا تهديدٌ حازم أرغمها على الحضور، وعرض عليها عرشَها الذي استحضره قبل وصولِها، وأدخل عليه بعضَ التعديلات السريعة ليختبرَ ذكاءها، فلم تنكرْه ولم تدَّعِه، بل قالت: ﴿ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ [النمل : 42]، ثم اختبرها اختبارًا هامًّا ليحطمَ مفاهيمَها الوثنية بطريقةٍ علمية، فأدخلها الصَّرح، وهو بناء أرضه من زجاجٍ صقيل صاف تجري تحته المياه، فحسبته ماءً جاريًا أمامها، وظنتْ أنها سوف تخوضُ هذا المجرى المائي، فشمَّرت ثوبَها عن ساقيها لكي لا يبتل بالماء، وهنا تبيَّنَ لها أنَّ هناك موجوداتٍ لا تراها العين (الزجاج الصافي)، فقد خدعتها العينُ إذ رأت الماءَ ولم تر الزجاجَ فوقه، وإذا كانت تعبد الشمس لأنها تراها، فهناك الله الذي خلقَ الشمس ولا تدركه الأبصار، ولذكائها فهمت الفكرةَ، وهنا أعلنت خطأها، فقالت كلمةَ الحقِّ واعترفت بأنها ظلمتْ نفسَها؛ إذ كانت تعبد الشمسَ من دون الله؛ ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل : 44]، وانتقلت بذلك من الوثنيةِ إلى دينِ التوحيد، بعد أن استعملَ سليمانُ - عليه السلام - معها طريقةً عملية، مستغلاًّ ما مكنه منه الله - تعالى - من صناعاتٍ وتقدم حضاري.
وهكذا صارت بلقيس امرأةً صالحة مؤمنة في موكبِ النِّساء المؤمنات اللاتي تحدَّثَ عنهنَّ القرآن.