الخميس، 6 مايو 2010

وعد الله بوراثة الأرض المقدسة

بقلم: صدقي البيك
"هذا الموضوع قدم في برنامج "يا أمة القرآن" في تلفزيون الراية الخميس15/5/1431هـ الموافق لـ29/4/2010م"
يقول الله تعالى في كتابه العزيز، على لسان موسى عليه السلام: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين. المائدة /21
ويرى بعض المتسرعين الذين يقفون عند ألفاظ آية ما، من غير ربط الآية بما يتلوها ويتعلق بها، يرون أن هذه الآية تؤكد ادعاء اليهود أن أرض فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد بها إبراهيم عليه السلام.
وعد الله للمسلمين
وقبل تفصيل القول في هذه الآية، لابد من الاطلاع على ما ورد في القرآن الكريم من وعد الله تعالى للمسلمين بالاستخلاف في الأرض وتمكين الدين لهم
فقد ورد في كتاب الله تعالى وعود كثيرة ، تحتاج منا إلى وقفات متأنية لفهم النص بتمامه وبما يتعلق به من شروط.
فقد قال الله تعالى في سورة النور: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا. ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون." الآية55.
وقال في سورة الأعراف/128: "قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين." وبعدها بآيات يقول: "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا..." الآية 137.
وقال أيضا في سورة الأنبياء: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون." الآية 105.
هذه الآيات تشهد على أن الله تعالى أورث الأرض عباده الصالحين، وهذا الصلاح صلاح ديني يتمثل بالعمل الصالح المصحوب بالإيمان بالله تعالى، فالآية الأولى تلزمهم بعبادة الله وعدم إشراك أي شيء به، وآيات الأعراف تجعل الإيراث جزاء على صبرهم واستعانتهم بالله.
ويقول سيد قطب رحمه الله " في ظلال القرآن" في تفسيره للآية الثالثة: "ويعود السياق لبيان سنة الله في وراثة الأرض وصيرورتها للصالحين من عباده في الحياة الدنيا." ويقول: "لقد وضع الله للبشر منهجا كاملا متكاملا للعمل على وفقه في هه الأرض، منهجا يقوم على الإيمان والعمل الصالح، وفي الرسالة الأخيرة للبشر فصل المنهج وشرع له القوانين التي تقيمه وتحرسه ، وتكفل التناسق والتوازن بين خطواته". ثم " وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أمة فهي الوارثة للأرض لإي أية فترة من فترات التاريخ. ولكن حين يفترق هذان العنصران فالميزان يتأرجح، وقد تقع الغلبة للآخذين بالوسائل المادية حين يهمل الأخذ بها من يتظاهرون بالإيمان . وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح وإلى عمارة الأرض والقيام بتكاليف الخلافة التي وكلها الله إلى هذا الإنسان. وما على أصحاب الإيمان إلا أن يحققوا مدلول إيمانهم، وهو العمل الصالح والنهوض بتبعات الخلافة ليتحقق وعد الله وتجري سنته. فالمؤمنون العاملوت هم العباد الصالحون." (مع العلم أن هناك من يرى أن وراثة الأرض هذه هي وراثة الجنة).
وشدني ذكر الآية أن هذا الوعد بالإيراث مكتوب في الزبور، فبحثت في الزبور( مزامير داود في العهد القديم) فوجدت فيه 150 مزمورا (إصحاحا) ليس فيها كلمة (يرث) إلا المزمور37، وفيه تتكرر كلمة (يرث الأرض) خمس مرات، هي:
9- والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض.
11- أما الوُدَعاء فيرثون الأرض.
22- لأن المباركين منه يرثون الأرض.
29- الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد.
34- انتظر ِ الربَّ واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض.
وكذلك ورد في سفر اللاويين ( وهو من أسفار موسى): 20: 22 فتحفظون جميع فرائضي وجميع أحكامي وتعملونها لكي لا تقذفكم الأرض التي أنا آت بكم إليها لتسكنوا فيها 23 – ولا تسلكون في رسوم الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامكم لأنهم قد فعلوا كل هذه فكرهتهم 24- وقلت لكم ترثون أنتم أرضهم وأنا أعطيكم إياها لترثوها أرضا تفيض لبنا وعسلا.
فمن أين لمحمد عليه السلام، وهو الأمي الذي لا يقرأ العربية، ومن باب أولى أنه لايقرأ ولا يعرف العبرية لغة التوراة، من أين له أن يعرف انحصار ذكر كلمة (يرثها عبادي الصالحون) في أحد إصحاحات الزبور (مزامير داود)؟! وهذا دليل واضح على أن القرآن الكريم هو من عند الله العليم الخبير.
وعد الله لموسى وقومه في القرآن الكريم
ورد هذا الوعد في الآية الكريمة21 من سورة المائدة في خطاب موسى عليه السلام لقومه: " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين."
نقف عند كلمة (كتب) ، فهذه الكلمة لها في القرآن الكريم عدة دلالات:
1- خط الكلمات في صفحات الكتابة ، كما في قوله تعالى: ورسلنا لديهم يكتبون.
2- بمعنى قضى وحتم (حكما كونيا)، كما في قوله تعالى: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، وقوله: كتب ربكم على نفسه الرحمة...
3- بمعنى فرض وأوجب (حكما شرعيا)، يكافأ من يعمل به ويعاقب من يخالفه، كما في قوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس... وكقوله: كُتب عليكم الصيام...أو أن يكون المكتوب جزاء على عمل، مثل: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة
ولعل كلمة (كتب) في الآية بهذا المعنى، أي كتب لكم أن تدخلوها ( كما ورد في تفسير مقاتل " التي أمركم أن تدخلوها ، وفي تفسير السمرقندي، والتفسير الميسر، وتفسير ابن أبي زمنين، ومفردات ألفاظ القرآن، وفي تفسير السيد طنطاوي الذي يقول: فرض عليكم دخولها وأمركم به، ومفعول كتب محذوف، أي: كتب لكم أن تدخلوها ).
ولعل تعدية الفعل هنا باللام جاءت للدلالة على أن الله تعالى كتب لهم هذا الوعد بالدخول جزاء لهم على اتباعهم موسى وإيمانهم بالله وخروجهم من مصرطاعة لأمر الله واستعانتهم بالله وصبرهم، حسب ما ورد في سورة الأنعام "...وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا... " ومثلها في قوله تعالى: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك.
ثم إن هذه الكتابة مهما كانت دلالتها فهي مرتبطة بالتزام المكتوب لهم أحكامَ الله وإطاعة أوامره والانتهاء عما نهاهم عنه. فبقية الآيات تنص على أن الله تعالى عاقبهم، على عصيانهم أوامر الله التي جاءت على لسان موسى عليه السلام، بتحريمها عليهم أربعين سنة والتيه في الأرض. والآيات هي: " قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون...". ثم ردواعلى موسى وهارون فـ" قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون". فأي عصيان وفسق هذا؟! ولذلك عاقبهم الله بتحريم دخولها عليهم وبالتيه في الصحراء: "قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين." حتى يموت كل من كان جاوز العشرين من العمر (كما في نص التوراة).
;وهناك نص في التوراة في سفر العدد 14: 11، يقارب هذه الآيات من سورة المائدة ويدل على ربط تحقيق الوعد بالإيمان والطاعة.
فبعد الحديث في هذا الإصحاح عن عودة الذين تجسسوا أرض كنعان، وتذمُّر جميع بني إسرائيل وتمنيهم لو ماتوا في مصر بدلا من أي يسقطوا بالسيف في هذه الأرض... يذكر النص: " 11- وقال الرب لموسى حتى متى يهينني هذا الشعب ...22- إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي... ولم يسمعوا لقولي لن يروا الأرض التي حلفت لآبائهم. وجميع الذين أهانوني لا يرونها... 29- ..من ابن عشرين فصاعدا الذين تذمروا عليَّ 30- لن تدخلوا الأرض التي دفعت يدي لأسكنكم فيها...30- وبنوكم يكونون رعاة في القفر أربعين سنة"
فهذا النص يحرمهم من دخولها وسكناها لفسادهم وإهانتهم لله، وهذا يعني أنه كان وعدا شرعيا متوقفا على طاعتهم لله، وليس عطاء أبديا ولا حقا أزلياً.
أما وقد فسدوا وأفسدوا بعد عهد سليمان وحرفوا وبدلوا في كتابهم ولم يؤمنوا بزكريا ويحيى وعيسى، وقتلوا بعض أنبيائهم وسعوا في قتل عيسى، ولم يؤمنوا بمحمد عليهم السلام جميعا، وكفروا... فلم يبق لهم عمل صالح يكافئهم الله تعالى عليه.
وأما تسلطهم على العرب والمسلمين حديثا ودخولهم إلى أرض فلسطين فهو قد حصل لأن العرب والمسلمين خرجوا عن طاعة الله وعلى شريعته فحق عليهم قول الله تعالى في الحديث القدسي: إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني، (حلية الأولياء 1/91)، وليس مكافأة لهم ولا تحقيقا لوعد يزعمونه، ولأمر آ خر هو أن يأتي الله بهم لفيفا إذا جاء وعد الآخرة ليسوء المؤمنون وجوههم وليدخلوا المسجد الأقصى منتصرين محققين إرادة الله في القضاء على اليهود الصهاينة.
والحقيقة أن الله تعالى لا يؤْثر قوما بشيء من أمور الدنيا أو الآخرة بسبب عرقهم أو لغتهم أو لونهم، فهو يخاطب الناس جميعا في سورة الحجرات/13 : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير." فالناس في حكم الله سواء : من كفر فعليه كفره ، ومن آمن وعمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها. والله تعالى لا يحابي أتباع أي نبي إذا ارتكبوا الآثام، ولا يتغاضى عنهم بحجة أنهم مسلمون مؤمنون به، فيقول: " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجزَ به ولا يجدْ له من دون الله وليا ولا نصيرا." النساء/123.
" وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم، بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء... " المائدة/18
الوعود في التوراة
ولكن اليهود لا يؤمنون بالقرآن وبما فيه، ويؤمنون بتوراتهم فقط، ويقولون إن فيها وعودا إلهية بتمليكهم هذه الأرض، ومع ذلك ، ومع أننا نؤمن بأنهم حرفوا في التوراة وزادوا ونقصوا، نسير معهم ونناقش هذه الوعود، ونبين ما فيها وما لهم وما عليهم منها.
فعلاً ورد في التوراة ، وفي الإنجيل أيضا، ثلاثة وعود بشأن الأرض للأنبياء الثلاثة: إبراهيم وإسحق ويعقوب، عليهم السلام، وتكرر ذكرها أكثر من خمس عشرة مرة.
وكل هذه الوعود تنص على إعطاء الأرض للنبي ونسله من بعده، ولكن هذه الوعود تحمل عددا من التناقضات في:
1- من حيث تحديد النسل، 2- ومن حيث تحديد الأرض، 3- ومن حيث التأبيد.
وبعضها يربط بين الوعد بإعطائها وبين وجوب الالتزام بحفظ الوصايا وفرائض الله وشريعته.
أولاً- فمن حيث تحديد النسل فيها، يقول أول وعد منها في سفر التكوين 14:13 بعد اعتزال لوط عن إبرام : "قال الرب لإبرام انظر من الموضع الذي أنت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا 15- لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد."
وهذا الكلام قيل قبل أن يكون له أي نسل!! ثم ولد له إسماعيل وبعد أربع عشرة سنة ولد له إسحق، وبعد موت سارة أم إسحق تزوج امرأة اسمها قطورة رزق منها بستة أبناء ذكور، فنسله من الذكور من زوجاته الثلاث ثمانية رجال، إلى جانب أبناء آخرين من سراريه، وكل هؤلاء يدخلون في نسله وتكون الأرض التي رآها وهو في منطقة بيت إيل على مد بصره الطبيعي نحو الجهات الأربع (وكم ستكون مساحتها؟!)عطاء لهم جميعا!!
في حين أن الوعد الثاني لإسحق ورد في السفر نفسه وفي الإصحاح 26 :3 وذلك بعد أن تجاوز الستين وولدت له زوجه ولديه التوأمين عيسو ويعقوب. يخاطبه الرب: "لأني لك ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد ... من أجل أن إبراهيم سمع لقولي وحفظ ما يحفظ لي أوامري وفرائضي وشرائعي" . يحصر( هذا الوعد) في إسحق ونسله متجاوزا إخوة إسحق السبعة الآخرين ونسلهم!! مع أنه مربوط بإبراهيم ومعلل بتطبيق إبراهيم لفرائض الله وشريعته.
ولا يمكن الادعاء أن إسحق وحده هو نسل إبراهيم لأن التوراة تقول في الإصحاح 21 :12 " لأنه بإسحق يدعى لك نسل 13- وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك، كما أن قطورة كانت زوجة لإبراهيم، وكذلك كانت هاجر زوجة له وجارية لسارة.
والوعد الثالث يرد في الإصحاح 28 :13 يخاطب الله يعقوب: " أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك."
فكيف يسقط حق عيسو ونسله (له خمسة أبناء)الذي ذكر في الوعد الثاني؟!
أيعِدُ الله ثمانية على الأقل من أولاد إبراهيم ثم يصدق وعده مع واحد ويخلف وعده مع سبعة؟! أيصدق وعده مع يعقوب ويُخلفه مع عيسو؟! مع أن يعقوب أخذ حق البكورية والبركة من عيسو بالخديعة والمكر والغش لأبيه إسحق، كما تذكر التوراة.
أليست هذه تناقضات تدعو إلى الشك ببعضها وطرحها جميعا جانبا؟
ثانياً- وأما التناقض في تحديد الأرض فقد حصر الوعد الأول هذه الأرض بما تستطيع عينا إبراهيم أن تقع عليه بالنظر إلى الجهات الأربع وهو قرب بيت إيل، في حين أن الوعد الثالث حددها بـ (الأرض التي تضطجع عليها)، وإذا كان هذا اللفظ مجازيا ويقصد به السيطرة عليها فهي أرض من الصغر بحيث يمكن لقافلة الإسماعيليين أن يشتروا يوسف من التجار المديانيين عبدا، ثم يغادرها الموعود بها (يعقوب) ونسله إلى مصر!!
وهناك نص لوعد إبراهيم في الإصحاح15 :18 " في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا. لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات."
وهذه الأرض تضم أكثر من عشر أمم منهم الحثيون والفرزيون والأموريون والكنعانيون والجرجاشيون واليبوسيون إلى جانب الفراعنةعلى نهر مصر!
وفي نص آخر في 17 :8 " أعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا وأكون إلههم." فكيف انكمشت مساحة الأرض بعد إصحاحين من منطقة تضم بلاد الشام والعراق ( ولعلها تشمل تركيا!) ومصر إلى منطقة تضم أمة واحدة هي الكنعانيون؟!
ثالثاً- ورد التأبيد ثلاث مرات: آ- في 17 :8 من سفر التكوين (ملكاً أبدياً)
ب- وفي أول وعد عرضتـُه 13 :14 ذكر (إلى الأبد).
جـ - وفي سفر الخروج 32 :13 يقول موسى مخاطبا الله تعالى: "اذكر إبراهيم وإسحق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم أُكثـِّر نسلكم كنجوم السماء وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمتُ عنها فيملكونها إلى الأبد". ولم يذكر التأبيد في بقية مرات الوعود.
فإذا كان التأبيد لكل نسل هؤلاء الأنبياء الكرام فقد بقي دائما منهم من يقيم في هذه البلاد القليلة المساحة أو المترامية الأطراف، وأما إذا كان العطاء والامتلاك حكرا على نسل واحد من الأنبياء الثلاثة دون حق سبعة من أبناء إبراهيم ( أحدهم إسماعيل الذي رزق باثني عشر من البنين) ودون حق عيسو (الذي رزق بخمسة من البنين) أي أن يستأثر به بنو إسرائيل، فإن الواقع أثبت أنهم لم يقيموا فيها أكثر من بضعة عقود مع أبيهم، ثم غادروها متخلين عما وعدهم به الله، ليغيبوا عنها مئات السنين(430 سنة كما زعموا) ثم يحرّم عليهم دخولها أربعين سنة، ثم يُسْبون منها نحو خمسين سنةعاشوها عبيدا في العراق عند البابليين، ثم طردوا منها وأسكنوا في أرجاء الأرض نحو ألفي سنة، ثم سيبادون، بإذن الله، فكيف يكون العطاء والملك والسكن أبديا وبوعد من الله تعالى؟؟!!
ارتباط هذه الوعود بالتزام الإيمان والعمل بشريعة الله.
ويلاحظ بوضوح أن وعود الله للمؤمنين في القرآن، ولأهل الكتاب في كتبهم، وقد ذكرت كثيرا منه سابقا، تربط تحقيق هذه الوعود بالإيمان الخالص بالله والعمل بشريعته. وإن صلة نوح بولده وإبراهيم بأبيه لم تشفع لهذين اللذين لم يؤمنا بالله ولم تُنجِّ الأول من عقوبة الدنيا والآخرة ولا الثاني من عذاب الآخرة.
الوعود في العهد الجديد
وأما الوعود الواردة في العهد الجديد الذي يضم الإنجيل وأعمال الرسل ورسائل بولس وغيره ورؤيا يوحنا، فهي تكرار لوعد إبراهيم ثلاث مرات، في رسالتين لبولس وفي أعمال الرسل.
ويبدو أن هذا الوعد ذكر هذه المرات لمقارعة اليهود الذين كانوا كافرين بالمسيح، فيقول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية 3 :16 " أما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول : وفي الأنسال كأنه عن كثيرين ، بل كأنه عن واحد ، وفي نسلك الذي هو المسيح."
وكذلك يذكر في رسالته إلى أهل رومية 4 :13 " ليس بالناموس كان الوعد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثا للعالم، بل ببر الإيمان. لأنه إن كان الذين من الناموس هم ورثة فقد تعطل الإيمان وبطل الوعد ...."
فكيف يقف النصارى، الذين يجدون هذا الكلام في كتبهم، مع اليهود في زعمهم أن فلسطين هي الأرض التي وعدوا بها؟
وهكذا نجد أن آيات سورة المائدة لاتبيت للصهاينة حقا في الأرض المقدسة أرض فلسطين، كما أن الوعود التي تكررت في الكتاب المقدس عند النصارى (العهد القديم والعهد الجديد) لا تثبت أمام التحقيق، لما فيها من تناقضات في تحديد النسل وفي تحديد الأرض وفي التأبيد، إلى جانب اقتناع المسلمين بأن التوراة والإنجيل لحقهما تحريف، أقر به علماء الين عند اليهود النصارى، فلايبقى لهم أي مستند ديني لادعاءاتهم الكاذبة.
وأما تيسير مجيئهم إلى فلسطين بالهجرة وبسط سلطهم على فلسطين فلعل ذلك حاصل ليمكن إهلاكهم في وعد الآخرة من مرتي إفسادهم كما وردتا في سورة الإسراء.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.