السبت، 27 نوفمبر 2010

وسطية الأمة المسلمة

وسطية الأمة المسلمة صدقي البيك نشر في موقع الألوكةتاريخ الإضافة20/11/2010 ميلادي - 13/12/1431 جاء الرسول محمد - عليه السلام - ليكون خاتَمَ الأنبياء، وليكون كتابه خاتَمَ الكتب التي أَوْحَاها الله ومهيمِنًا عليها، ولتكون أمَّته شاهِدَةً على الأُمَم، وقد وصَفَها الله - تعالى - بالوسطيَّة والخيريَّة؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، و﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، وقد ذكر معظم المفسِّرين أن هذه الوسطيَّة تعني العدل، فهي الأمَّة العادلة، ومع ذلك فقد ذكر لها بعض المفسِّرين معنى التوسُّط بين شيئين، فعبارة القرطبي: هذه الأمَّة لم تغلُ غلوَّ النصارى في أنبيائهم، ولا قصَّروا تقصير اليهود في أنبيائهم وعبارة أبي حيَّان: وقيل: متوسِّطين في الدِّين بين المفرِط والمقصِّر، لم يتَّخِذوا واحدًا من الأنبياء إلَهًا كما فعلت النصارى، ولا قتلوا نبيًّا أو حاوَلُوا قتله كما فعلت اليهود ولا يبعد هذا عن تفسير سائر العُلَماء لكلمة وسطًا بمعنى فالاعتدال بين الأشياء مشتقٌّ من العدلوقد وردَتْ كلمة وسط بمشتقَّاتها في القرآن الكريم خمس مرَّات يحتمل معظمها بشكلٍ واضح معنى التوسُّط بين شيئين ماديين أو معنويين، وكذلك تحتمل كلمة أمَّة وسطًا الاعتدال والبعد عن الإفراط وعن التفريطوالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُرِيد من أمَّته أن تتوسَّط بين الانقطاع للعبادات الإفراط بين تركها التفريط فهو في ردِّه على مَن رغِبُوا في المغالاة وتجاوَز الحدَّ في عباداتهم ((... أمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنَّني أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النساء...))، وعَدَّ الرغبة عن هذه السنَّة (في الاعتدال) إلى ذات اليمين تشدُّدًا أو ذات الشمال إهمالاً، أو إلى الأعلى أو إلى الأسفل، عدَّها خروجًا عنه وعن دينه وسنَّته؛ ((فمَن رغِب عن سنَّتي فليس مِنِّيوالذي يراه المسلم في الإسلام حقيقة هو التوسُّط بين المادية التي يَتكالَب عليها الملحِدون واليهود، وبين الروحانية والرهبانية التي غَرِقَتْ فيها النصرانية والبوذيةوالإسلام في أوامره ونواهيه كلها يتميَّز بهذا التوسُّط والاعتدال، ويقترب منه ما يقوله بعض المفكِّرين من أن الفضيلة هي توسُّطٌ بين رذيلتين، فالكرم وسَطٌ بين البُخْلِ والإسراف، والشجاعة وسَطٌ بين الجبن والتهوُّر... والله - تعالى - يقولوَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ [الإسراء: 29]، وهو يقول: وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا"البقرة: 195]، ويقول:إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ﴾ [الأنفال: 45 والرسول - عليه السلام - يقول: ((لا تتمنَّوا لقاء العدوِّ، وسَلُوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا))، ولم يقبل - عليه السلام - من أصحابه أن يُبالِغوا في مدحه والثناء عليه إلى درجة الإطراء التي أطرى بها النصارى عيسى ابن مريم - عليه السلاموقد شمل الاعتدال والتوسُّط كلَّ جوانب الحياة في الإسلام، ففي شؤون العمل يقول الله - تعالى وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، فلا يشغل المسلم اهتمامه بالآخرة عن أمور دنياه وحاجاتها، ولا ينسيه إقدامُه على متاع الدنيا وعمرانها بناءَ آخرته، ويصبُّ في هذا المجرى القولُ المأثورُاعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا وفي الحديث عن ابن عمر - رضِي الله عنهما -: ((احرُث لدنياك كأنَّك تعيش أبدًا، واعمَل لآخرتك كأنك تموت غدًا))؛ القرطبي;ويشمل كذلك العلاقات الاجتماعية في نِطاق الأسرة، فالزوج مُطالَب بالعدل في طاقاته البشريَّة، وبعدَم الإهمال لطرَف وإيثار آخَر من الأولاد والزوجات؛ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: 129]، ((أَكُلَّ ولدِك نحلتَ مثله؟ وقد تجاوَز طلبُ الاعتدال كلَّ الجوانب المادية ووصَل إلى الجوانب العاطفية، على رغم صعوبة العدل فيها، فإن لم يكن فيها عدل فليكن فيها اعتدال ومُقارَبة، فالحبُّ بمقدار والبغض بمقدار، فلا إفراط ولا تفريط، ولا تطرُّف في أيٍّ منهما، فقد ورد أن رسول الله - عليه السلام - قال: ((أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بَغِيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بَغِيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا مافماذا بقي ممَّا لا تشمله المطالبة بالاعتدال والتوسُّط فيه؟

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الروح الإسلامية عند الشعراء السعوديين

الروح الإسلامية عند الشعراء السعوديين

 نشر في موقع الألوكة

صدقي البيك

 

تاريخ الإضافة: 16/10/2010 ميلادي - 8/11/1431 هجري   زيارة: 280     

 

شهد الأدب العربي في مطلع هذا القرن توجُّهًا نحو مفهوم العروبة وتمجيدها، والدعوة إلى القومية العربية والتغنِّي بها، وكان هذا الاتِّجاه في بلاد الشام مصحوبًا بمُناصَبة الإسلام العداء، أو على الأقلِّ بوضعه جانبًا أو إبعاده عن ساحة الأدب؛ وقد يكون السبب وراء هذا أن أكثر الشعراء كانوا من غير المسلِمين، أو كانوا يحملون أفكارًا يَسارِيَّة إلحاديَّة تدعو إلى فصْل الدين عن الدولة، وقد سارَتْ على هذا النهج جِهاتٌ لها صِلَة بالتربية والتدريس ووضع المناهج والكتب الدراسية، التي لم تجد غضاضة في أن تحذف من نصٍّ أدبي نثري جملةً مُعترِضة للكاتب إبراهيم عبدالقادر المازني في حديثه عن الحضارة، فهو يقول: "الحضارة العربية - وسمِّها الإسلامية إذا شئت - حضارة تقوم..."، فلكي يطمس هؤلاء كلَّ شيء يمتُّ إلى الإسلام حذفوا من النص "وسمِّها الإسلامية إذا شئت"؛ ليظهر المازني أمام الطلاَّب الدارِسين أحد دُعاة العروبة، مع أن المازني ومُعظَم الأدباء والشعراء المصريين كانوا لا يُفَرِّقون بين العُرُوبة والإسلام، فإن لم يكونا مترادفَين فهما غير متعارضَين، فهذا الشاعر محمد محمود غنيم يقول:

هِيَ الْعُرُوبَةُ لَفْظٌ إِنْ نَطَقْتُ بِهِ

فَالشَّرْقُ وَالضَّادُ وَالإِسْلاَمُ مَعْنَاهُ

 

وإذا كان الأمر هنالك كذلك، فهل اختَلَف الموقف عند الشعراء في المملكة العربية السعودية؟ إن هذه الدولة قامَتْ جذورها على دعوة محمد بن عبدالوهَّاب، وكانت منذ قيامها في أوائل هذا القرن مبنيَّة أيضًا على الإسلام عقيدة وشريعة، وكانت الثقافة العامَّة السائدة فيها - ولا زالت - ثقافة إسلامية صحيحة وصريحة وصارمة، والتدريس فيها يقوم على موادَّ دراسيةٍ إسلامية عديدة أساسية في النجاح وفي الاحتساب، (في مقابل إهمال مادَّة واحدة للتربية الإسلامية وجعْلها ثانوية ولا تُحتَسب للطالب عند دخوله في الجامعات في بلاد عربية أخرى!).

 

وهذه البلاد حفِظَها الله من شَرِّ المستعمِرين؛ فلم تطأها أقدامهم بالأسلحة والجيوش، ولا بالأفكار والعادات، ولم تنتشر فيها المدارس التبشيرية، بل لم تظهر فيها أصلاً واحدةٌ منها، كما لم يدخلها مستشرقون ولا أساتذة مستغرِبون ينشُرون أفكارَهم بكلِّ جرأة وصراحة، وإذا دخَلَها أحدهم لسببٍ أو لآخَر فلم يكن يجرؤ على نشر أفكاره.

 

لهذا كانت الظُّرُوف المُحِيطة بالشعراء السعوديين لا تُبعِدهم عن الاتِّجاه الإسلامي، بل تجعلهم من مثقَّفيه وحمَلَة أفكاره والدُّعاة إليه، ويظهر ذلك واضحًا لدى هؤلاء الشعراء.

 

وقد تناوَل هذا الموضوعَ كثيرٌ من النقَّاد ودارِسِي الأدب العربي المعاصِر، وأبرزهم الدكتور حسن فهد الهُوَيمل، الذي أصدر كتابًا ضخمًا من 600 صفحة تحت عنوان "النزعة الإسلامية في الشعر السعودي المعاصِر".

 

ولم يقتصر الأمر عند هؤلاء الشعراء على تناوُل القضايا والأفكار الإسلامية في أبيات أو في قصيدة أو في قصائد، بل تجاوَزوا ذلك إلى إصدار دواوين حول المفاهيم الإسلامية وقضايا المسلمين، فأحمد محمد جمال له ديوان "طلائع" الذي يُمَثِّل مُيوله الإسلامية في معالَجة الظواهر الاجتماعية معالَجة إسلامية.

 

وللشاعر أحمد قنديل ديوانان يُفِيضان بالمشاعر الإسلامية هما "شاعر ومشاعر" و"مكَّتي قبلتي"، وللشاعر طاهر الزمخشري ديوان "لبَّيك"، وللشاعر محمد بن سعد الدبل ديوان "إسلاميات" و"أناشيد إسلامية" و"ملحمة نور الإسلام"، وللدكتور عدنان النحوي "ملحمة القسطنطينية" و"موكب النور"، وللشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي ديوان "يا أمَّة الإسلام" و"إلى أمَّتي"، وللشاعر محمد هاشم رشيد ديوان "في ظلال السماء"، وهذا غَيْض من فَيْض.

 

والذين لم يَخُصُّوا المفاهيم الإسلامية بديوان أكثر من ذلك بكثيرٍ، تناثرت قصائدهم الإسلامية في ثَنايا دواوينهم من أمثال حسن الصيرفي، وعبدالسلام حافظ، ومحمد بن عبدالله بليهد، وزاهر بن عوَّاض الألمعي، وأحمد فرح عقيلان، وأحمد إبراهيم الغزاوي... وهم يستعصون على الحصر.

 

وقد تناوَل هؤلاء الشعراء الأفكار الإسلامية من تمجيد القرآن الكريم، والدعوة إلى عقيدة التوحيد والإيمان بالغيب، وتسبيح الله، والدِّفاع عن العقيدة، والجهاد في سبيل الله، والعبادات وآثارها على الأفراد والمجتمع، ومدح الرسول - عليه السلام - وإبراز معجزاته، وأهميَّة الهجرة في إنشاء الدولة الإسلامية، وذكريات الأحداث الإسلامية من هجرة وغزوات وفتوحات.

 

كما أنهم عالَجُوا قضايا المسلِمين المعاصِرة، وشارَكُوهم في الضرَّاء والسرَّاء، وواكَبُوا ثوراتهم التحرُّرية، وكانوا دائمًا يُبرِزون الرُّوح الإسلامية المتأجِّجة في هذه الثَّوْرَات في فلسطين والجزائر وأفغانستان، ومصر ولبنان وباكستان وكشمير، والدعوة إلى الوَحْدَة الإسلامية والتضامُن الإسلامي، ومواساة المسلمين في الكوارث الطبيعية التي أصابَتْهم، كما كانت مواقفهم في القضايا الاجتماعية تنطلق من رأي الإسلام وموقفه منها، كقضايا المرأة والتَّرَف والأخلاق والزهد والعمل والمُسْكِرات والتمييز العنصري.

 

ولا بُدَّ من ذكْر بعض الأمثلة على تناوُل الشعراء السعوديين لهذه المفاهيم والقضايا الإسلامية؛ فالشاعر عبدالله بن خميس يعتزُّ بالإسلام، ويُعلِن رفضه لتلقِّي أيَّة أفكار أجنبية فيقول:

شَرَفِي - مَا عِشْتُ - أَنِّي مُسْلِمٌ

نَسَبِي هَذَا وَهَذَا مَذْهَبِي

لَسْتُ مِنْ (بِكِّينَ) أَسْتَوْحِي الهُدَى

إِنَّمَا أَبْغِي الهُدَى مِنْ (يَثْرِبِ)

 

والشاعر محمد صبحي يقول في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية:

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ قَدْ وَضَحَ الأَمْ

رُ فَخَلُّوا الجَفَا وَخَلُّوا الخِصَامَا

وَتَعَالَوْا لِلاتِّحَادِ وَلَبُّوا

دَاعِيَ الحَقِّ وَالزَمُوا الإِسْلاَمَا

وَاسْتَفِيقُوا فَقَدْ دَهَتْنَا اللَّيَالِي

إِنَّ فِيهَا مِنَ الأُمُورِ عِظَامَا

 

وحسين النجمي الذي ساءَه أن يتمكَّن الصهاينة من احتلال كلِّ أرض فلسطين، وأن يطؤوا بأقدامهم المسجد الأقصى، تَثُور نفسه ويُعلِن رفضه لما آلَتْ إليه حال المسلمين:

أَفَنَرْضَى بِأَنْ تَدُوسَ يَهُودٌ

بِمَكَانٍ لِسَيِّدِ الخَلْقِ مَسْرَى

يَا حُمَاةَ الإِسْلاَمِ هَذَا زَمَانٌ

قَابِضُ الدِّينِ فِيهِ يَقْبِضُ جَمْرَا

 

وها هو الشاعر محمد علي السنوسي يُثِير الهِمَم ويُلهِب الحماسة في صدور أبناء أمَّته يدعوهم إلى الجهاد بالدم فيقول:

يَا أَخِي يَا أَخَا العُرُوبَةِ وَالإِسْ

لاَمِ قُمْ نَنْفُضُ الأَسَى وَالحِدَادَا

قُمْ بِنَا نَكْتُبُ البُطُولَةَ بِالدَّمْ

مِ زَكِيًّا فَقَدْ سَئِمْنَا المِدَادَا

أَنْتَ مِنْ أُمَّةٍ يَلَذُّ لَهَا المَوْ

تُ كِفَاحًا عَنِ الحِمَى وَذِيادَا

لَيْسَ إِلاَّ الجِهَادُ طَبْعًا لِصِهْيَوْ

نٍ فَطُغْيَانُهَا تَمَادَى وَزَادَا

 

والشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي يُخاطِب أمَّته الإسلامية:

يَا أُمَّةَ الإِسْلاَمِ فَجْرُكِ نَوَّرَا

وَالرَّوْضُ فِي سَاحَاتِ مَجْدِكِ أَزْهَرَا

يَا قُدْسَنَا المَحْبُوبَ عُذْرًا إِنَّنَا

تُهْنَا عَلَى دَرْبِ الخِلاَفِ كَمَا تَرَى

سَنَجِيءُ فِي ظِلِّ العَقِيدَةِ أُمَّةً

مَرْفُوعَةَ الأَعْلاَمِ مُحْكَمَةَ العُرَى

أَوَلَمْ يُبَشِّرْهَا الرَّسُولُ بِأَنَّهَا

سَتَظَلُّ أَقْوَى فِي الوُجُودِ وَأَقْدَرَا

 

فشاعرنا مُتفائِل بالنصر الذي بشَّر به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((لا تزال طائفةٌ من أمَّتي قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذلهم، أو خالَفَهم حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون على الناس)).

 

وهذا شاعرنا عدنان النحوي يجد أن اليقين والإحساس بالأمن لا يصمدان أمام كلِّ خَوْفٍ وفي وجه كلِّ ظلام إلا للمؤمن، فيقول:

عَجَبًا أَنْ تَرَى مَعَ الخَوْفِ أَمْنًا

وَمَعَ اللَّيْلِ شُعْلَةً مِنْ يَقِينِ

وَعَلَى الشَّوْكِ نَفْحَةً مِنْ نَدَى الصُّبْ

حِ وَمِنْ رِقَّةٍ عَلَيْهِ وَلِينِ

ذَاكَ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي صَحَّ مِنْهُ

قَلْبُهُ أَوْ مَضَى بِعَزْمٍ أَمِينِ

 

ويتعالَى تعالِي المؤمن عن كلِّ طأطأةِ رأسٍ لغير الله فيقول:

دَرْبِيَ الحَقُّ حَيْثُمَا سِرْتُ أَلْقَى

قَبَسًا شَعَّ أَوْ هُدًى بِيَمِينِي

مَا حَنَيْتُ الجَبِينَ إِلاَّ رُكُوعًا

وَسُجُودًا للهِ فَهْوَ يَقِينِي

 

ولن أزيد على ما سبق، فهذه أمثلة ونماذج لمئات أو آلاف الشواهد التي تؤكِّد ما ذهبتُ إليه من وضوح التوجُّه الإسلامي لدى الشُّعَراء السعوديين المعاصِرين، وليس إشارات عابِرَة في أشعارهم تحتاج إلى بَذْلِ جهد للعثور عليها.


 

 

·         قول: شوفتك ترد الروح(محاضرة - مكتبة الألوكة)

·         من أسرار الروح(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)

·         يسألونك عن الروح(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة) انتشال الروح(مقالة - حضارة الكلمة)

·         صلاة الروح والبدن(مقالة - آفاق الشريعة)

·         التسامح وإذكاء الروح الإيجابية(مقالة - مجتمع وإصلاح)

·         أفراح الروح في رمضان بالبلقان(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 

 

1- الشعراء لم يحظوا بما يستحقون
د/بشير أبو لبن - السعودية 26/10/2010 09:12 PM

الاخ الأستاذ الكريم صدقي البيك
مقالة جيدة ومفيدة ولكنها اختصرت اختصارا مخلا ولم يحظ أي من الشعراء بما يستحقه وبالأخص الشاعر الدكتور عدنان النحوي الذي لم يذكر له سوى ملحمة واحدة وديوان واحد علما بأنه قد أبدع حوالي ثلاث عشرة ملحمة شعرية حسب المفهوم الإيماني لمصطلح الملحمة وكذلك حوالي سبعة دواوين شعرية هذا عدا القصائد الكثيرة التي لم يحويها ديوان ولا ملحمة حتى الان وسوى الكتب والدراسات الكثيرة في الادب الاسلامي ومؤلفاته الغزيرة في الدعوة الاسلامية والمنافحة عن قضايا الإسلام والمسلمين على كل أرض اسلامية.

 

الأربعاء، 11 أغسطس 2010

رد على تعليق غير معروف

وعليك السلام يا غير معروف
>شكرا لك على اهتمامك بالموضوع، والله تعالى يورث الأرض لعباده المؤمنين الصالحين على صلاحهم;واستمرارهم على ذلك فحين جاء جيل مؤمن صالح من بني إسرائيل أدخلهم الله الأرض التي وعدهم بدخولها مكافأة لهم على الإيمان والصلاح، وليس التوريث أبديا، كما دلت عليه الأحداث التي تلت، فلما فسدوا كتب الله عليهم النفي منها مرة ثم كتب عليهم الطرد والتدمير للهيكل في عهد الرومان على مدى 18 قرنا. وأما عودتهم إليها حديثا فليس لإيمان وصلاح فيهم بل عقوبة للمسلمين

الذين فسدوا كما فسد بنو إسرائيل سابقا، وليتم ما كتبه الله عليهم في آخر الزمان من إساءة وجوههم والقضاء عليهم كما في حديث الرسول الذي ينص على (فتقتلوهم) حتى لا يحميهم حجر ولا شجر.
أما الآية التي ذكرتها في الأعراف/137 فهي مكافأة للذين صبروا من بني إسرائيل، كما ستكون ميراثا لكل عبد لله مؤمن به وبأنبيائه وكتبه ويعمل صالحا. ولن يكون اليهود الصهاينة من هؤلاء لانتفاء هذه الشروط فيهم، وإن كنت ممن يقيم في الأرض المحتلة فأنت تعلم كفر العلمانيين منهم بالدين وكفر المتدينين منهم بعيسى ومحمد وبالإنجيل والقرآن، وتعلم الفساد الديني والأخلاقي والقانوني فيهم، وما محاكمات كبار الكهنة منهم عنك بمجهولة.
إن موعدهم قريب فقد جاء الله بهم لفيفا ليهزمهم عباد الله وليكون شعار انتصارهؤلاء العبادعليهم دخولهم المسجد حديثا كما دخلوه أول مرة على يد عمر بن الخطاب أمير المؤمنين.
وإنا لمنتظرون.
فإن كنت من المسلمين فأرجو أن يكتب لك الله امتداد العمر لتعيش تلك الأيام، وإن كنت من غير المسلمين فعسى أن تكون من الذين يحميهم الغرقد فتعيش في كنف المسلمين غير مظلوم كما عاش بنو إسرائيل في دولة الإسلام 13 قرنا.
وأخيرا إن صاحب الرأي لايخفي نفسه فيترك رسالته غير مذيلة باسمه

الخميس، 6 مايو 2010

وعد الله بوراثة الأرض المقدسة

بقلم: صدقي البيك
"هذا الموضوع قدم في برنامج "يا أمة القرآن" في تلفزيون الراية الخميس15/5/1431هـ الموافق لـ29/4/2010م"
يقول الله تعالى في كتابه العزيز، على لسان موسى عليه السلام: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين. المائدة /21
ويرى بعض المتسرعين الذين يقفون عند ألفاظ آية ما، من غير ربط الآية بما يتلوها ويتعلق بها، يرون أن هذه الآية تؤكد ادعاء اليهود أن أرض فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد بها إبراهيم عليه السلام.
وعد الله للمسلمين
وقبل تفصيل القول في هذه الآية، لابد من الاطلاع على ما ورد في القرآن الكريم من وعد الله تعالى للمسلمين بالاستخلاف في الأرض وتمكين الدين لهم
فقد ورد في كتاب الله تعالى وعود كثيرة ، تحتاج منا إلى وقفات متأنية لفهم النص بتمامه وبما يتعلق به من شروط.
فقد قال الله تعالى في سورة النور: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا. ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون." الآية55.
وقال في سورة الأعراف/128: "قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين." وبعدها بآيات يقول: "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا..." الآية 137.
وقال أيضا في سورة الأنبياء: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون." الآية 105.
هذه الآيات تشهد على أن الله تعالى أورث الأرض عباده الصالحين، وهذا الصلاح صلاح ديني يتمثل بالعمل الصالح المصحوب بالإيمان بالله تعالى، فالآية الأولى تلزمهم بعبادة الله وعدم إشراك أي شيء به، وآيات الأعراف تجعل الإيراث جزاء على صبرهم واستعانتهم بالله.
ويقول سيد قطب رحمه الله " في ظلال القرآن" في تفسيره للآية الثالثة: "ويعود السياق لبيان سنة الله في وراثة الأرض وصيرورتها للصالحين من عباده في الحياة الدنيا." ويقول: "لقد وضع الله للبشر منهجا كاملا متكاملا للعمل على وفقه في هه الأرض، منهجا يقوم على الإيمان والعمل الصالح، وفي الرسالة الأخيرة للبشر فصل المنهج وشرع له القوانين التي تقيمه وتحرسه ، وتكفل التناسق والتوازن بين خطواته". ثم " وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أمة فهي الوارثة للأرض لإي أية فترة من فترات التاريخ. ولكن حين يفترق هذان العنصران فالميزان يتأرجح، وقد تقع الغلبة للآخذين بالوسائل المادية حين يهمل الأخذ بها من يتظاهرون بالإيمان . وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح وإلى عمارة الأرض والقيام بتكاليف الخلافة التي وكلها الله إلى هذا الإنسان. وما على أصحاب الإيمان إلا أن يحققوا مدلول إيمانهم، وهو العمل الصالح والنهوض بتبعات الخلافة ليتحقق وعد الله وتجري سنته. فالمؤمنون العاملوت هم العباد الصالحون." (مع العلم أن هناك من يرى أن وراثة الأرض هذه هي وراثة الجنة).
وشدني ذكر الآية أن هذا الوعد بالإيراث مكتوب في الزبور، فبحثت في الزبور( مزامير داود في العهد القديم) فوجدت فيه 150 مزمورا (إصحاحا) ليس فيها كلمة (يرث) إلا المزمور37، وفيه تتكرر كلمة (يرث الأرض) خمس مرات، هي:
9- والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض.
11- أما الوُدَعاء فيرثون الأرض.
22- لأن المباركين منه يرثون الأرض.
29- الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد.
34- انتظر ِ الربَّ واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض.
وكذلك ورد في سفر اللاويين ( وهو من أسفار موسى): 20: 22 فتحفظون جميع فرائضي وجميع أحكامي وتعملونها لكي لا تقذفكم الأرض التي أنا آت بكم إليها لتسكنوا فيها 23 – ولا تسلكون في رسوم الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامكم لأنهم قد فعلوا كل هذه فكرهتهم 24- وقلت لكم ترثون أنتم أرضهم وأنا أعطيكم إياها لترثوها أرضا تفيض لبنا وعسلا.
فمن أين لمحمد عليه السلام، وهو الأمي الذي لا يقرأ العربية، ومن باب أولى أنه لايقرأ ولا يعرف العبرية لغة التوراة، من أين له أن يعرف انحصار ذكر كلمة (يرثها عبادي الصالحون) في أحد إصحاحات الزبور (مزامير داود)؟! وهذا دليل واضح على أن القرآن الكريم هو من عند الله العليم الخبير.
وعد الله لموسى وقومه في القرآن الكريم
ورد هذا الوعد في الآية الكريمة21 من سورة المائدة في خطاب موسى عليه السلام لقومه: " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين."
نقف عند كلمة (كتب) ، فهذه الكلمة لها في القرآن الكريم عدة دلالات:
1- خط الكلمات في صفحات الكتابة ، كما في قوله تعالى: ورسلنا لديهم يكتبون.
2- بمعنى قضى وحتم (حكما كونيا)، كما في قوله تعالى: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، وقوله: كتب ربكم على نفسه الرحمة...
3- بمعنى فرض وأوجب (حكما شرعيا)، يكافأ من يعمل به ويعاقب من يخالفه، كما في قوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس... وكقوله: كُتب عليكم الصيام...أو أن يكون المكتوب جزاء على عمل، مثل: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة
ولعل كلمة (كتب) في الآية بهذا المعنى، أي كتب لكم أن تدخلوها ( كما ورد في تفسير مقاتل " التي أمركم أن تدخلوها ، وفي تفسير السمرقندي، والتفسير الميسر، وتفسير ابن أبي زمنين، ومفردات ألفاظ القرآن، وفي تفسير السيد طنطاوي الذي يقول: فرض عليكم دخولها وأمركم به، ومفعول كتب محذوف، أي: كتب لكم أن تدخلوها ).
ولعل تعدية الفعل هنا باللام جاءت للدلالة على أن الله تعالى كتب لهم هذا الوعد بالدخول جزاء لهم على اتباعهم موسى وإيمانهم بالله وخروجهم من مصرطاعة لأمر الله واستعانتهم بالله وصبرهم، حسب ما ورد في سورة الأنعام "...وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا... " ومثلها في قوله تعالى: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك.
ثم إن هذه الكتابة مهما كانت دلالتها فهي مرتبطة بالتزام المكتوب لهم أحكامَ الله وإطاعة أوامره والانتهاء عما نهاهم عنه. فبقية الآيات تنص على أن الله تعالى عاقبهم، على عصيانهم أوامر الله التي جاءت على لسان موسى عليه السلام، بتحريمها عليهم أربعين سنة والتيه في الأرض. والآيات هي: " قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون...". ثم ردواعلى موسى وهارون فـ" قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون". فأي عصيان وفسق هذا؟! ولذلك عاقبهم الله بتحريم دخولها عليهم وبالتيه في الصحراء: "قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين." حتى يموت كل من كان جاوز العشرين من العمر (كما في نص التوراة).
;وهناك نص في التوراة في سفر العدد 14: 11، يقارب هذه الآيات من سورة المائدة ويدل على ربط تحقيق الوعد بالإيمان والطاعة.
فبعد الحديث في هذا الإصحاح عن عودة الذين تجسسوا أرض كنعان، وتذمُّر جميع بني إسرائيل وتمنيهم لو ماتوا في مصر بدلا من أي يسقطوا بالسيف في هذه الأرض... يذكر النص: " 11- وقال الرب لموسى حتى متى يهينني هذا الشعب ...22- إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي... ولم يسمعوا لقولي لن يروا الأرض التي حلفت لآبائهم. وجميع الذين أهانوني لا يرونها... 29- ..من ابن عشرين فصاعدا الذين تذمروا عليَّ 30- لن تدخلوا الأرض التي دفعت يدي لأسكنكم فيها...30- وبنوكم يكونون رعاة في القفر أربعين سنة"
فهذا النص يحرمهم من دخولها وسكناها لفسادهم وإهانتهم لله، وهذا يعني أنه كان وعدا شرعيا متوقفا على طاعتهم لله، وليس عطاء أبديا ولا حقا أزلياً.
أما وقد فسدوا وأفسدوا بعد عهد سليمان وحرفوا وبدلوا في كتابهم ولم يؤمنوا بزكريا ويحيى وعيسى، وقتلوا بعض أنبيائهم وسعوا في قتل عيسى، ولم يؤمنوا بمحمد عليهم السلام جميعا، وكفروا... فلم يبق لهم عمل صالح يكافئهم الله تعالى عليه.
وأما تسلطهم على العرب والمسلمين حديثا ودخولهم إلى أرض فلسطين فهو قد حصل لأن العرب والمسلمين خرجوا عن طاعة الله وعلى شريعته فحق عليهم قول الله تعالى في الحديث القدسي: إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني، (حلية الأولياء 1/91)، وليس مكافأة لهم ولا تحقيقا لوعد يزعمونه، ولأمر آ خر هو أن يأتي الله بهم لفيفا إذا جاء وعد الآخرة ليسوء المؤمنون وجوههم وليدخلوا المسجد الأقصى منتصرين محققين إرادة الله في القضاء على اليهود الصهاينة.
والحقيقة أن الله تعالى لا يؤْثر قوما بشيء من أمور الدنيا أو الآخرة بسبب عرقهم أو لغتهم أو لونهم، فهو يخاطب الناس جميعا في سورة الحجرات/13 : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير." فالناس في حكم الله سواء : من كفر فعليه كفره ، ومن آمن وعمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها. والله تعالى لا يحابي أتباع أي نبي إذا ارتكبوا الآثام، ولا يتغاضى عنهم بحجة أنهم مسلمون مؤمنون به، فيقول: " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجزَ به ولا يجدْ له من دون الله وليا ولا نصيرا." النساء/123.
" وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم، بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء... " المائدة/18
الوعود في التوراة
ولكن اليهود لا يؤمنون بالقرآن وبما فيه، ويؤمنون بتوراتهم فقط، ويقولون إن فيها وعودا إلهية بتمليكهم هذه الأرض، ومع ذلك ، ومع أننا نؤمن بأنهم حرفوا في التوراة وزادوا ونقصوا، نسير معهم ونناقش هذه الوعود، ونبين ما فيها وما لهم وما عليهم منها.
فعلاً ورد في التوراة ، وفي الإنجيل أيضا، ثلاثة وعود بشأن الأرض للأنبياء الثلاثة: إبراهيم وإسحق ويعقوب، عليهم السلام، وتكرر ذكرها أكثر من خمس عشرة مرة.
وكل هذه الوعود تنص على إعطاء الأرض للنبي ونسله من بعده، ولكن هذه الوعود تحمل عددا من التناقضات في:
1- من حيث تحديد النسل، 2- ومن حيث تحديد الأرض، 3- ومن حيث التأبيد.
وبعضها يربط بين الوعد بإعطائها وبين وجوب الالتزام بحفظ الوصايا وفرائض الله وشريعته.
أولاً- فمن حيث تحديد النسل فيها، يقول أول وعد منها في سفر التكوين 14:13 بعد اعتزال لوط عن إبرام : "قال الرب لإبرام انظر من الموضع الذي أنت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا 15- لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد."
وهذا الكلام قيل قبل أن يكون له أي نسل!! ثم ولد له إسماعيل وبعد أربع عشرة سنة ولد له إسحق، وبعد موت سارة أم إسحق تزوج امرأة اسمها قطورة رزق منها بستة أبناء ذكور، فنسله من الذكور من زوجاته الثلاث ثمانية رجال، إلى جانب أبناء آخرين من سراريه، وكل هؤلاء يدخلون في نسله وتكون الأرض التي رآها وهو في منطقة بيت إيل على مد بصره الطبيعي نحو الجهات الأربع (وكم ستكون مساحتها؟!)عطاء لهم جميعا!!
في حين أن الوعد الثاني لإسحق ورد في السفر نفسه وفي الإصحاح 26 :3 وذلك بعد أن تجاوز الستين وولدت له زوجه ولديه التوأمين عيسو ويعقوب. يخاطبه الرب: "لأني لك ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد ... من أجل أن إبراهيم سمع لقولي وحفظ ما يحفظ لي أوامري وفرائضي وشرائعي" . يحصر( هذا الوعد) في إسحق ونسله متجاوزا إخوة إسحق السبعة الآخرين ونسلهم!! مع أنه مربوط بإبراهيم ومعلل بتطبيق إبراهيم لفرائض الله وشريعته.
ولا يمكن الادعاء أن إسحق وحده هو نسل إبراهيم لأن التوراة تقول في الإصحاح 21 :12 " لأنه بإسحق يدعى لك نسل 13- وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك، كما أن قطورة كانت زوجة لإبراهيم، وكذلك كانت هاجر زوجة له وجارية لسارة.
والوعد الثالث يرد في الإصحاح 28 :13 يخاطب الله يعقوب: " أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك."
فكيف يسقط حق عيسو ونسله (له خمسة أبناء)الذي ذكر في الوعد الثاني؟!
أيعِدُ الله ثمانية على الأقل من أولاد إبراهيم ثم يصدق وعده مع واحد ويخلف وعده مع سبعة؟! أيصدق وعده مع يعقوب ويُخلفه مع عيسو؟! مع أن يعقوب أخذ حق البكورية والبركة من عيسو بالخديعة والمكر والغش لأبيه إسحق، كما تذكر التوراة.
أليست هذه تناقضات تدعو إلى الشك ببعضها وطرحها جميعا جانبا؟
ثانياً- وأما التناقض في تحديد الأرض فقد حصر الوعد الأول هذه الأرض بما تستطيع عينا إبراهيم أن تقع عليه بالنظر إلى الجهات الأربع وهو قرب بيت إيل، في حين أن الوعد الثالث حددها بـ (الأرض التي تضطجع عليها)، وإذا كان هذا اللفظ مجازيا ويقصد به السيطرة عليها فهي أرض من الصغر بحيث يمكن لقافلة الإسماعيليين أن يشتروا يوسف من التجار المديانيين عبدا، ثم يغادرها الموعود بها (يعقوب) ونسله إلى مصر!!
وهناك نص لوعد إبراهيم في الإصحاح15 :18 " في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا. لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات."
وهذه الأرض تضم أكثر من عشر أمم منهم الحثيون والفرزيون والأموريون والكنعانيون والجرجاشيون واليبوسيون إلى جانب الفراعنةعلى نهر مصر!
وفي نص آخر في 17 :8 " أعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا وأكون إلههم." فكيف انكمشت مساحة الأرض بعد إصحاحين من منطقة تضم بلاد الشام والعراق ( ولعلها تشمل تركيا!) ومصر إلى منطقة تضم أمة واحدة هي الكنعانيون؟!
ثالثاً- ورد التأبيد ثلاث مرات: آ- في 17 :8 من سفر التكوين (ملكاً أبدياً)
ب- وفي أول وعد عرضتـُه 13 :14 ذكر (إلى الأبد).
جـ - وفي سفر الخروج 32 :13 يقول موسى مخاطبا الله تعالى: "اذكر إبراهيم وإسحق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم أُكثـِّر نسلكم كنجوم السماء وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمتُ عنها فيملكونها إلى الأبد". ولم يذكر التأبيد في بقية مرات الوعود.
فإذا كان التأبيد لكل نسل هؤلاء الأنبياء الكرام فقد بقي دائما منهم من يقيم في هذه البلاد القليلة المساحة أو المترامية الأطراف، وأما إذا كان العطاء والامتلاك حكرا على نسل واحد من الأنبياء الثلاثة دون حق سبعة من أبناء إبراهيم ( أحدهم إسماعيل الذي رزق باثني عشر من البنين) ودون حق عيسو (الذي رزق بخمسة من البنين) أي أن يستأثر به بنو إسرائيل، فإن الواقع أثبت أنهم لم يقيموا فيها أكثر من بضعة عقود مع أبيهم، ثم غادروها متخلين عما وعدهم به الله، ليغيبوا عنها مئات السنين(430 سنة كما زعموا) ثم يحرّم عليهم دخولها أربعين سنة، ثم يُسْبون منها نحو خمسين سنةعاشوها عبيدا في العراق عند البابليين، ثم طردوا منها وأسكنوا في أرجاء الأرض نحو ألفي سنة، ثم سيبادون، بإذن الله، فكيف يكون العطاء والملك والسكن أبديا وبوعد من الله تعالى؟؟!!
ارتباط هذه الوعود بالتزام الإيمان والعمل بشريعة الله.
ويلاحظ بوضوح أن وعود الله للمؤمنين في القرآن، ولأهل الكتاب في كتبهم، وقد ذكرت كثيرا منه سابقا، تربط تحقيق هذه الوعود بالإيمان الخالص بالله والعمل بشريعته. وإن صلة نوح بولده وإبراهيم بأبيه لم تشفع لهذين اللذين لم يؤمنا بالله ولم تُنجِّ الأول من عقوبة الدنيا والآخرة ولا الثاني من عذاب الآخرة.
الوعود في العهد الجديد
وأما الوعود الواردة في العهد الجديد الذي يضم الإنجيل وأعمال الرسل ورسائل بولس وغيره ورؤيا يوحنا، فهي تكرار لوعد إبراهيم ثلاث مرات، في رسالتين لبولس وفي أعمال الرسل.
ويبدو أن هذا الوعد ذكر هذه المرات لمقارعة اليهود الذين كانوا كافرين بالمسيح، فيقول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية 3 :16 " أما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول : وفي الأنسال كأنه عن كثيرين ، بل كأنه عن واحد ، وفي نسلك الذي هو المسيح."
وكذلك يذكر في رسالته إلى أهل رومية 4 :13 " ليس بالناموس كان الوعد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثا للعالم، بل ببر الإيمان. لأنه إن كان الذين من الناموس هم ورثة فقد تعطل الإيمان وبطل الوعد ...."
فكيف يقف النصارى، الذين يجدون هذا الكلام في كتبهم، مع اليهود في زعمهم أن فلسطين هي الأرض التي وعدوا بها؟
وهكذا نجد أن آيات سورة المائدة لاتبيت للصهاينة حقا في الأرض المقدسة أرض فلسطين، كما أن الوعود التي تكررت في الكتاب المقدس عند النصارى (العهد القديم والعهد الجديد) لا تثبت أمام التحقيق، لما فيها من تناقضات في تحديد النسل وفي تحديد الأرض وفي التأبيد، إلى جانب اقتناع المسلمين بأن التوراة والإنجيل لحقهما تحريف، أقر به علماء الين عند اليهود النصارى، فلايبقى لهم أي مستند ديني لادعاءاتهم الكاذبة.
وأما تيسير مجيئهم إلى فلسطين بالهجرة وبسط سلطهم على فلسطين فلعل ذلك حاصل ليمكن إهلاكهم في وعد الآخرة من مرتي إفسادهم كما وردتا في سورة الإسراء.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.