الأحد، 31 يناير 2010

مطلبان أجوفان

مطلبان أجوفان

صدقي البيك

مطلبان يكررهما محمود عباس، ومعه ناطقون باسم سلطته وباسم حركة فتح، ويلحون عليهما، كأنهما هما اللذان سيحققان الاستقلال وينشئان الدولة الفلسطينية، وينشران السلام و... وتمر أشهر وسنوات والإصرارعليهما يدوي في أجهزة الإعلام.

وحين أمعن النظر فيهما أجد أنهما أجوفان، وإن كان مرددوهما يبنون عليهما أوهامهم، ولا أدري لم لم يتناولهما المحللون والمعلقون.

أما أولهما فهو أنه لايمكن أن يستأنف التفاوض إلا إذا وافقت إسرائيل على وقف الاستيطان في الضفة الغربية. أنحن نعاني من مشكلة (استمرار) الاستطيان في الضفة، أم من مشكلة (الاستيطان) نفسه؟ أنعاني من ازدياد المستوطنين بضعة آلاف أم نعاني من عشرات الآلاف منهم الذين استوطنوا واغتصبوا الأرض وقطعوا أوصال الضفة؟ إن هذا الاستيطان كثر أو قل ، استمر أو توقف هو الخطر الأكبر على القضية. فلو افترضنا جدلا أن إسرائيل وافقت على وقف الاستيطان مدة سنة أو أكثر، كما يطالب المطالبون، وخرج عباس يعلن مبتهجا أن إسرائيل خضعت لشرطه ولشرط أوباما، ولذلك فهو يعود للمفاوضات... وجرت المفاوضات وأنها انتهت بعد المدة المحددة بعدم الاتفاق، فما جدوى وقف الاستيطان؟

وإذا انتهت بالاتفاق... فعلام كان الاتفاق؟ إذا كان على بقاء المستوطنات وضمها مع كل ما وراء الجدار إلى إسرائيل (وهذا ما تدل عليه بوادر قبول عباس والسلطة وفتح بتبادل الأراضي) فما جدوى وقف الاستيطان إذا أرغمناهم على قبول الشروط وغنموا الأرض؟ (على قول الأعرابي: أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل!!)، وهم يعودون بعد ذلك لتوسيعها كما يحبون!

وأما إذا كان الاتفاق على إزالة هذه المستوطنات ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين أو بدون أيدي المؤمنين، كما حدث في غزة )، " وهذا ما لا يطالب به هؤلاء ولا يحلمون به "، فأي نفع من وقف توسيعها؟ وأي ضرر من زيادتها أوتوسيعها؟ وأنا على يقين أن هؤلاء المطالبين لا يحلمون بأن تبقى المستوطنات وتكون خاضعة للسلطة ويكون المستوطنون جالية صهيونية في فلسطين!!!

فإذا كانت كل الاحتمالات لما بعد التفاوض لا تتأثر سلبا ولا إيجابا من وقف الاستيطان فلمِ كل هذا الإصرار عليه، إلا إذا كان الهدف منه هو تسجيل مطلب قليل الشأن والتأثير يوافق عليه الصهاينة ويحققونه للمفاوض الذي لم يُبق في يده أية ورقة قوية يلوح بها.

وأما ثاني المطلبين فهو إجراء الانتخابات: ولنعد أربع عشرة سنة إلى الوراء حين جرت انتخابات لم تشارك بها حماس وفازت فيها فتح مقابل فصائل تعيش على الفتات الذي تتركه لهم فتح، بعد أن أمضت أكثر من ربع قرن مهيمنة على المجلس الوطني الفلسطيني، واستمر المجلس التشريعي عشر سنوات بدلا من أربع، فكيف مدد هذا المجلس لنفسه؟ ولمَ لم يتقيد بالمدة المحددة للمجلس؟ ولمَ لم تجر انتخابات؟ ولمَ لم يصر الدستوريون على وجوب إجرائها؟ ألم يعملوا بالفقرة التي تنص على أن انتهاء مهام المجلس يتوقف على أداء أعضاء المجلس الجديد للقسم؟ هذا إذا لم تكن مواد القانون الأساسي عجينة بيد المجلس السابق يصوغها كيف شاء.

وندع جانبا الأسباب التي دفعت السلطة إلى إجراء الانتخابات في أوائل عام 2006، لنقول: إن الأطراف الخاسرة في أية انتخابات ( وخصوصا المعارضة) تلجأ إلى الاتهام بالتزوير سواء أكان التزوير حقيقة أم ادعاء، كما تطالب بإعادة الانتخابات مع المطالبة بضمان النزاهة. وغالبا لا تلجأ الحكومات والسلطات إلى إجراء انتخابات قبل أوانها إلا إذا كانت تتوقع أن تكون نتائجها محسومة لها وأن تكون أفضل من سابقتها، وقد كانت السلطة الفلسطينية من هذا النوع، إلى جانب غباء محلليها الذين انخدعوا أو خدعوا أنفسهم حين رأوا أن نتائج الانتخابات البلدية قد أعطتهم مئات المجالس البلدية في القرى مقابل عشرات البلديات لحماس، فأقبلوا على إجراء الانتخابات التشريعية، متوقعين أن يكون لحماس نحو ثلث أعضاء المجلس، ويكونون بذلك أدخلوها في دهاليز السياسة ليلجموها دائما بأن الديموقراطية توجب أن تنصاع الأقلية لرأي الأكثرية، وهذا هو رأي الشعب...

وجرت الانتخابات وجاءت النتائج على غير ما كانت تهوى فتح ومكذبة لكل استطلاعات الرأي المصنعة قبل الانتخابات وقبيل إغلاق صناديق الاقتراع، وفازت حماس بالقوائم وبالدوائر، وكانت أصوات قائمة حماس تزيد 20 ألف صوت في القطاع و10آلاف صوت في الضفة على أصوات قائمة فتح!! وزادت أصواتها في المجلس بنحو 30 صوتا على أصوات فتح!! وهنا جن جنون قادة فتح، وناصبوا حماس الخصومة والمقاطعة والعداء. وما مضت أسابيع حتى بدأت أصوات هؤلاء القادة المتحدثين تطالب بإعادة الانتخابات، مع أنهم لا هم من العارضة ولا ادعوا تزوير الانتخابات، وكيف يكون ذلك وهم السلطة التي اختارت الزمان المناسب لها، وفصلت قانون الانتخاب على مقاسها، وعينت لجنة الانتخاب ممن ترضى عنهم، وأشرف رجالها على اللجان الانتخابية لأن معظم الموظفين في دوائر السلطة سبق أن وظفتهم السلطة من عناصر فتح وأنصارها، فما تستطيع أن تدعي أن هناك تزويراً. فهل تغير الشارع الفلسطيني بين شهر وآخر؟ وهل تبين للذين أعطوا أصواتهم لحماس أنها خدعتهم، وهل اكتشف الذين عاينوا الفساد المالي والأخلاقي لقادة فتح والمتنفذين فيها أن هذه دعايات المغرضين، مع العلم أن النائب العام في السلطة أصدر تقارير الاتهام بحق نحو 25 متهما بالفساد المالي ونهب أموال الشعب متعجلا، ومؤجلا البت ببقية الخمسين متهما، لحاجة في نفسه، ولم نسمع بعد أربع سنوات أنه أكمل تحقيقاته، وهذا يضاف إلى فساد الفاسدين. ما الذي يضمن، ولو توقعا، لهؤلاء أن نتيجة الانتخابات لو أعيدت ستكون في صالحهم؟ نعم عندهم الدواء السحري لفوزهم، ولكنهم لم يستخدموه في المرة السابقة لأنهم كانوا ينامون على أوهام ظنونهم أنهم ليسوا بحاجة إليه، أما وقد وجدوا أن حساباتهم خابت من غير هذا الدواء السحري فليستعملوه في أسرع وقت ممكن!! إنه التزوير الذي يرونه يجري في دول عربية جهارا نهارا ولا تعترض المؤسسات الدولية التي تراقب الانتخابات وإذا اعترضت تشكل لجان وتجري الأمور ثم تنسى المخالفات الطفيفة التي لم تؤثر على مجمل النتائج! هكذا تجري الانتخابات في أكبر الدول العربية وأكثرها ادعاء وتغنيا بالحرية واليموقراطية.

وهكذا ما زلنا نسمع من كل من يصرح منهم أن الديموقراطية تتمثل الآن في إجراء الانتخابات، بعد أن انتهت المدة المحددة للمجلس، ومعها انتهت المدة المُمدّدَة لرئيس السلطة من قبل قانون وضعه الرئيس ولم يصدر عن المجلس التشريعي أو من مجلس مركزي أو ثوري ما له صفة رسمية في هذا المجال. فهل يتوقع هؤلاء أن الشعب في الضفة والقطاع قد نسوا الفساد الأخلاقي والمالي؟ وهل اقتنعوا بأن روح الوطنية فاضت على السلطة ورجالاتها ورئيس وزرائها الذي فازت قائمته بنائبين في انتخابات 2006م؟ أوَجدوا الأمن والأمان في الضفة وهم يرون التعاون والتنسيق الأمني بين قوات الاحتلال وقوات تأتمر بأمر دايتون، فينتخبوا من آمنهم من خوف؟ وهل سلموا من اعتقالات واغتيالات إسرائيل لأبنائهم؟ وهل تحميهم أجهزة أمن السلطة من سطوة القوات الصهيونية واعتداءات المستوطنين التي تقتلع الأشجار وتحرق المحاصيل؟ فإن لم ينتخبوهم على هذه المواقف اللاوطنية المخزية أفينتخبونهم على الرواتب التي تجود عليهم بها الدول المانحة مقابل الخنوع والخضوع للرباعية ودايتون؟ أفينتخبونهم على تأييد العدوان على غزة والطلب من إسرائيل أن تستمر بالقصف حتى تسقط حماس ولو أدى ذلك إلى سقوط آلاف القتلى من المدنيين وقنابل إسرائيل لا تفرق بين أبناء غزة حسب الانتماء السياسي والتنظيمي؟

إذاً فعلام يعوِّل المتهافتون على المطالبة بانتخابات قبل المصالحة؟ نعم إنهم يريدون انتخابات تجري تحت أسلحة أجهزة الأمن الدايتونية واللجان السلطوية، والناس في المعتقلات أو تحت سطوة الخوف.

وإذا جرت انتخابات وكانت نزيهة حقيقة ونجحت حماس مرة أخرى فهل تقبل السلطة وفتح بالنتيجة؟ إن زعموا أنهم يقبلون فلمَ لم يقبلوا بها على مدى أربع سنوات؟ ولمَ عطلوا عمل المجلس وأحرقت تظاهرات الأجهزة الأمنية مبناه في رام الله؟ ولمَ تآمروا مع الصهاينة لشل عمل النواب باعتقال 40 منهم، وإذا أطلقتهم إسرائيل تكفلت السلطة (حسب التنسيق الأمني) بمنعهم من دخول مبنى المجلس ومن الاجتماع خارجه؟ فلمَ إذاً يدعون إلى انتخابات جديدة إذا كانوا سيفعلون مع النواب ما فعلوه من قبل، في حالة نزاهة الانتخاب وفوز حماس بأكثر من نصف الأعضاء؟

ولا يقل صراخهم على شرط توقيع حماس على الورقة المصرية قبل المصالحة، عن صراخهم حول المطلبين السابقين. فيا أيها الصارخون، كيف يوقع طرف على بنود للمصالحة وضعها الوسيط مغايرة لما اتفق عليه في اجتماعات المصالحة السابقة، وتنص بعض هذه البنود على إلغاء قوات المقاومة المسلحة التي هي قوام كل الفصائل الفلسطينة حتى المنضوية إلى المنظمة؟

فقليلاً من الحياء، وقليلاً من دحرجة البراميل الفارغة، يا أبواق السلطة.

ليست هناك تعليقات: