السبت، 24 ديسمبر 2011

نساء تحدث عنهن القرآن 2

نساء تحدث عنهن القرآن (2)
صدقي البيك



تاريخ الإضافة: 19/12/2011 ميلادي - 23/1/1433 هجري




نساء تحدث عنهن القرآن (2)
من حواء إلى امرأة العزيز!

تعرضتُ في عددٍ سابق إلى النساء الطالحات اللاتي تحدث عنهنَّ القرآنُ الكريم؛ لنأخذ من مآلهنَّ في الدنيا والآخرة العظةَ والعِبْرة، وإذا كان عددهنَّ قليلاً فإنَّ عدد النساء الصالحات اللاتي تحدث عنهنَّ القرآنُ الكريم كبير، وهن جميعًا جديرات بأن تتخذهنَّ المسلمات قدوةً لهن في أعمالهن الصالحة ومواقفهن العظيمة.

1- وأول من تحدَّثَ عنها القرآنُ الكريم منهنَّ أمنا حواء:
التي لم يذكرها القرآنُ الكريم بالاسم، إنما ذكرها على أنها زوجُ أبينا آدم - عليه السلام.
وقد كانت سكنًا لزوجها، وجد عندها الاستقرارَ النفسي والمودة في الجنة، وكان لها دورٌ إلى جانب دور آدم في الخروج من الجنة والهبوط منها للعيش في الأرض، مع تحملِ العناء والشقاء في سبيل الحصول على حاجاتهما الضرورية، بعد أن كان ذلك موفرًا لهما في الجنة من غيرِ شقاء.
وإذا كانت كتبُ غيرِ المسلمين تحمل حواء وحدها المسؤولية في هذا الخروج، فتدَّعي أنَّها هي التي أكلت، وهي التي أغرتْ وأغوت آدمَ على مخالفة الأمر الإلهي، فإنَّ القرآنَ الكريم يجعلهما شريكين في المسؤوليةِ عن هذه المخالفة ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾ [البقرة : 36]، ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف : 20]، وأحيانًا يفردُ آدم بالمسؤولية، فيقول: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه : 120]، واشتركا في مسؤولية الأكل فأكلا منها، ولما ذاقا الشجرةَ بدت لهما سوءاتُهما، واستحقَّا بهذه المخالفةِ الإخراج من الجنَّةِ والشقاء في الأرض.
ولذلك فإنَّ النظرةَ الإسلامية إلى المرأةِ ومسؤوليتها الإنسانية ليست بحدةِ نظرة اليهود والنصارى، ويكنُّ الإسلامُ والمسلمون للمرأة كلَّ احترام وتقدير، ولا يحمل الذكورُ الإناثَ المسؤوليةَ الكبرى في شقاء البشرية في الحياة الدنيا، ولعلَّ شقاء الإنسان وتعبه في الأرض هو الذي طوَّرَ الوسائلَ، ودفع إلى الابتكار وإنتاج الحضارة المادية، والله خلق الخلقَ ليستعمرَهم في الأرض، وقد عمرها بعضُهم أكثر من بعض، فلا ينبغي أن يحسبَ الخروج من الجنَّةِ جريمة بحقِّ البشرية التي لم يكن لها أن توجدَ لو بقي آدم وزوجه في الجنة، وإن كان هذا الإخراجُ عقوبةً على ظلمٍ وقع فيه الزوجان ومخالفة لأمر الله استحقَّا عليها هذه العقوبة.
2- سارة وهاجر:
ومن النساءِ اللواتي أثنى عليهنَّ القرآنُ الكريم سارة، زوج إبراهيم الخليل - عليه السلام - وهاجر أم إسماعيل.
أمَّا سارة فهي من قريباتِ إبراهيم - عليه السلام - وقد آمنتْ وهاجرت معه إلى فلسطين، وقد قدَّمَ لها ملك مصر امرأةً لتخدمَها وتكون جارية لها؛ هي هاجر (أم إسماعيل)، وعندما أحستْ بتقدمِ سنِّها وبلوغها سن اليأس (عجوز عقيم) - ولحبِّها لزوجِها - زوَّجته من جاريتها لعلَّ الله يرزقه منها غلامًا، وقد كان ذلك، فقد حملت هاجر وولدت لإبراهيم إسماعيل - عليهما السلام - وأوحى الله إلى إبراهيم ما أوحى، فأخذ هاجرَ وابنَها إسماعيل من فلسطين إلى الحجازِ إلى الوادي غير ذي الزرع، إلى حيث مكة الآن، كما أمره الله - تعالى، وليس كما تقولُ التوراة متجنِّية على سارة؛ بأنَّها غارتْ منها، فطلبتْ من إبراهيم أن يطردَها ويرميها في برية بئرِ السَّبع، فهم يقولون في التوراة: "ورأت سارةُ ابنَ هاجر المصرية يمزح، فقالتْ لإبراهيم: اطرد هذه الجاريةَ وابنَها، فقبح الكلام جدًّا في عيني إبراهيم بسبب ابنه، فقال الله لإبراهيم: لا يقبح في عينيك من أجلِ الغلام ومن أجل جاريتك"!
كما أنهم يسيئون لهاجر، فيزعمون أنها "لما رأت أنها حبلت صغرت مولاتها في عينيها، فأذلتها ساراي، فهربت من وجهها"، عجبًا كيف يسيئون لامرأتين صالحتين، فهاجر زوجة إبراهيم وهي امرأةٌ مؤمنة بالله وثقتُها به عظيمة، فهي عندما تركها إبراهيمُ مع رضيعِها في وادٍ غير ذي زرع (مكة) قالت له: آلله أمرَكَ بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيعُنا، وسارة امرأةٌ مؤمنة، وزوجةُ أبي الأنبياء أجلُّ وأسمى من أن تتصرَّفَ هذا التصرف، وتطلب من زوجِها أن يلقيَ في المهالك ولدَه وحيده يومئذ، وأمَّه! ولكن الذين يحرِّفون الكتابَ أو يكتبونه بأيديهم، يجعلون (أمَّهم) سارة بهذا الخلق السيئ، وهذا ديدنهم.
فسارةُ مؤمنة، يقول لها إبراهيم وهما في مصر: "والله ما على الأرضِ مؤمن غيري وغيرك"، وتظهرُ لها الملائكة - ضيف إبراهيم - بصورةِ الضيوف، ويبشرونها بإسحاق، ومن وراءِ إسحاق يعقوب، ولدًا لها تقرُّ به عينُها، وتسعد بحفيدِها منه، ويمجدها القرآنُ الكريم بمخاطبةِ الملائكة لها؛ ﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود : 73]، هذه المرأة الكريمة المباركة تحملُ أحقادَ النِّساء العاديات على ضرائرهن؟! وأغرب من ذلك أنَّ الله تعالى - في ادعائهم - يستجيبُ لأهواءِ سارة، ويرفض عدالة إبراهيم ورحمته بابنه، فإذا قبح طلبها في عيني إبراهيم فالله يقولُ له: لا يقبح (ذلك) في عينيك من أجلِ الغلام ومن أجل جاريتك!
وكاتبو التوراة يرون في أخذِ إبراهيم لهاجر وابنها إسماعيل إلى فاران (مكة) طردًا استجابةً لغيرة سارة، وأمَّا المسلمون فيرون كما قال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه أخذها إلى هناك استجابةً لأمرِ الله الذي طلبَ منه أن يسكنَها عند بيتِه المحرم ليقيموا الصلاة، فما أكبر الفرق بين نظرةِ المسلمين إلى هاجر وسارة وتقديرهم لهما، وبين النَّظرةِ الدنيَّة لكتبةِ التوراة إليهما.

