أسئلة تتردد في الصدور
بقلم: صدقي البيك - السعودية
شغلت قضية اغتيال الشهيد محمود المبحوح، بعد المؤتمر الصحفي الذي كشف فيه القائد العام لشرطة دبي الفريق ضاحي خلفان تميم، أجهزة الإعلام والدوائر السياسية في دول كثيرة، ويقف كل الكتاب والمتحدثين في الأجهزة الإعلامية إكبارا وتقديرا للدور المتميز لجهاز شرطة دبي على هذا الإنجاز الرائع.
وتبقى هنا نقاط لا بد من الحديث عنها.
فولي أمر من يُقتل هو أقرب الناس إليه، وفي حالات الاغتيال السياسي لا يقف أمر هذه الولاية على الأقارب فقط، بل تتدخل الدول التي ينتمي إليها المغتال أو يحمل جواز سفر منها لتدافع عن حقه، والمبحوح من غزة ويحمل جوازا فلسطينيا، ولعله صادر من غزة، وكل منصف حيادي يعرف أن حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها السيد إسماعيل هنية بعد الاتفاق في مكة كانت هي الحكومة الشرعية لفلسطين، ولما وقعت عملية حسم الفلتان الأمني في غزة في14/6/2007م وأقال رئيس السلطة الفلسطينية الحكومة، بقيت هذه الحكومة المقالة تسيّر الأعمال كما ينص على ذلك النظام الأساسي للسلطة الفلسطينية، وتبقى شرعيتها قائمة ومستمرة إلى أن تنال الحكومة الجديدة الثقة من المجلس التشريعي، وحتى كتابة هذه السطور لم تحصل حكومة سلام فياض على هذه الثقة التي طلب عقد جلسة خاصة بذلك ولم تحضر هذه الحكومة تلك الجلسة، فالحكومة الشرعية لكل الضفة وغزة هي حكومة إسماعيل هنية، ولذلك فهي الحكومة التي تتولى أمر المغدور محمود المبحوح، إلى جانب أهله في دمشق أو في غزة. فكيف تنسق شرطة دبي مع حكومة غير شرعية ولا تقبل أن تنسق مع الحكومة الشرعية؟ أم أن الحكومة الشرعية هي التي توافق عليها أمريكا وإسرائيل وتعطيها الثقة؟ أضف إلى ذلك أن أجهزة أمن هذه السلطة تنسق مع الأمن الإسرائيلي المتهم بعملية الاغتيال بنسبة 99%، وإليها كان ينتسب الموقوفان الفلسطينيان مشتبها بهما في جريمة الاغتيال.
وكل ما قدمته شرطة دبي من أدلة موثقة بالصور المتحركة وصور الجوازات يعد مفخرة لدبي والإمارات والعرب والمسلمين، أن تمكنت هذه الإمارة من تسجيل أعظم حدث وأسرعه في كشف عملية اغتيال جرت فوق أراضيها، وشملت هذه الوثائق أسماء المجرمين الأحد عشر واسمين لفلسطينيين شاركا في الجريمة إمدادا ومساندة، وذكرت بعض صفاتهما (ضباط سابقون في أجهزة الأمن الفلسطينية)، وتسربت معلومات عن هذين الاسمين وعن هروبهما من غزة وإقامتهما في الإمارات وهروبهما بعد الاغتيال إلى الأردن وتسلم الإمارات لهما.
ويبقى الحديث عن العملاء الذين أوصلوا معلومات الحجز للشهيد المبحوح في الطائرة وفي الفندق غير مكتمل، وهناك احتمال أن يكون ذلك تم في دمشق حيث يقيم المبحوح، ويدور حول من كان يعرف هذين الحجزين: أحد المقربين منه، وموظف الحجز في الوكالة التي حجز فيها، وموظف الحجز في شركة الطيران المعنية. ويقوم بهذه التحقيقات الفعلية رسميا الحكومة السورية، وننتظر، كما ننتظر أن تقوم بها بشكل غير رسمي حركة حماس المعنية بالأمر عناية أهله تماما ، وقد أعلن ذلك بعض المتحدثين باسم حماس، من قبل أن يطلب ذلك منهم الفريق تميم، الذي أعلن صراحة "أن هناك شخصا من جماعة المبحوح القيادي في حماس هو الذي أدلى بمعلومات (للموساد) عن وصول البحوح إلى دبي". ولا أدري أوصل إلى ذلك بالتحقيق أم بالاحتمال؟ ولكنه يصرح بذلك، في حين لا يصرح بعمل وانتماء المعتقلين ِعنده ومعلوماته عنهما أصدق، فلعله يراعي مشاعر أناس، أو أن كتْم ذلك تستدعيه ضرورات التحقيق!! وحماس لا تحتاج إلى من يذكرها بما يهمها، ويعنيها أن تطهر بيئتها من كل عميل للموساد وغيره، ولايضيرها أن يتمكن العدو من أن يدس في صفوفها عميلا له، على قلة ذلك وصعوبته، إذا ووزن بكثرة العملاء العاملين للعدو عند غيرها من الحركات والمنظمات والدول، وكلنا يعلم كثرة هؤلاء العملاء في الضفة وفي غزة، ويعلم دورهم المخزي في أثناء حرب الفرقان. وكذلك لا يضير حركة فتح ولا السلطة في الضفة حتى أجهزة الأمن في الضفة، أن يكون الموقوفان أبو حسنين وشحبير من أجهزة الأمن في غزة قبل الحسم.
كما يحتمل أن يكون ذلك في مكان آخر، فهناك موظفو شركة الطيران التي حجز عليها الشهيد، وموظفو الحجز في فندق البستان في الإمارات، فكيف يمكن لأي عميل للموساد خارج الفندق أن يحدد الغرفة التي سينزل فيها المبحوح، وإذا كان قد حدد للمبحوح رقم غرفته التي حجزت له فكيف يدري الموساد أن الغرفة 237 هي التي تقابل الغرفة 230؟ هذه معلومة لا يعرفها إلا من يعمل في الفندق ويعرف مخططه، إلا إذا كان حجز هذه الغرفة لبيتر تم بعد صعود عميلي الموساد مع محمود في المصعد نفسه إلى الطابق والتحقق من دخوله الغرفة، فيحتمل حينئذ أن يكونا هتفا لبيتر بأن يحجز الغرفة المقابلة لـ230، ولكن من أعلمه أن هذه الغرفة شاغرة ليطلب حجزها؟ أوَلم يُثر التساؤلَ لدى موظف الحجز في الفندق هذا الطلبُ بتحديد رقم غرفة لشخص يحجز عن بعد؟
ولا مرية في أن مثل هذه الأسئلة لا تخفى أجهزة التحقيق في شرطة دبي، ولكننا لم نسمع أو نقرأ شيئا عنها حتى الآن على كثرة المؤتمرات الصحفية حول الحدث.
مضى أكثر من عشرة أيام على اعتقال المشتبهين اللذين أشار إليهما الفريق ضاحي، وهما أحمد أبو حسنين وأنور شحبير، ولم يعلن عن اعترافاتهما شيء، فعندهما معلومات هامة، مهما كانت قليلة، ومهما كانت علاقاتهما الاجتماعية والسياسية، استدعت ( كما ذكرت جريدة العرب القطرية في 20/2/2010م) " أن ينقل تفاصيلها عن دورهما الشيخُ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن القومي بدولة الإمارات إلى الرئيس المصري حسني مبارك، وأن يطلب منه نقل لوم بلاده الشديد إلى السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس...". ولعل ذلك لما له من دالة على رئيس السلطة.
وسيبقى الناس منتظرين إلى أن تُعلـَن الحقيقة كاملة بعد اكتمال التحقيقات، وإلى ذلك الحين يُتوقع من كل من يصرح بشيء حول الموضوع أن يبقي نفسه متحليا بالموضوعية والإنصاف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق