السبت، 16 أغسطس 2014

أهي حرب في جزر الواق واق؟

نشر د. نادر بكار نائب رئيس حزب النور أو مساعده أو المتحدث الرسمي باسمه، في جريدة الشروق مقالاً بعنوان (قبل التهدئة المنتظرة) في ثلاثة أعداد من جريدة الشروق أولها بتاريخ الثلاثاء 5 أغسطس 2014 ، وقد وجدت أن من يقرأ هذا التحليل السياسي بحلقاته الثلاث، لا يجد فيه حساً إسلامياً، كأن السياسة عنده ليست من الإسلام، أو كأن الحزب وهو لا يعتدّان بها، فكل كاتب في السياسة ينطلق دائماً من خلفية له أو من مبدأ ما. وهذا الحس أو الروح الإسلامية يدركها القارئ حين يقرأ أي مقال سياسي لكاتب إسلامي بارز. فهل وجدت أيها القارئ أية إشارة تشعرك بأن بتعاطف الكاتب مع حماس (حركة المقاومة الإسلامية)؟ أنا أحسست أن المقال تحليل سياسي لصحفي يتحدث عن حرب جرت بين طرفين: قوي وضعيف!! ولعله ينحاز إلى أحدهما!!
فانظر إلى الأرقام التي أوردها في تحليله، فهي كلها أرقام تبنتها إسرائيل (عدد القتلى الصهاينة 70، ونسبة تصدي القبة الحديدية لصواريخ "حماس" 30%) مع أن بعض الإسرائيليين ذكر أنها لا تتعدى صاروخاً من كل ستة صواريخ!!
وهو لم يشر ولو مرة واحدة إلى أن حماس هي "حركة المقاومة الإسلامية"، ليلمّح إلى أن بينها وبين حزبه رابطة الانتساب إلى الإسلام، أو للموضوعية التي جعلته يسمي الحزب الشيعي اللبناني الذي يحارب أهلنا أهل السنة في سورية بـ"حزب الله"!!
ومع ذلك أفلا يستحق هؤلاء الضعفاء (الروم!) من أهل فلسطين في غزة أن يتعاطف معهم هذا الكاتب المسلم السلفي (السياسي حديثاً)؟! وكأنه لم يقرأ "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله..." بعد حزنهم على هزيمتهم على أيدي الفرس؟
حتى حين يذكر صواريخ حماس يذكرها في مجال " تصدي القبة الحديدية لصواريخ حماس"، ويكثر من الحط من شأن هذه الصواريخ "غزارة نيران حماس حتى ولو لم تكن مؤثرة"، و"أصبح باستطاعتها(حماس)، ولو نظرياً، أن تطال صواريخها كل الداخل الإسرائيلي"، و"لكن المثير (لمن؟) أن حماس استطاعت..."، و "رغم ضآلة ما حققته (حماس) على الأرض". وأغرب من ذلك أنه يهوّن من شأن "ما حققته صواريخها من تدمير في الداخل الإسرائيلي" فيجعله دون ما حققته صواريخ حزب الله (لاحظوا حزب الله !!) في العام 2006". هنيئاً لك بهذا الحزب فهو جدير بثنائك عليه في هذه الأيام! وأنت لمدحه أهل! أربأ بمن يدّعي السلفية الإسلامية (السياسية حديثاً) أن يبخل على حماس بصفة ( المقاومة الإسلامية)، وأن تدفعه موضوعيته وتجرُّدُه إلى وصف الحزب الطائفي الشيعي الذي يذبح أهل السنة في سورية، بأنه "حزب الله"، فلمَ لمْ تدفعه موضوعيته إلى وصف حماس باسمها الرسمي الكامل (حركة المقاومة الإسلامية ) ولو مرة واحدة؟
وإذا أراد أن يتحدث عن جوانب إيجابية وجيدة يأبى قلمه أن يسندها إلى حماس التي يبرزها في الجوانب السلبية، فيقول: " عمليات المقاومة تميزت بالتنوع والابتكار بشكل مثير ومنها عمليات الإنزال بنجاح كبير". أوَليست حماس الحركة الإسلامية وحدها هي التي تميزت بهذه المميزات؟ في حين أن الصواريخ لم تنفرد بها حماس، بل شاركها في إطلاقها سرايا القدس وكتائب الأقصى وكتائب صلاح الدين حتى كتائب أبو علي مصطفى.
وفي خضم التعاطف الشعبي العالمي مع القضية الفلسطينية، تحدث الدكتور عن "التظاهرات التي اجتاحت عدداً من عواصم العالم الغربي". وهذا يعني أنه معجب أو مسرور بهذه التظاهرات البعيدة التي تعبر عن تعاطف هؤلاء المتظاهرين مع أهل فلسطين وتألمهم لما أصابهم وغضبهم لغضبهم، ولكنني أسأل القيادي في حزب كان له ربع أعضاء البرلمان في عهد رئيس مصر الشرعي الدكتور محمد مرسي، الذي شارك هذا الحزب بالتآمر عليه والخروج المسلح (بمفهومه الإسلامي)عليه... أسأله: أما كان يليق بهذا الحزب، عالمياً أو إنسانياً (لا جواراً ولا عروبة ولا إسلامياً) أن يتظاهر، معبراً عما يعبّر عنه الأوروبيون، وهو في بلد يجيز التظاهر ولا يعدّه حراماً شرعاً؟ أم أنه مرتبط في هذا الموقف عقدياً بفتاوى من يجعل التظاهر تأييداً لغزة غوغائية وتخريباً لا تليق بالمسلمين الرزينين العقلاء الذين يفهمون الإسلام الفهم الصحيح؟؟!!
ويظهر أخيراً موقف الدكتور نادر وانحيازه إلى ولي أمر المسلمين!!! الحاكم بأمره في مصر المستحق للطاعة ولاعتباره حاكماً مسلماً، كما يرى بعض متحدثي الحزب في التلفزيونات،... فيجعل حماس "ترفع مطالبها... وتحاول فرض لاعبين جديدين على القضية، قطر وتركيا، وتبذل وسعها لتحييد الوسيط المصري". ألم تعرف يا أيها الكاتب إلى أي مدى وصل كيد السيسي وزمرته لحماس ولأهل غزة من حصار قبل الحرب وفي أثنائها هو أسوأ وأقسى من حصار إسرائيل، وإلى حدّ أن يوصل رجل مخابراته بشخصه التهديد الإسرائيلي إلى حماس، وأن يمنع الأطباء الفلسطينيين وغيرهم من اجتياز معبر رفح لمعالجة الجرحى ويسمح للوفد الطبي (الأمني) الإماراتي بالدخول؟... فكيف تبقى ثقة حماس وأهل غزة بهؤلاء قائمة.
فيا أيها المحلل السياسي ، أأنت تحلل أحداثاً جرت بين جزر الفوكلاند وجزر كناري مثلاً، أم أنت تتحدث عن حرب بين العدو الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين المباركة وبين أهلها المسلمين المرابطين فيها إلى يوم الدين؟؟!

الجمعة، 8 أغسطس 2014

أوقد وضعت السلاح؟


انفجر آخر صاروخ أطلقته كتائب القسام قبيل الثامنة من صباح الثلاثاء 5/8/2014م، وبدأت آليات الجيش الصهيوني بالانسحاب، مع بداية الهدوء الذي خيم على قطاع غزة، وبالانكفاء إلى ما وراء حدود القطاع، من آخر جيبين له في شمال القطاع وجنوبه. ويبدأ الجنود الصهاينة بتقيّؤ الرعب الذي عشّش في قلوبهم طيلة الأيام التي كانت فيها عيونهم وآذانهم تترصّد ما أمامهم وما وراءهم عاجزين عن رصد ما تحت الأرض التي تزلزلهم.
ويبدأ القادة الإسرائيليون السياسيون والعسكريون تراشق الاتهامات بالتقصير وبتحميل المسؤولية عن هذا العجز الذي أقعد الجيش الصهيوني عن تحقيق أي فوز مما كان يعهده في معاركه مع جيوش العرب حين لم تكن فيها مواجهات بين طرفين بل مطاردات للمتقهقرين وفي أيام معدودات.
ويبدأ نتنياهو بالذب عن نفسه بادعاء أن الجيش بذل أقصى ما يستطيع في هذه الحرب... ولكن لم يكن هناك ضمانة بنسبة 100%للنجاح!!! ويكتفي بادعاء تحقيق هدف تدمير 34 نفقاً، زعماً، هذا الهدف الذي جدّ على ساحة القتال ولم يكن وارداً في خطة المعركة!!
وكذلك بدأت علامات الوجوم واليأس والذهول والغصّ بالريق تظهر على الأصوات والكلمات في بعض التلفزيونات والصحف عربية اللسان عبرية الأماني صهيونية الهوى، والتي بُحّت وهي تمجد وتبارك خطوات وبطولات الصهاينة التي كانوا يتمنون ويتوقعون لها أن تقضي على حماس والمقاومة في غزة وتخلصهم من إرهابها!!
وفي المقابل آن لأبطال المقاومة في غزة من كتائب القسام وسرايا القدس ومن شاركهم هذا الشرف، آن لهم أن يمسحوا العرق والغبار عن جباههم ، وأن يحمدوا الله على إنزاله السكينة على قلوبهم وإمداده لهم بالثبات والإثخان في العدو وقهره.
وآن لأهل القطاع جميعاً أن يمسحوا الدماء عن جراحهم وأن يعبروا عن حزنهم على من فقدوهم وما فقدوه، ممزوجاً بالفرح بهذا النصر الذي دفعوا ثمنه دماءهم وأملاكهم، وقد ربح بيعهم مع الله فأخذوا الأجرين: أجراً في الدنيا يحبونه، وهو هذا النصر والفتح القريب، وأجر الآخرة بإذن الله.
كما آن لجماهير الأمة الإسلامية التي أعربت عن موالاتها لجند الإيمان وانضمامها لفسطاط الإسلام، آن لهذه الجماهير أن تسجد شكراً لله وأن تكبره، وأن تفرح بنصر الله لمن يقاتل في سبيله.
ومع ذلك أقول للمقاومين من أبطال حماس والجهاد والفصائل المشاركة والموالية لأهل الحق، والذين تحملوا الأذى وصبروا: لا تضعوا أسلحتكم، لا تضعوا أسلحتكم فإن وراء عدوكم هذا أعداءً من المنافقين لا تعلمونهم ولكن الله يعلمهم، وهو لهم بالمرصاد، وهم كل من كان موالياً للصهاينة بقلبه وأمانيه، وبلسانه وماله، وما أكثرهم وما أخزاهم!

الثلاثاء، 30 أبريل 2013

الروح الإسلامية عند المتنبي



الروح الإسلامية عند المتنبي

صدقي البيك
 الروح الإسلامية عند المتنبي
ومن لا يعرف المتنبي؟ إنه شاعر عربي ملأ الدنيا وشغل الناس من أواسط القرن الهجري الرابع حتى وقتنا الحاضر. شغل الناس في عصره، وترك في الدنيا دويّاً يصمّ الآذان، وشعره يتردد حتى الوقت الحاضر على كل لسان.
تلقف شعرَه في عصر النهضة العربية الحديثة دعاة القومية العربية وكتابها، فصار عندهم شاعر العروبة وشاعر القومية العربية، وإن اعتدل أحدهم جعله صاحب "نزعة عربية شديدة"، أوقد في نفوس العرب غيرة قومية (أنيس المقدسي في أمراء الشعر العربي في العصر العباسي)؛ ولذا يكثر في شعره الفخر بأصله العربي وذم الأعاجم، كما يقول كاتب آخر (صدقي إسماعيل) في كلمته "تجربة المتنبي" التي صدَّر بها شعر ديوان المتنبي: "وحدة المصير هذه عند المتنبي هي العروبة.. وهو يؤمن بالعروبة على أنها التعبير الصادق الذي به تصبح القيم المثلى بطلاً "!!
كل هذا الضجيج من أقلام دعاة القومية العربية بسبب أبيات ورد فيها ذكر العرب بالفخر والثناء، لا تزيد في عددها على عدد أصابع اليد الواحدة!! قال بعضها في مدحه لأمير عربي هو سيف الدولة الحمداني، كقوله له:
رفعت بك العرب العماد وصيّرت http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قممَ الملوك مواقدَ النيران http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنساب فخرهم إليك، وإنما http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنساب أصلهمُ إلى عدنان http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 فبه رفع العرب عمادهم، وهم ينتسبون بفخرهم إلى الممدوح وكذلك قوله له:
إذا العرب العرباء رازت نفوسها http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فأنت فتاها والمليكُ الحلاحلُ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 وقوله:
تُهاب سيوف الهند وهي حدائد http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكيف إذا كانت نزارية عُرْبا؟ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقال بعضها بعد أن ناصب كافور العداء، فصار عنده عبداً أسود مخصياً، فقال من قصيدة يمدح فيها علي بن إبراهيم التنوخي ويهجو كافور.
وإنما الناس بالملوك وما http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تفلح عربٌ ملوكها عجم http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بكل أرض وطئتها أمم http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تُرعى بعبد كأنها غنم http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يستخشن الخز حين يلبسه http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكان يُبرى بظفره القلم http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 فلو كان كافور أعطاه ولاية العراق لأفلح عرب ملوك عجم!
 وآخر ما دل على روحه العربية عندهم قوله متحسراً عند وصفه لشعب بوان:
ولكن الفتى العربي فيها http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
غريب الوجه واليد واللسان http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 هذه هي معظم الأبيات التي وردت فيها كلمة العرب والعربي في شعر المتنبي، والتي دفعت هؤلاء، إلى جعله شاعر القومية العربية في عقود الهبّة القومية من القرن العشرين! ولم يكن هؤلاء ينتبهون إلى أمرين آخرين:
روح لا قومية:
الأول أنه كان يرد في شعره أحياناً كلام يدل على ضعف الروح العربية عنده، من ذلك قوله عن نفسه مستغرباً أن يملك على الناس من ليس أهلاً للملك.
من لو رآني ماء مات من ظمأ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولو عرضت له في النوم لم ينم http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ميعاد كل رقيق الشفرتين غداً http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن عصى من ملوك العرب والعجم http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالملوك عرباً وعجماً عنده سواء، فهو يتهددهم جميعاً بسيفه وأسوأ من ذلك أنه عندما كان في مصر يمدح كافور، كان يجعله فوق العرب عاربة ومستعربة، فيقول في مدحه:
وأي قبيل يستحقك قدره؟ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
معد بن عدنان فداك ويَعربُ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فهو يفتدي بهذين الجدين من أجداد العرب كافور الإخشيدي العبد الأسود. وكذلك يقول له:
عند الهمام أبي المسك الذي غرقت http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في جوده مضر الحمراء واليمنُ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فجود أبي الجود كافور يغرق العرب بقسميها مضر واليمن!!
 الروح الإسلامية:
والأمر الثاني الذي أهمله دعاة العروبة وكُتّابها، وذلك عن عمد وسبق إصرار، هو الروح الإسلامية في شعر المتنبي.
 إنهم تعمدوا ذلك، فلم يكن أحد منهم يشير إليه، لأن الصراع في العقود الوسطى من هذا القرن كانت بين الدعوة القومية ومفهوم العروبة وبين الدعوة الإسلامية والمفهوم الإسلامي، في البلاد التي اصطنع فيها هؤلاء الكُتاب خصومة وعداء بين المفهومين، بل كانت دعوتهم إلى القومية العربية مؤسسة على محاربة الروح الإسلامية!
 وإذا استعرضنا ديوان المتنبي وقصائده فسنجد له وقفات كثيرة من الإسلام، ومفاهيمه السامية، والألفاظ الدينية، ولعل أبرز وأوضح شاهد على ذلك أنه عندما كان ينظر إلى المعارك الدائرة بين سيف الدولة الحمداني والروم ومن خلفهم، ينظر إليها على أنها حرب بين التوحيد الإسلامي والشرك، إنه يراها معركة دينية، ولا ينظر إليها على أنها معركة قومية بين عرب وروم، بل هي كما يقول في مدحه لسيف الدولة:
ولست مليكاً هازماً لنظيره http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولكنك التوحيدُ للشرك هازمُ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 وقلعة الحدث التي دارت حولها المعركة كانت:
طريدة دهر ساقها فرددتها http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
على الدين بالخطيّ والدهر راغم http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 فقد أعاد هذه القلعة إلى دار الإسلام، وأرجعها إلى الدين.
 ويختم قصيدته هذه بتهنئة الإسلام والمعالي والأمجاد بسلامة سيف الدولة وانتصاره
هنيئا لضرب الهام والمجد والعلى http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وراجيك والإسلام أنك سالم http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولمَ لا يقي الرحمن حدّيك ما وقى http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتفليقه هام العدى بك دائم http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
• • •http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَن لَو رَآنِيَ ماءً ماتَ مِن ظَمَأٍ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَو مَثَلتُ لَهُ في النَومِ لَم يَنَمِ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 فأنت يا سيف الدولة جدير بحماية الله لك، ولماذا لا يصونك الله وأنت السيف الذي يقصم به الله رؤوس الأعداء؟
 هذا كله في قصيدة واحدة!
وفي مدحه لسيف الدولة بقصيدته العينية "غيري بأكثر هذا الناس ينخدع"، يعدد اكتساحه للبلاد كالموت ليس له ري ولا شبع.
حَتّى أَقامَ عَلى أَرباضِ خَرشَنَةٍ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَشقى بِهِ الرومُ وَالصُلبانُ وَالبِيَعُ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فأعداؤه الذين يشقون به هم الروم ومعابدهم وصلبانهم، وهذه إشارات واضحة إلى أن الصراع المحتدم، من وجهة نظر المتنبي هي حرب دينية بين الإسلام والنصرانية.
فلم يكن المتنبي يجد حرجاً في استعمال هذه الألفاظ بحقيقتها وصراحتها، لأنه كان يرى، ومعه الممدوح والمجتمع كله، أن المعركة بين الإيمان والكفر الذي يتجمع في جيشه كل لسان وكل عرق، وتجمعهم نصرانيتهم:
والمعركة بين دين الإسلام وأديان الكفر، وقد أذل الإسلام سائر الأديان كما خضعت كل السيوف لسيف سيف الدولة:
خضعت لمنصلك المناصل عنوة http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأذل دينك سائر الأديان http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والطرق ضيقة المسالك بالقنا http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والكفر مجتمع على الإيمان http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
الإسلام والعروبة صنوان:
ومما ينبغي الإشارة إليه أن المتنبي، وكذلك عصره، لم يكن يجد فرقاً بين الانتماء إلى الإسلام والانتساب إلى العرب، فهما صنوان أو هما مترادفان، بل أحدهما وعاء للآخر، ولذلك تجد المتنبي في هذه القصيدة التي منها البيتان السابقان يقول بعدهما بقليل:
رَفَعَت بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَت http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النيرانِ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وهذا البيت، كما سبق، هو من الأبيات التي يحتج بها على قومية المتنبي ودعوته إلى العروبة. وهو يرى أن سيف الدولة يمثل حزب الله، مقابل حزب الشيطان والكفر، ويشمل ذلك النصارى وما عندهم من مصطلحات ومناصب، كالقرابين والصلبان والبطارقة، فيقول مخاطباً سيف الدولة:
هَنيئاً لِأَهلِ الثَغرِ رَأيُكَ فيهِمِ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَأَنَّكَ حِزبَ اللَهِ صِرتَ لَهُم حِزبا http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وما سيف الدولة إلا سيف بيد الخلافة الإسلامية تضرب به أعداءها، فالأمر ما أعدّته الخلافة للعدى وسمته دون العالمين الصارم العضبا:
فَمَن كانَ يُرضي اللُؤمَ وَالكُفرَ مُلكُهُ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَهَذا الَّذي يُرضي المَكارِمَ وَالرَبّا http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وبهذا البيت ختم المتنبي قصيدته. فإذا كان أعداؤه يعملون ليرضى عنهم الشيطان واللؤم والكفر فإن سيف الدولة يعمل ليرضى الله تعالى عنه وتثني عليه المكارم. وكأنه يتمثل بذلك قول الله تعالى ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه: 84].
ومما يلفت النظر أيضاً أن هذه القصيدة التي تتوهج فيها روح الإيمان والإسلام في عدة أبيات منها، ورد فيها بيت سابق استعمل فيه المتنبي كلمة العرب فقال:
تُهابُ سُيُوفُ الهِنْدِ وَهْيَ حَدائِدٌ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكَيْفَ إذا كانَتْ نِزارِيّةً عُرْبَا http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مفاهيم إسلامية:
وهناك مفاهيم إسلامية كثيرة ترد في شعر المتنبي تدل على إيمانه بها فهو يعرضها في مجال الثناء عليها والثناء بها على من يمدحه، فسيف سيف الدولة يعلق نجاده على عاتق سيف الدولة، ولكن الذي يمسك بقائمه ويضرب به إنما هو جبار السماوات والأرض وقاهر الجبارين.
على عاتق الملك الأغر نجاده http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي يد جبار السموات قائمه http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكأنه يتمثل في بيته هذا قوله الله تعالى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى[الأنفال: 17].
وإذا رأى العدو الكافر المستكبر سيفَ سيفِ الدولة يهوي عليه، يسارع إلى إعلان إسلامه ليضمن لنفسه النجاة من القتل.
وَمُستَكْبِرٍ لم يَعرِفِ الله ساعَةً http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
رَأى سَيْفَهُ في كَفّهِ فتَشَهّدَا http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 وهو، بعزة نفسه وترفّعه عن الناس جميعاً، حين يرى نفسه جديرة بالتعظيم ولا يخضع لأحد، يستثني من ذلك حكم الله، فيقول عن نفسه:
تَغَرَّبَ لا مُستَعظِمًا غَيرَ نَفسِهِ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلا قابِلاً إِلّا لِخالِقِهِ حُكما http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 فهو متمرد على أحكام أهل الأرض، خاضع لأحكام رب السماء الذي خلقه.
 ولا يؤثّر على وصف المتنبي بأنه ذو روح إسلامية في شعره، مخالفاتٌ سلوكية وقع فيها المتنبي أو اتهامه بأنه ادّعى النبوة، فهذا الاتهام الأخير لم يزد عن أنه اتهام، وأما لقبه المتنبي فهو من النَّبْوَة (عدم استواء المكان) وليس من ادعاء النبوة. وأما سلوكه فأعمال الشعراء غير أقوالهم، وأقوالهم غير أفعالهم.
 من معجمه اللغوي:
يضاف إلى كل ما سبق كثرة الألفاظ الدينية، والمصطلحات الإسلامية في شعره، فالمتنبي شاعر ذو ثقافة إسلامية وذو معجم تكثر فيه الألفاظ الدينية الإسلامية، من ذلك ألفاظ المسيح واليهود وصالح وثمود في مجال حديثه عن نفسه، واضطراره إلى أن يعيش في أوساط أناس يخالفونه الرأي أو يناصبونه العداء.
مَا مُقامي بأرْضِ نَخْلَةَ إلاّhttp://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهُودِ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أنَا في أُمّةٍ تَدارَكَهَا اللّهُ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
غَريبٌ كصَالِحٍ في ثَمودِ http://cp.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
 وهذا كله غيض من فيضِ ما يمكن أن يجده الباحث والمنقب في ديوان المتنبي من هذه الألفاظ والمصطلحات والمفاهيم الإسلامية.
 وليس هذا غريباً على شاعر عاش في ظل دولة إسلامية مترامية الأطراف نهل من معين ثقافتها العربية الإسلامية التي تؤمن بمقولة عمر رضي الله عنه نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومن ابتغى العزة في غير ذلك أذله الله.
 فالعروبة وعاء روحه الإسلام، وهما في صف واحد، وبينهما مودة ولقاء لا تنافر وعداء.

المصدر: المستقبل الإسلامي العدد 114 – شوال 1421هـ يناير 2001م