الثلاثاء، 23 يناير 2007

جولة في ديوان من يطفئ الشمس

جولة في ديوان «من يطفئ الشمس؟» للشاعر الدكتور حيدر الغدير
بقلم: صدقي البيك
إذا كان هناك تعبير شائع عن «إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس» فإن هنا ما هو أبلغ من ذلك في التعبير عن الإسلام وامتداده المكاني والزماني فهو شمس، وأنى لأحد أن يطفئها؟!
هكذا أراد الشاعر الدكتور حيدر الغدير أن يبدي اعتزازه بالإسلام وإعجابه بما قدمه المسلمون قديماً، وما يمكن أن يقدموه على مدى الأزمان المقبلة.
من يطفئ الشمس؟! نحن الشمس خالدة أمّا عدانا فآل، ثم ينحسر
ومن هنا حمّل ديوانه الأول هذا العنوان المتميز، وصدّره بقصيدة تحمل العنوان نفسه. ويضم الديوان 50 قصيدة يمتد تاريخ نظمها من أواخر عام 1413هـ الموافق لأواسط عام 1993م إلى ربيع هذا العام 1427هـ الموافق 2006م. وقد رتب الشاعر قصائده ترتيباً زمنياً بالسنة والشهر واليوم من التاريخين الهجري والميلادي، وصدرت طبعته الأولى في هذا العام. وتتنوع القصائد فيه، وأكثرها إخوانيات بين ثناء ورثاء ومداعبة (22 قصيدة)، ثم روحانيات (13) وتسع قصائد فكرية عامة، وست قصائد وطنية. وكل هذه القصائد عمودية إلا قصيدتين كانتا من الشعر الحر (شعر التفعيلة) أولاهما (ستار) في ذكرى موت نزار قباني رثاء له، وقد اتخذ الشاعر من موته عظة وعبرة مما يصير إليه الإنسان مهما علا شأنه في دنيا الشعر، ومهما مشت في موكب جنازته القصائد والقلوب والمعجبون، ولكن «ماذا وجدت وقد صحوت وأنت وحدك يا نزار/ فانطق فقد سُدل الستار/ وانطق فقد كشف الستار!».
والثانية «يا خالقي ما أكرمك!» وهي من روحانياته، يجول في مقاطعها مسبحاً لله معلقاً عليه رجاءه مستجدياً كرمه خاتماً كل مقطع منها بـ«يا خالقي ما أكرمك!».
دفاعاً عن رسول الله
وإذا كان قد قدم آخر قصيدة له، زمنياً، لتكون فاتحة الديوان ومانحة له عنوانه، فإنه جعل خاتمة الديوان مكاناً وزماناً دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصيدته «أبا الزهراء» (وهي أطول قصائد الديوان «100 بيت») بعد أن تعرض جنابه الكريم لهمجة ممن أعماهم حقدهم على الإسلام عن أن يقدروا أهل القدر ويعطوهم حقهم من الإجلال والتعظيم الذي أعطاه إياه واحد من المنصفين منهم، هومؤلف «المائة الأوائل» حين جعله على رأس هؤلاء المئة في تأثيرهم الحضاري على الإنسانية. ويفتتح الدكتور حيدر دفاعه عن رسول الله بافتدائه فيقول:
فداؤك قبل قافيتي الجَنان وقبل السيف روحي والبيان
مندداً بهؤلاء الحمقى الذين سينضمون إلى قافلة المتحطمين على صخرة الإسلام
وأما شانئوك فهم بغاث وفرية أحمق هانت وهانوا
ستطويهم ضلالتهم ليغدوا نفايات يطاردها اللعان
عِداك! وأين همْ؟ هلكوا وبادوا وباد ضجيجهم والهيلمان
ويخاطب عيسى عليه السلام شاكياً له من يدّعون اتباعه وهم أبعد الناس عن طهره ونقائه
ويا عيسى، فديتك جئت أشكو
وأنت الطهر نضراً والحنان
أذاةَ ذويك، قد جهلوا وضلوا
وعاثوا بالنبوة واستهانوا
ويختم قصيدته هذه بأن ينقل إلى الرسول عليه السلام تحيات مئات ملايين المسلمين وآمالهم وتضحياتهم وافتداءاتهم له.
ويا مولاي حمّلني سلاماً
لك المليار أخلصه الجَنان
وعهداً أن يفدّوك احتساباً
وهم صدُق وأفئدة هجان
وأسياف مظفرة وخيل
لها في الخطب إقدام وشان
ولا يفوته أن يغْني قصيدته بأشطر من بائية شوقي التي سارت بها الركبان وترنمت بسماع أدائها الآذان «أبا الزهراء قد جاوزت قدري»، «وما نيل المطالب بالتمني»، و«ما استعصى على قوم منال».
وهكذا يا رسول الله:
ستبقى النورَ ما بقي الزمان
ومازان الرياضَ الأقحوان
وما طلعت على الآفاق شمس
وما صدح المؤذن والأذان
إخوانياته
وفي إخوانياته أثنى على عدد من زملائه ومعارفه، وهجا بعض من أساء إليه بغدره وقلة وفائه، وداعب آخرين بروح مرحة، ورثى من أدركهم الموت من الشخصيات الإسلامية المتميزة في الفكر الإسلامي والأدب والصحوة، ويكنّ لهم كل المحبة والتقدير، منهم محمود شاكر، وعبد العزيز بن باز، وعلي الطنطاوي، وكذلك رثى أخاه ووالدته.
رثاؤه لأمه
وفي رثائه لوالدته تتفجر مكامن العاطفة في صدره، ويحز في قلبه أنه لم يتمكن من رؤيتها قبل أن يبعدها عنه الردى، فقد اضطرته الظروف إلى أن يقيم في المملكة بعيداً عنها في بلده دير الزور في سورية، فيقول:
قد كنت أرجو أن أضم ثراك
وترينني قبل الردى وأراك
وأقبّل الكف الطهور متمتماً
بالآي آمل أن أحوز رضاك
ولكن يشاء الله الذي لا راد لقضائه أن تقضي أمه وهو بعيد عنها فيعيش في حسرتين حسرة بعده عنها وحسرة وفاتها من غير أن يراها وينام بين يديها هائناً سعيداً كأنه طفل رضيع، وإن كان قد بدأ الشيب يغزو رأسه، وكان هذا المقطع الأول من القصيدة مفعماً بالحب والتوق إلى أمه:
وأنام بين يديك نومة هانئ
وكأنني وبيَ المشيب فتاك
وكأنني الطفل الذي رضع الهدى
والدر منك ودِفأه وحجاك
ويرنو إلى وجهها موزعاً نظراته فيه فلا تشبع عينه من هذا التمتع ويتبادل مع أمه نظرات السعادة والغبطة.
وتجول في الوجه المكرّم مقتلي
وتجول فيَّ سعيدة عيناك
وكل هذه الأماني طواها الردى، وسبقته أمه في رحلتها الأبدية التي لا مفر لأحد منها:
لكن سبقتِ، وكلنا في رحلة
يجتازها الراضي بها والشاكي
ولذلك يعود إلى ذكرياته معها لعله يجد فيها ما يسلي به نفسه عن هذه الخسارة الفادحة، وأجلّ هذه الذكريات مقابلته لها في حجها إلى الديار المقدسة، وهو فيها مقيم، فتورق فرحته ويتحقق حلمها برؤية ولدها وهي تمتطي إليه شوقها القديم فيغمرها الرضوان وتبكي فرحاً لهذا اللقاء ولتأديتها الحج وهو أكبر أمنياتها، ويشير إلى صبرها على ما لاقته من عنت الظالمين، حتى أراحها من أهوالهم الموت.
وصبرت والأهوال حولك جمة
صبر الحرائر في الأذى الفتاك
حتى لقيت الموت منية وامق
فأتيته مشتاقة وأتاك
ولا يفوت شاعرنا في هذه القصيدة أيضاً أن يستحضر ما يتردد على أذهان السامعين وآذانهم وألسنتهم من شعر رددته الحناجر الندية فيُضمن منها «والذكريات صدى السنين الحاكي» لأمير الشعراء شوقي.
فليتغمد الله برحمته هذه الأم الحنون الصابرة على بعد ولدها، وليلطف الله بهذا الولد البار الذي عز عليه اللقاء بأمه وصعب عليه فراقها الطويل فيصيح:
أماه، إن عز اللقاء وفاتني
فغداً يطيب على الجنان لقاك
دعاباته
وإذا كنا قد شاركنا شاعرنا أحزانه ولوعاته بفقده والدته الغالية، فلنشاركه في دعاباته الأخوية لأهل حمص في قصيدته «يا حمص»، وهي مدينة يوصف أهلها بالفطرية وطيبة القلب والبساطة أو سمها ما شئت، ويقدم قصيدته برغبته الحارة «أن أكون حمصياً لأن لدي عدداً من المؤهلات التي تجعلني جديراً» بهذه النسبة، ويلقيها في حفل زفاف فيكون لهذه الدعابة من الأثر ما يمتع المحتفلين!! مفتوناً بأبنائها الغر الكرام وصباياها الحسان معدناً ومنظراً.
يا حمص إني عاشق مفتون
بخصالك الحسنى وهن فنون
أبناؤك الغر الكرام جداول
وبناتك الريحان والنسرين
يا حمص عندي في هواك شواهد
وقصائد وحقائق وظنون
وما ندري ما هذه الظنون بعد الحقائق؟!
يا حمص جودي لي بما أهفو له
لأظل أعلو سيداً وأكون
كبنيك حيث «جنونهم وفنونهم»
وأظل أحفظ عهدهم وأصون
يا حمص أعطيني مناي فإنني
أرجو الوصال وإنني مسكين
جنسيةً أزهو بها في صحبتي
وكأنني في عرشه هارون
وإذا كان يجوز للحمصي بالولاء أن يستجيب لرغبته وأن يحقق له مناه، فإنني أرحب به أخاً حمصياً كريماً!! وكان باستطاعته أن ينال هذا الشرف، من غير إلحاح في الطلب، لو أنه عرج على حمص في سعيه إلى دمشق لاختيار شريكة حياته!!
ولو فعل ذلك لتغنى بحمص جاداً تغنّيه بدمشق ومن فيها:
يا شام أنت على الزمان وسام
باق بقاء الخلد ليس يضام
يا شام تعروني لذكرك هزة
أموية هي في العظام غرام
وأنا الذي شاقته منك عوارف
جلّت، ويشتاق الكرامَ كرام
فهنيئاً لشاعرنا هذا التغني وتلك الدعابات... ونحن نترقب صدور إخوة ديوانه هذا بفارغ الصبر بعد أن تفرغ شاعرنا لجمع ما تناثر من قصائده وإبداعاته لتأخذ أمكنتها في أرفف مكتباتنا وتستمتع بها أذواقنا وتغنى بهاعقولنا وقلوبنا.
1-5