السبت، 1 مارس 2008

الانقلاب والانقلابيون


الانقلاب والانقلابيون!





2008-02-02


صدقي البيك

كاتب - السعودية

المزيد للكاتب


بقلم : صدقي البيك – السعودية
في خضم الصراع بين فتح وحكومة سلام فياض من جهة وحماس وحكومة إسماعيل هنية من جهة أخرى, تتردد على ألسنة المنافحين عن السلطة وقادتها في الضفة الغربية اتهامات لحماس وحكومة هنية " بالانقلاب"على الشرعية، كما استهوت هذه الكلمة بعض المحللين السياسيين الذين يعادون حماساً مسبقاً، ويبحثون عن أية فرصة، ولو كانت مصطنعة ومكذوبة، لتحميلها مسؤوليات تصل عند بعضهم إلى حد تحمليها مسؤولية الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة ، مع أن هذا الحصار على المعابر، وخاصة معبر رفح، كان واقعاً من قبل أن تحسم حكومة الوحدة الوطنية في 14/حزيران يونيو الأمر وتقضي على الانفلات الأمني، فكل الناس يعلمون أن معبر رفح كان مغلقاً قبل عدة أيام من يوم الحسم، وكان المسافرون يقضون أياما وأسابيع على جانبي المعبر، انتظاراً لأن تمن إسرائيل على السلطة الفلسطينية بساعات أو أيام محدودة يفتح فيها المعبر، ثم يغلق لأتفه المعاذير الكاذبة، ومن لا يذكر الحصار الذي فرضته إسرائيل على رئيس السلطة ياسر عرفات في رام الله حتى وصل هذا الحصار إلى الغرف المحيطة بمكتبه؟ أفكانت حماس هي السبب في ذلك؟ إن إسرائيل لا تعدم انتحال الأسباب لكل ما تصنع، فآلة وضع المبررات عندها شغالة، ويصدقها الإعلام الغربي ومن يسير في ركاب نهجها التفاوضي.
لو سألنا أنفسنا عن الوضع في غزة والضفة، بعد أن نجحت حماس ب74 مقعداً في المجلس التشريعي، ويدعمها أربعة مستقلين نجحوا بدعم من حماس، من 132 مقعداً بنسبة تقارب 60% من المجلس، لكان الجواب ما يلي: عرضت حماس، ولم تكن دستورياً بحاجة إلى أي تحالف مع أي فصيل آخر يملك نصف نائب (قائمة مكونة من أربعة أحزاب وقوى! لها نائبان) أو أكثر، عرضت على فتح وغيرها تشكيل حكومة مشتركة، فكان رد فتح والقوائم التي تسير في ركابها؛ لأنها تأخذ ميزانياتها من منظمة التحرير الخاضعة لسيطرة فتح، رفضَ المشاركة، حتى الجبهة الشعبية التي صوتت مع حكومة إسماعيل هنية رفضت المشاركة!
وكل نظام ديموقراطي يجري انتخابات نزيهة يسلّم فيه الفائزُ السابق للفائز اللاحق زمام الأمور، وتصبح الوزارات والأجهزة المختلفة خاضعة سياسياً وإدارياً للفائز الجديد، مع العلم أن هذه الأجهزة والدوائر يكون الموظفون فيها من الشعب كله، إلا ما يكون من المناصب القيادية، فإنها تكون للفائز الذي أتى به الاقتراع إلى السلطة. هذا في كل الأنظمة الديمقراطية إلا نظام السلطة الفلسطينية منذ قيامه عام 1994 وعلى مدى أكثر من اثني عشر عاماً، فقد كان كل عناصر أجهزة الأمن وموظفي الوزارات من حركة فتح وأنصارها، إلا من قدر له أن يكون قد احتل موقعاً في هذه الوظائف قبل دخول السلطة، في المدارس والمشافي والبلديات و.... ومع ذلك فقد تعاملت حماس مع كل هؤلاء الموظفين بمهنية، فلم تعزل أحداً ولم تقطع راتب أحد، إلا ما كان من الوظائف الوهمية المسجلة بأسماء غير حقيقية أو من غير دوام.
ومن المعروف في الأنظمة الديمقراطية والاستبدادية أيضاً أن أجهزة الأمن تحفظ نظام البلد وأمنه، وتتصدى للمتظاهرين وتمنع المخربين منهم من إلحاق الأذى بالناس وبالأملاك العامة والخاصة، أما في فلسطين فمن العجب أن الأجهزة المخوّلة بهذه الواجبات كانت هي التي تتظاهر مسلحة، وتهاجم دوائر الدولة والوزارات ومبنى المجلس التشريعي والجامعات وتطلق الرصاص، وتدمر البوابات والأبواب، وتحرق وتخرب الأجهزة العلمية والأثاث والدواليب.....سواء أكان ذلك التخريب بمبادرة من عناصر منفلتة في هذه الأجهزة أم بأوامر من قادتها الصغار أو الكبار.
ماذا يقال عن هذا؟ وبم توصف هذه التظاهرات المسلحة التي تجوب الشوارع؟ إن كانت من جهات غير رسمية فهي محاولات تمرد مسلح, وإن كانت من أجهزة عسكرية مسلحة فهي انقلاب عسكري دموي يستدعي مقابلته من الحكومة بالحزم والحسم والشدة التي نعهدها في مثل هذه الظروف. وإذا لم يكن هذا انقلاباً فما هو الانقلاب؟ وماذا يسمى عملهم هذا؟ أهو حفظ للنظام الموكول إليهم أم هو حماية للممتلكات العامة؟ أترضى دولة في العالم بذلك على أرضها؟ أيرضى الصحفيون والمحللون بأن يجري ذلك في دولهم؟ وإذا قامت حكوماتهم بقمع هؤلاء العابثين أيتهمونها بأنها انقلبت على الشرعية وعلى قادة هؤلاء المخربين؟ أم أنهم يباركون ضرباتها وقمعها للفتن وحفظها للأمن والنظام؟ فلمَ الكيل بمكيالين؟ ولمَ يكون القضاء على هذا الانفلات الأمني والتمرد العسكري في غزة انقلاباً؟
قد يدعي المبطلون أن رجال الأمن هؤلاء كانوا يخرجون مطالبين بدفع رواتبهم، وأن من حقهم أن يطالبوا بما يعولون به أسرهم، لا بأس ومن حقهم ذلك، ولكن حكومة السلطة السابقة حكومة أحمد قريع استمرت شهراً كاملاً بعد نتائج الانتخاب وقبل أن تنال حكومة إسماعيل هنية الثقة من المجلس التشريعي، تحشو دوائر الدولة بالموظفين الجدد من عناصر فتح وأعوانها, وتفرغ خزينة الدولة مما بقي فيها من الأموال، ولم تدفع للموظفين رواتبهم عن الشهر الأخير من حياتها الدستورية، حتى إذا جاءت حكومة إسماعيل هنية الأولى لم تجد مالاً في الخزينة ووجدت ديوناً للموظفين وللبنوك على الحكومة، ومع ذلك بدأت تؤمن للموظفين والمتظاهرين من رجال الأمن سُلفاً من رواتبهم إلى أن تتمكن من صرف الرواتب كاملة.
ومن الأعاجيب أن الحكومة أمنت بضعة ملايين وأدخلتها إلى أحد البنوك فإذا البنك يعتبر هذا المبلغ تسديداً لديون الحكومة السابقة! وأخزى من ذلك أن يقوم رجال الأمن الأمناء على معبر رفح باتهام بعض أعضاء حماس في المجلس التشريعي بتهريب الأموال إلى داخل القطاع ويصادروها، بحجة أن اتفاقية المعبر تمنع إدخال كميات كبيرة من الأموال إلا بعد التصريح عنها وإلا عدت تهريباً! هكذا تكون أمانة هؤلاء الذين أتخمت جيوبهم بالرشوات على الحدود.
ويصل الأمر عند هؤلاء الغيارى المسيطرين على المعبر إلى حد إهانة رئيس الحكومة إسماعيل هنية حين مر على المعبر بجعله يجلس ساعات على الرصيف بانتظار إنهاء عملية تسجيل دخوله!! ألم تستوجب هذه الإساءة بالمعاملة على رئيسهم رئيس السلطة أن يعاقبهم ؟
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فبعد أن خرج موكب رئيس الحكومة من مبنى المعبر انهمر عليه الرصاص لاغتياله، ويقتل حارسه الخاص ويجرح ولده ومستشاره أحمد يوسف، وهل يصدق عاقل ما زعمته السلطة من أن هذه الحادثة مصطنعة؟ ومع ذلك فقد صدق هذه المزاعم صحفيون، ولعل بعضهم ما زال يصدقها حتى الآن!
أفليست هذه المحاولة انقلاباً أو استعداداً لانقلاب؟
ويستمر الانفلات الأمني إلى ما بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعد اتفاق مكة، وتتنازل حماس عن نصف الوزارات لفتح وبقية المنظمات، وعن وزارة الداخلية والخارجية و... ويُستأنف التخريب الذي كانت صدور بعض قادة السلطة العسكريين تضمره حتى في أثناء توقيع اتفاق مكة، وقد كُشفت خطته عبر مكالمة هاتفية بين دحلان في مكة وأحد قادة فتح في القدس، يلوم هذا فيها قادة فتح على توقيع الاتفاق الذي تغضب بنوده إسرائيل، فيرد عليه دحلان " عند اللزوم نخربها"! ولذلك منع دحلان من حضور حفل توقيع الاتفاق. أفلا يدل هذا على النوايا السيئة والتخطيط المسبق لدى هذا الطرف للانقلاب عند اللزوم؟ ولم تمض أيام حتى شهد القطاع حرق الجامعة الإسلامية وموجة من الاغتيالات لرجال من حماس لمجرد انتمائهم إليها ويقتل في أيام أكثر من أربعة عشر رجلاً ولا يكشف أحد من القتلة، لأن القتلة من رجال أجهزة الأمن ولعل القتل كان بأوامر من الأعلى، فكلنا سمع رئيس السلطة يوجه أوامره لقادة الأجهزة " كل من يحمل صاروخاً اقتلوه، طخوه، منيح هيك" فالذي يقول هذا بالصوت والصورة لا يتورع عن إصدار أوامر أخرى بالقتل. ويقتل ابن أبو قينص وهو شاب من فتح ملتح بعد اعتقاله ورميه من سطح أحد الأبراج، ويسارع إعلام السلطة وفتح إلى اتهام حماس بذلك، ويصدقه الإعلام الغبي، وهو معذور، ولكنه غير معذور بعدم ذكر الحقيقة التي كشفها والد القتيل بأن ولده قتلته الأجهزة الأمنية، وقد ذكر ذلك بالصوت والصورة، كما أكدته شهادة أو اعتراف أبو خوصة بالحادثة وتبريره لها بأنهم ظنوه من حماس لأنه ملتح!!!
أتقبل حكومة في العالم أن يجري كل هذا على أيدي الأجهزة المكلفة بحفظ الأمن في البلاد؟ أفتبقى حكومة الوحدة الوطنية بلا حراك لتتهم بأنها لا تحفظ النظام ولا تمنع الفوضى؟
وفي الوقت نفسه كان الطرف الانقلابي في السلطة يخطط له دايتون وإسرائيل للانقضاض على حماس في غزة، لولا أن حكومة الوحدة الوطنية لم تبق تطيق صبراً على ذلك فحزمت وحسمت الأمر بشدة وبسرعة مذهلة دلت على كرتونية وخواء وجبن هذه الأجهزة التي هربت عناصرها من عشرات المراكز الأمنية من غير اشتباك، إلا مع مركزين فر منهما من بقي من العناصر، ولم تحتفظ الحكومة بمن أمسكته منهم إلا يوماً أو يومين، فهربوا إلى إسرائيل لأنهم يعرفون ما ارتكبوا من الجرائم التي قد تكتشف ولن يرحموا عندئذ.
أفيكون هذا الحزم من الحكومة الشرعية، والقضاء على أوكار ناشري الفوضى والقتل انقلاباً؟ أتنقلب الحكومة الشرعية على نفسها؟
فأي الفريقين أجدر بأن يوصف عمله بالانقلاب؟ أهو الفريق الذي يضم الحكومة الشرعية التي قضت على الفوضى والتخريب أم الفريق الذي رفض التسليم عملياً بنتائج الانتخاب وعض أصابع الندم على إجرائها، ونشر عبر أجهزة الأمن المسلحة الرعب والفوضى والتخريب وكان من واجبه أن يحفظ الأمن ويحافظ على الهدوء ؟