3- امرأة العزيز:
وهذه امرأةٌ شغل الحديث عنها آيات كثيرة من سورة يوسف، إنها امرأة كانت ترفلُ في ثيابِ الترف والنعيم، وتتسلح بقوةِ السلطان، وتنهل من متعِ الحياة؛ حلالها وحرامها، فلا يمنعها مانعٌ أخلاقي من مراودةِ فتاها يوسف في صباه وجماله، ويحطم كبرياءها بعفتِه وورعه، فتتهمه بما ترتكبُه من إثم، وتزداد إصرارًا على إغوائه عندما يشيعُ خبرُها بين نساءِ المدينة، فتحيك له المؤامرةَ معهنَّ حتى يدخلنه السِّجن، لامتناعه عن مطاوعتهنَّ على الرذيلة، ولكنَّها وبعد بضعِ سنين تقف موقفًا فيه جرأة وصراحة، وفيه ندم واعتراف بالذَّنب (وتوبة)، وتبرئة لساحةِ يوسف - عليه السلام.
﴿ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [يوسف : 51]، إنه اعترافٌ بالذنب وتبرئة لمن اتهمته وأدخلته السجن بريئًا، وزادت على ذلك أنْ علَّلتْ موقفَها هذا وعودتها إلى الحقِّ والصواب، فهي تكنُّ له كلَّ احترامٍ وتقدير، فتقول: ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [يوسف : 52]، وتعليل آخر تورده: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾، فهي تتراجعُ عن كيدِها ومؤامرتها عليه، وتعلن أنَّ الله هو الذي أحبطَ كيدَها، وهذا دليلٌ على أنها مؤمنةٌ بالله، وأنَّ الله غفورٌ رحيم وهو ربها؛ ﴿ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف : 53]، ولا تنسى أن تتواضعَ وتنفي عن نفسِها البراءة؛ لأنَّ النفسَ أمارة بالسوء: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾.
وبعضُ التفاسير تشيرُ إلى أنَّها في النهايةِ تزوجها يوسف - عليه السلام - ففي حياةِ هذه المرأة عبرةٌ ودرس لمن يغويهنَّ الشيطان، فيبدأن حياةَ مجون ورذيلة وكيد وقذف واتهام، فمهما أسرفنَ على أنفسهنَّ، فالطريق إلى الله وإلى الصَّلاحِ واسع مفتوح، ورحمة الله واسعة لا يقنتُ منها العاقلات، وباب التوبة مفتوح تلجه كلُّ ذاتِ لبٍّ بعد أن تقرَّ بالخطأ وتتراجع عنه وتصدق نيتَها، وتبدأ حياة جديدة كلها إيمان وصلاح وتقوى وورع.
________________________________________


ترتيب التعليقات
1- نحو قراءة تاريخية مُنصفة
عائشة الحكمي 19/12/2011 10:22 PM
جُزي الأخ الكاتب/صدقي البيك خير الجزاء على هذا المقال المحرِّض للتلاقح التاريخي، وعليه فليسمح لي الأستاذ المبارك مشكورًا بإبداء بعض الملاحظات والإضافات لإتمام الفائدة:

أولاً: أمنا حواء عليها السلام
ورد في سفر التَّكوين – الإصحاح الثالث: (وكَانَتِ الْحَيَّةُ أحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإلَهُ فَقَالَتْ لِلْمَرْأةِ: «أحَقّا قَالَ اللهُ لا تَأكُلا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟»* فَقَالَتِ الْمَرْأةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأكُلُ»* وَأمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لا تَأكُلا مِنْهُ وَلا تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا».*فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأةِ: «لَنْ تَمُوتَا!»* بَلِ اللهُ عَالِمٌ أنَّهُ يَوْمَ تَأكُلانِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ»* فَرَأتِ الْمَرْأةُ أنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأكْلِ وَأنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ وَأنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأكَلَتْ وَأعْطَتْ رَجُلَهَا أيْضا مَعَهَا فَاكَلَ*فَانْفَتَحَتْ أعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأنْفُسِهِمَا مَآزِرَ) - (1-7)

وعليه فإن الفوارق بين القصتين القرآنية والتوراتية تتمثل في النقاط التالية:
1.الشيطان هو الذي أغوى آدم وحواء (القرآن)، والحية هي التي أغوت حواء (العهد القديم)
2.أطاع آدم وحواء الشيطان (القرآن)، وأطاعت حواء الحية (العهد القديم)
3.أكل آدم وحواء من الشجرة (القرآن)، أكلت حواء من الشجرة وأطعمت آدم فأكل معها (العهد القديم).

ثانيًا: سارة وهاجر عليهما السلام:
قصة غيرة سارة من هاجر لم ترد في كتب القوم وحسب بل وردت في أصح كتب المسلمين، فقد أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال ابن عباس: (أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، قال ابن حجر في "فتح الباري" : (وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل فلما ولدته غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقًا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة، ويقال: إن إبراهيم شفع فيها وقال لسارة: حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها، وكانت أول من فعل ذلك، ووقع في رواية بن علية عند الإسماعيلي أول ما أحدث العرب جر الذيول عن أم إسماعيل وذكر الحديث ويقال: إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الرد على المنطقيين" : (وإسحاق بُشِّرت به سارة أيضًا لمَّا غارت من هاجر) وقال أيضًا في " منهاج السُّنَّة النبوية - الجزء الخامس": (والبشارة بإسحاق وقعت لسارة وكانت قد غارت من هاجر لمَّا ولدت إسماعيل وأمر الله إبراهيم أن يذهب بإسماعيل وأمه إلى مكة).

وذكر ابن القيِّم في "روضة المُحبين" هذا الخبر المروي عن (الواقدي عن محمد بن صالح عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه قال: كانت سارة عند إبراهيم فمكثت معه دهرًا لا ترزق منه ولدًا، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمتها فولدت لإبراهيم فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها وعتبت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أعضاء فقال لها إبراهيم: هل لك أن تبر يمينك؟ قالت: كيف أصنع؟ قال: اثقبي أذنيها واخفضيها، والخفض هو الختان ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسنًا فقالت سارة: إنما زدتها جمالاً فلم تقاره على كونها معه ووجد بها إبراهيم وجدًا شديدًا فنقلها إلى مكة فكان يزورها كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها).

وقال في "زاد المعاد- الجزء الأول": (فإن سارة امرأة الخليل - عليه السلام - غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة، فإنها كانت جارية، فلما ولدت إسماعيل وأَحبَّه أبوه، اشتدت غيرة "سارة"، فأمر اللّه – سبحانه - أن يُبعد عنها "هاجر" وابنها، ويسكنها في أرض مكّة لتبرد عن "سارة" حرارةُ الغيرة، وهذا من رحمته تعالى ورأفته).

فمسألة الغيرة ليست قدحًا ولا عيبًا في حق سارة - عليها السلام - لأن الغيرة من طبيعة المرأة ومن كمال حبها لزوجها فليس فيها نقصًا لإيمانها أو كمالها، ولعل من دوافع هذه الغيرة ما ذكره ابن القيِّم في "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" حين قال: (قالوا: وقد كان عند إبراهيم خليل الرحمن أجمل النساء سارة ثم تسرى بهاجر وكانت المحبة لها، قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: كان إبراهيم الخليل يحب سريته هاجر محبة شديدة وكان يزورها في كل يوم على البراق من الشام من شغفه بها)، وقد غارت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - والأحاديث في ذلك مستفيضة.

وعن خُلق سارة – عليها السلام - ذكر السيوطي عند ترجمته لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في كتابه "تاريخ الخلفاء": (عن جابر بن عبد الله أنه جاء إلى عمر يشكو إليه ما يلقى من النساء، فقال عمر: إنا لنجد ذلك، حتى إني لأريد الحاجة فتقول لي: ما تذهب إلا إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن، فقال له عبد الله بن مسعود: أما بلغك أن إبراهيم - عليه السلام - شكا إلى الله خلق سارة، فقيل له: إنها خلقت من ضلع، فألبسها على ما كان فيها ما لم تر عليه خربة في دينها؟)

ثالثًا: امرأة العزيز:
ما ذكره بعض المفسرين من زواج يوسف – عليه السلام - بامرأة العزيز ليس عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنَّة، ولذلك قال ابن كثير في "تفسيره": (وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم فعامتها أحاديث بني إسرائيل, فما وافق منها الحق, مما بأيدينا عن المعصوم, قبلناه لموافقته الصحيح, وما خالف شيئًا من ذلك رددناه, وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه بل نجعله وقفًا, وما كان من هذا الضرب منها فقد رخص كثير من السلف في روايته, وكثير من ذلك مما لا فائدة فيه ولا حاصل له مما لا ينتفع به في الدين, ولو كانت فائدته تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة, والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية لما فيها من تضييع الزمان, ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم, فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها, كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة)، ومن ثمَّ كان من الأولى أيُّها الأستاذ الكريم أن تعرض عن ذكر هذه الإشارة لفسادها عقلاً ونقلاً.
والله من وراء القصد.1

ليست هناك تعليقات: