الأحد، 20 فبراير 2011

نساء تحدث عنهن القرآن

نساء تحدث عنهن القرآن

تاريخ الإضافة: 12/2/2011 ميلادي - 8/3/1432 هجري   زيارة: 106     
  
خلق الله - تعالى - آدمَ من طين، ثم جعل نسل البشرية كلها من آدم وحوَّاء (ذكر وأنثى)، فالمرأة عنصر أساس في الوجود البشري، ولها شأن في ذلك أكبر من دور الرجل؛ فهي التي تحمل أفراد البشرية في بطنها، وهي التي تتحمَّل الآلام في هذا الحمل، ومن ثَمَّ عند الوضع، ويستمرُّ دورها الفعَّال والمتميِّز بتقديم الغذاء والرعاية والعناية بالصِّغار؛ حتى تشتدَّ أعوادهم وتَقْوَى سواعدهم ويستغنوا عن الرعاية.
 وقد كان للمرأة في القرآن الكريم دَوْرٌ في توجيه الأحكام إليها وتلقِّيها لهذه الأحكام الإلهيَّة، كما أن لها ذكرًا في كلِّ مجالٍ يذكر فيه العمل والأجر (للرجل والمرأة) فالله - تعالى - يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
 وكذلك يقول: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
 فهنَّ مثْل الرِّجال في الأعمال الصالحة وفي الأُجُور والجزاء في الدنيا والآخِرة، فالنساء شقائق الرجال كما قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل هن مُخاطَبات في كلِّ أمرٍ أو نهي يُوَجَّه إلى الناس أو إلى المسلمين أو المؤمنين أو الذين آمَنوا - من باب تَغلِيب الرجال على النساء في اللغة - وإذا كان لهنَّ هذا الحضور العامُّ في كلِّ خطابٍ للناس فإن لبعضهنَّ حضورًا خاصًّا في بعض آيات القرآن الكريم.
 فقد تحدَّث القرآن الكريم حديثًا خاصًّا عن بعض النساء الصالحات أو غير الصالحات، وخصَّهن بالذِّكر، وقد بلغ عدد النساء اللاتي تحدَّث القرآن الكريم عنهنَّ حديثًا خاصًّا وبذكر الاسم أو الصفة سبع عشرة امرأة، ثلاث منهن كافرات طالِحات، وأربع عشرة منهن مؤمِنات صالحات، أمَّا النساء الكافرات الطالحات فهن:
 1-امرأة نوح:
وردَتْ إشارات غير مباشِرة عنها في قول الله - تعالى -: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [المؤمنون: 27].
ففي قوله - تعالى -: ﴿ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ﴾ [المؤمنون: 27]، إشارة عامَّة إلى الذين لم يؤمنوا بدعوة نوحٍ - عليه السلام - من أهله؛ وهما ابنه وامرأته، كما يُفهَم ذلك من آيات أخرى صرَّحت بذكر امرأة نوح، وذلك في قوله - تعالى -: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم: 10].
 فامرأة نوح مثَلٌ للذين كفروا، وهي على رغم كونها زوجة لَصِيقة بزوجها نوح، لم تفتح قلبها لدعوته، وبقِيَتْ على ضلالات قومها، وتعلُّقها بأصنامهم المتعدِّدة، وكانت بذلك قد خانَتْ زوجها ودعوته، واستحقَّت بذلك عقوبتين:
 الأولى:في الدنيا إذ غرقت مع الغارقين.
 والثانية:في الآخرة؛ فكانت من أهل النار.
 ولنا في هذا الموقف عِظَة وعبرة كبيرة، فإن الصلة الأسرية بالنبي أو بالصالحين من عِبَاد الله لا تُعطِي صاحبها أفضليَّة على الآخَرين ولا درجةً ولا قبولاً في الآخرة؛ ولذلك قال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مُخاطِبًا ذوي قرابته: ((... اعملوا؛ فإني لا أُغنِي عنكم من الله شيئًا)).
 فأقرباء النبي - عليه السلام - وأقرباء الصحابة أو ذوو الشأن والعُلَماء، لا يُغنِي عنهم هؤلاء من الله شيئًا، ما دام نبي الله نوح لم يغنِ عن زوجته شيئًا، ولم يمنع عنها عذاب الله، أمَّا إذا كانت مؤمنة صالحة وهي زوجةٌ لنبيٍّ فسيكون أجرها - بإذن الله - مضاعفًا، وكذلك كلُّ مَن له صلة قرابة بالصالحين لا يستغني بهم عن عمله الصالح أبدًا، وإذا وصل الأمر إلى حدِّ الكفر فلن تكون له شفاعة.
 2-امرأة لوط:
وهي مثَلٌ آخَر للذين كفروا، ولم يغنِ عنها كونها زوجة لنبيٍّ من أنبياء الله ما دامَتْ غير مؤمنة برسالته، وهي في هذه الآية السابقة حكم عليها بالكفر صراحة، وقد ورد ذكرها بصورة واضحة في ثماني آيات أُخرَيَات من سُوَرٍ متعدِّدة، وكلها يحكم عليها فيها بعدم السلامة من عذاب الله في الدنيا، وأنها سيُصِيبها ما يُصِيب قومها من عذاب الله ﴿ ... فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ...﴾ [هود: 81].
 والآيات الباقيات تجعلها مُستَثناةً من النجاة من عذاب الله في الدنيا، فقد تكفَّل الله للوطٍ وأهله بالنجاة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [النمل: 57]، ﴿ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الحجر: 60]، ﴿ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف: 83] [العنكبوت: 22]، ﴿ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: 33]، ﴿ إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ﴾ [الشعراء: 171]، [الصافات: 135].
 3 -امرأة أبي لهب:
وهي زوجة عمِّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - (عبدالعُزَّى) الذي كان يُؤذِي رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتُشارِكه في ذلك زوجته، أذًى ماديًّا بنَثْرِ الشَّوْك في طريق الرسول - عليه السلام - وهو جارٌ لهم، وأذًى معنويًّا عندما عمِلاَ على تطليق ابنتيه اللتَين قد خطبتا لولديهما.
وهذه المرأة هي المعروفة بأمِّ جميل حمَّالة الحطب، كما وصَفَها القرآن الكريم، وقد خصَّها الله - تعالى - مع زوجها بإحدى قِصار السُّوَر وهي سورة المسد: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ [المسد: 1- 5].
 وإذا كانت امرأة نوح - عليه السلام - تُمَثِّل الذين كفروا في أوائل الجنس البشري، فإن امرأة لوطٍ تُمَثِّل هذه الطائفة الكافرة في أواسط الجنس البشري، وتأتي امرأة أبي لهب لتكون هي وزوجها مثلاً لِمَن يكفر بالله وبرسوله ويعمل على أذى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أواخر عمر الجنس البشري ليكون نصيبها في الآخِرة نار جهنم التي سيصليانها، ولن تغني عن أبي لهب قرابته من رسول الله - عليه السلام - وهو عمُّه، ولن تغني عنه أيضًا وعن زوجته بعض الأعمال التي ظاهِرُها في أعين الناس أنها خير؛ كإعتاقه جاريةً له عندما بشَّرَتْه بمولد محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهمُّه أن يحمي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد وفاة عمِّه أبي طالب.
 فهذه أعمالٌ غير صادِرَة عن إيمانٍ بالله؛ فهي إذًا هباء منثور، وهكذا نكون قد استعرضنا هذه النماذج الثلاثة لنساء كافرات خصَّهن الله بالذكر في القرآن الكريم؛ لتكون نهايتهن في الدنيا وعقابهن في الآخِرَة دروسًا وعظات يَعتَبِر بها أولو الأبصار.

( قـد أظـل زمـان نـبـي)

بقلم : صدقي البيك

لقد بشر الأنبياء جميعا بالنبي محمد عليه السلام ، ووردت هذه البشريات في الكتب المنزلة ، وكان أهل هذه الكتب يعرفون هذه البشريات ، وهي متناثرة في كل من التوراة والإنجيل، ولا زالت موجودة فيهما على رغم كل التحريفات التي لحقت بهما .

و قد قام كثير من المؤلفين المسلمين قديما وحديثا باستخراج هذه الآيات الدالة على ذلك من أسفار العهدين القديم والجديد، ولكنهم جميعا لم يتحدثوا ، ولم يستخرجوا ما يدل على معرفة أهل الكتاب بقرب زمان ظهور النبي، بل اقتصر حديثهم على البشارات والدلائل على اسمه وصفاته وصفة مكان بعثته ومكان هجرته.
من هؤلاء العلماء ابن اسحق وابن هشام وابن قيم الجوزية، في كتابه (هداية الحيارى..)، ورحمة الله ابن خليل الرحمن الهندي في كتابه(إظهار الحق)، والعقاد ، سعيد حوى، ومحمد رواس قلعجي (في مقال له نشر في مجلة (حضارة الإسلام) و…
ولم يشر أحد منهم إلى ما يدل على تحديد زمن بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلاالدكتور محمد رواس قلعجي.
فإذا نقبنا في التوراة والإنجيل فهل نجد ما يدل على ذلك؟ وقبل ذلك هل في القرآن والحديث ما يشير إلى أنهم كانوا يعرفون قرب مجيء الرسول (عليه السلام)؟
نعم ، فإذا رجعنا إلى الآية الكريمة89 من سورة البقرة وجدناها تقول(ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، فلعنة الله على الكافرين)(1)فهذه الآية تدل على أن اليهود كانوا يستنصرون بمجيء النبي على المشركين من أهل المدينة. وأكثر وضوحا من ذلك ما يرويه ابن كثير في تفسيره عند تفسيره لهذه الآية ( عن قتادة الأنصاري.. قال : فينا والله وفيهم نزلت هذه الآية، كنا إذا علوناهم يقولون : إن نبيا سيبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم …
وأثر آخر أكثر تحديدا لمعرفتهم زمنه  يرويه ابن هشام في سيرته(2)، عن سلمة بن وقش(وهو من أصحاب بدر) يقول كان لنا جار من يهود في  بني عبد الأشهل  خرج علينا، وحدثنا عن الجنة والنار ، فقالوا وما آية ذلك؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذه البلاد ، وأشار بيده إلى مكة واليمن ، فقالوا ومتى تراه؟ فنظر إلي ، وأنا من أحدثهم سنا ، فقال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه. فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدا رسوله وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا ، فقلنا له : ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال بلى ولكن ليس به.
وكذلك روى ابن هشام عن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال لي :هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد؟ ….فإن رجلا من يهود أهل الشام يقال له ابن الهيبان  قدم علينا قبيل الإسلام بسنين…. ثم حضرته الوفاة فقال : يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس و الجوع ؟ قلنا :إنك أعلم ، قال : فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه ، وهذه البلدة مهاجره ، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه ، وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه.
وأثر ثالث يرويه ابن هشام في الصفحة 200عن سبب إسلام سلمان الفارسي الذي أوصاه قسيس عمورية قائلا: أي بني …قد أظل زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجره إلى  أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات ….
كل هذه الآثار والأدلة الإسلامية تشير بصراحة إلى أن اليهود والقساوسة النصارى من المعاصرين والسابقين لبعثة محمد(عليه السلام) كانوا يعرفون اقتراب الزمان لظهور النبي الجديد  ويعبرون عن ذلك ب(تقارب زمان نبي يبعث الآن ) و (قد أظل زمانه ) و( قد أظل زمان نبي) و( قد أظل زمانه)، ووصل الأمر عند من يروي عنه سلمة (وهو ابن الهيبان) أن بحدد فترة جيل يظهر فيها هذا النبي بقوله )إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه) ، فهل كان هؤلاء يرجمون بالغيب ؟ أم كانوا يعتمدون على  نصوص وآثار دينية واردة في كتبهم؟، وإذا كان الأمر كذلك فأين هي الآيات والدلائل التي تدل على تحديد زمن ظهور النبي؟ وكما وجد الباحثون المسلمون في التوراة والإنجيل بقايا آيات تدل على صفات النبي واسمه و…، على رغم كل التحريفات التي لحقت بالكتابين ، يمكن أن يجد الباحث ما يدل على هذا التحديد الزمني .  
و سنضرب صفحا عن تأويلات اليهود والنصارى لهذه الآيات إذا وجدناها ، لأنهم  سيؤولونها على أحداث وشخصيات أخرى، كدأبهم في كل الآيات التي تشير إلى علامات النبوة في النبي الجديد.
أما نحن فنقول : إن علماء اليهود والنصارى قديما كانوا يجدون آيات في كتبهم يفهمون منها ما يحدد لهم الفترة أو الجيل الذي سيظهر فيه النبي الجديد، وعندما ظهر آمن به بعضهم وكفر المعاندون منهم .
 الآثار عندهم
وجد الدكتور محمد رواس قلعجي  النص التالي في سفر دانيال الإصحاح التاسع بدءا من الآية 23 يخاطب جبرائيل دانيال قائلا:(في ابتداء تضرعاتك خرج الأمر . وأنا جئت لأخبرك، لأنك محبوب، فتأمل الكلام وافهم الرؤيا.سبعون أسبوعا قضيت على شعبك ومدينتك المقدسة ، لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم ، وليؤتى بالبر الأبدي ، ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين . فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع ، واثنان وستون أسبوعا ، يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة . وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وليس له ، وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة . وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها . ويثبت عهدا مع كثيرين في أسبوع واحد، وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى  جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ، ويصب المقضي على المخرب.)
 
إنه نص طويل ، وفيه كلام واضح ومفهوم ، وكلام آخر غامض ومبهم وغير متماسك يعود إلى الترجمة والتحريفات ، ولذلك فلا يمكن إزالة كل لبس في هذا النص ، وإنما نكتفي بالإشارات الواضحة إلى تحديد زمن ظهور النبي.     
 
حددت الآيات مدة (سبعين أسبوعا) قضى بها الله على شعب إسرائيل وعلى المدينة المقدسة (القدس)لتكتمل عقوبة المعصية والخطايا التي ارتكبها بنو إسرائيل ، وليؤتى بالبر الأبدي وتختم النبوة ، وليمسح قدوس القدوسين . ويفهم من هذا أن اكتمال عقوبتهم مرتبط زمنيا بظهور النبي الذي يختم به الأنبياء . ثم تتحدث الآيات عن تفصيل هذه المدة لأنها لن تكون دفعة واحدة.
ولكي تتضح الأمور علينا أن نعلم شيئين : ما هو هذا العدد؟ وما هو المعدود بهذا العدد؟
أولا : سبق هذه الآيات في الإصحاح ذاته من سفر دانيال قول دانيال : (فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى أرميا النبي لكمال سبعين سنة على خراب أورشليم ، فوجهت وجهي إلى السيد … يا سيد اصرف سخطك وغضبك عن مدينتك أورشليم…) فهو إذن يعرف أن المدينة ستبقى خربة خاضعة لسخط الرب سبعين سنة ، وكذلك الهيكل، وقد استكثر هذه المدة ، فطلب من الله أن يرفع السخط والغضب عن المدينة والشعب وأن يقلل المدة ،فجاء الجواب على تضرعاته هذه (…سبعون أسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك …) فهذا يدل على أن المعدود بهذا العدد هو سنوات  وانه سيكون أكثر من المدة التي كان يعرفها دانيال
ثانيا : وأما العدد فقد عبر عنه ب(سبعون أسبوعا ) وليس (سبعون) فقط،والمقصود بكلمة أسبوع هو العدد سبعة وليس محصورا (بسبعة أيام)، فقد ورد في سفر دانيال نفسه في الإصحاح العاشر (كنت نائحا ثلاثة أسابيع أيام حتى تمت ثلاثة أسابيع أيام وفي اليوم الرابع والعشرين ….)فهذا يدل على أن المقصود بالأسبوع سبعة ، ولذلك لزمه أن يميز الأسابيع (بالأيام)، ولو كان الأسبوع لا يدل إلا على سبعة أيام لما لزم ذكر التمييز (أيام)،  وهذا يوصلنا إلى أن العدد (سبعون أسبوعا) هو (سبعون سبعة) أي (70×7) =490 ومعدود هذا العدد هو سنوات ، فتصبح المدة التي قضى بها ا لله على الشعب والمدينة لكفارة الإثم ولختم النبوة و…هي(490) سنة.
فمتى تبدأ هذه المدة ؟ وإلى متى تمتد وتنتهي؟ فإن نهايتها تحدد قرب ظهور النبي الجديد أو ولادته.
إن هذه المدة ليست محسوبة دفعة واحدة(1)لأن الآيات في الإصحاح التاسع قسمتها إلى ثلاثة أقسام :
1 – القسم الأول سبعة أسابيع ، 7× 7 =49 سنة وهي المدة التي تنقضي قبل أن يخرج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها ، وبالفعل فقد هدمت المدينة والهيكل عام 585ق.م، وأعيد بنو إسرائيل إلى المدينة وأذن لهم ببناء الهيكل في السنة الأولى من عهد كورش سنة 536ق.م وذلك بعد49 سنة بالتمام أي 585-536=49.
 
2_ القسم الثاني : اثنان وستون أسبوعا 62× 7= 434 سنة
إن اليهود عادوا في عهد كورش إلى القدس وبنوا الهيكل فتوقف التشريد والخراب والعقوبة إلى ما بعد المسيح (عليه السلام)، ففي أيام المسيح كان الهيكل قائما وبنو إسرائيل غير مشردين (وإن كانت السلطة والحكم في أيدي غيرهم) ثم حدث التخريب للمدينة والتشريد للشعب مرة أخرى سنة 132م بعد ثورة بركوبا على الرومان فجاء هادريان فهدم الهيكل وشرد اليهود(2). فإذا جمعنا 132+434=يكون الناتج 566 من ميلاد المسيح وهذه السنة لا يفصلها عن سنة ولادة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)إلا أربع سنوات وهي أقل من أسبوع سنوات فلم يعتد بها لأن الحساب لم يكن بالسنة الواحدة بل بأسابيع السنوات فلا يعتد بكسر أو أجزاء الأسبوع زيادة أو نقصا. وهكذا تكون سنة 566 من ميلاد المسيح إرهاصا بولادة خاتم النبيين ومسح قدوس القدوسين .
3_القسم الثالث : أسبوع واحد ( ويثبت عهدا مع كثيرين في أسبوع واحد). وهذه إشارة إلى ما يجري بين خاتم النبيين والكثيرين من بني إسرائيل ويستغرق ذلك أسبوعا من السنين ، وبالفعل فقد عقد الرسول في العام الأول من الهجرة معاهدة مع يهود المدينة وإلى عام 7 للهجرة عندما فتح خيبر وصالح أهل فدك ، وبذلك تكون قد اكتملت السبعون أسبوعا من عقوبة بني إسرائيل .
وكان بإمكانهم لو آمنوا بمحمد أن ينعموا بالإيمان والأمن والسعادة تحقيقا لقول الله تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.)(1)كما أن بيت المقدس(المسجد الأقصى) قد رفع عنه الخراب بعودة القداسة إليه إذ أسري بمحمد إليه وإذ توجه المسلمون إليه في صلاتهم وإذ عد من المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال ….
وهكذا نفهم ترقب اليهود والنصارى لمجيء محمد (عليه السلام) وانتظارهم له ، فقد كانوا يعرفون زمن بعثته أو ولادته بسنوات تقريبية في حدود سبع سنوات من غير تحديد للولادة أو للبعثة...      
وهذا كله على رغم كل ما لحق التوراة والإنجيل من تحريف وتبديل بالقصد أو بالترجمة ودخول كلمات وتراكيب غامضة.وجدت في تصحفي لبعض المواقع في الإنترنت أن قساً اسمه منيس عبد النورقد تعرض في كتاب له للرد على من أثار من المسلمين شبهات حول سفر دانيال الذي يضم هذه الجمل عن السبعين أسبوعاً، وحين وصل في رده إلى الحديث عن هذه الأسابيع السبعين ذكر أن العدد المدلول عليه بها هو 70 ×7=490، وأنها سنوات، وجعلها دلالة على مجيء المسيح، مركزاً في كلمات " تكميل المعصية وتتميم الخطايا"، و"لمسح قدوس القديسين" و" يؤتى بالبر الأبدي" بتأويلات مصطنعة، وتخطى عن عمد وقفز عن قصد عن ثلاث كلمات واضحة لا يلزمها تأويل، وهي " ولختم الرؤيا والنبوة"؛ لأنه لا يستطيع أن يقول إن هذين الغرضين يحصلان بمجيء المسيح، فلا يمكن أن يقول: إن الرؤيا (الوحي عن طريق ما يراه النبي في المنام) قد انقطعت؛ لأنه يؤمن بسفر " رؤيا يوحنا"، وكذلك لا يستطيع أن يقول: إن النبوة ختمت بمجيء المسيح؛ لأنه ورد في إنجيل يوحنا 1/19 ( وهذه شهادة يوحنا "النبي يحيى" حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه: من أنت؟ 20 فاعترف ولم ينكر وأقر إني لست أنا المسيح. 21 فسألوه: إذاً ماذا أنت؟ إيليا أنت؟ فقال: لست أنا. النبي أنت؟ فأجاب: لا. فقالوا له: من أنت؟ لنعطى جواباً للذين أرسلونا، ماذا تقول عن نفسك؟ 22 قال: أنا صوت صارخ في البرية ...).
فهذا الكلام يعني أن اليهود، ومثلهم النصارى، كانوا ينتظرون مسيحاً، كفر به اليهود وآمن به النصارى، وينتظرون " النبي" ( الذي ورد ذكره في التوراة ...نبيا من إخوتهم مثل موسى...)، وينتظرون إيليا ( الذي ذكر لهم المسيح في الإنجيل أنه أتى..).
ومن المعلوم أنه لم يذكر أي نبي أنه تختم به النبوة إلا محمداً عليه السلام، وقد كان هذا حقيقة أكدتها القرون الأربعة عشر بعد بعثة محمد عليه السلام، وأما عيسى عليه السلام فإنه بعث قبل محمد، وإن كان سوف يتوفى وفاة الموت قبيل قيام الساعة بعد نزوله وكلامه الناس كهلا.
 ونتيجة لكل هذا فإن السبعين أسبوعاً حددت مجيء محمد الذي تختم به النبوة والوحي للأنبياء وكل الصفات التي ذكرت في جمل دانيال السابقة.           
 


(1)
سورة البقرة الآية 89.
(2)الجزء الأول الصفحة 196.
(1)كما فعل الدكتور محمد رواس قلعجي إذ حسبها دفعة واحدة بعد سنة 132م وهي السنة التي خرب فيها الهيكل وشرد اليهود للمرة الأخيرة (132+490=622)وهذه هي السنة الميلادية التي هاجر فيها النبي (عليه السلام) أو 636 أي بعد 14سنة  لم يحسبها لأن القدس كانت فيها تحت سيطرة الفرس الذين رفعوا فيها الاضطهاد عن اليهود.
(2)لم أبدأ حساب الفترة الثانية من سنة 70 م وهي سنة دخول طيطوس إلى القدس لأنه اكتفى بهدم الهيكل ولم يشرد اليهود ، ونبوءة دانيال تقول (سبعون أسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك)
(1)سورة الأعراف الآية 157

الأربعاء، 5 يناير 2011

تعليق على مقال الدكتورغازي التوبة: هل تتخلى حماس؟...
وأجبتَ بـ (نعم )، ولعلك تدعو إلى ذلك! عجباً يا أبا عماد، أتدعو إلى التخلي عن الغاية للتمسك بالوسيلة؟ المقاومة وسيلة  (وليست غاية) لتحرير الأرض المقدسة وإقامة حكم إسلامي فيها (من وجهة نظر كل الإسلاميين الحركيين وإن لم تكن لبعضها مقاومة مسلحة)، أما العلمانيون  والقوميون والوطنيون فغايتهم تحرير الأرض وإقامة حكم علماني. أفتترك الغاية من أجل الوسيلة؟ أم تستمر الوسيلة إلى أن يكتمل تحقيق الغاية؟ز ومن قال : عن حماس تخلت أو ستتخلى عن المقاومة غير أولئك القابعين في رام الله القاعدين عن القتال والمحاربين للمقاتلين ليوهموا العالم بأن حماس تخلت مثلهم عن المقاومة؟.
إن تحرير فلسطين كلها ليس في طاقة حماس في ظروفها الحالية على المدى المنظور، ولا في طاقة المقاومات الفلسطينية مجتمعة؛ لأن القضاء على القوة الصهيونية المدججة بالسلاح تعجز عنه دول عربية  بقواها البشرية وجيوشها وأسلحتها ما دامت بعيدة عن منهج الله. ولكن الواجب الذي تؤديه حماس ومن يماثلها في هدفها ووسيلتها هو إبقاء الوضع في حالة حرب واستعداد بعيدا عن التسليم الرسمي لسيطرة اليهود على فلسطينواستكانة الناس إلى القعود والبيات الشتوي السياسي والعسكري عدة عقود. فإذا أمكن في هذه المرحلة زحزحة العدو بالقتال عن أجزاء من أرض فلسطين فلمن يترك حكم هذه الأجزاء ( غزة مثلا بعد أن أجبرت  مقاومة حماس الجيش الإسرائيلي على الانسحاب مع المستوطنين منها منغير تفاوض مع السلطة ، " حدث ذلك بعد أن وصلت المقاومة إلى حد الوصول عبر نفق إلى نسف مقر قيادة للجيش الإسرائيلي في داخل أحد معسكراته" )؟ أيترك لسلطة عباس التي شعارها المفاوضات ولا للمقاومة المسلحة؟ استعرض ما لاقته حماس من السلطة منذ دخولها سنة 1994 إلى غزة والضفة، اعتقالات وتعذيب، وقتل للمصلين على أبواب المسجد لأنهم رغبوا بعد صلاة الجمعة من التظاهر استنكارا لاستشهاد أحد المقاومين من الجهاد، وحالة الضفة الآن لا تخفى على أحد لأن السلطة بأجهزتها الأمنية تعمل علنا في التجسس للعدو باسم التنسيق الأمني معه واعتقال وتعذيب وقتل العناصر العسكرية والقيادية في حماس، أفتريد أن تكون أجهزة الأمن في غزة أيضا في يد العباس والضميري أو دحلان وأبو شباك وسائر العملاء الذين يجاهرون بولائهم للعدو؟ أتبقى مقاومة في غزة إذا صارت الأمور فيها إلى وضع الضفة؟ فلو لم تكن حماس في الحكم وعندها جهاز أمني وقوى عسكرية في غزة أفكانت تستطيع أن تحمي نفسها مما كان قد خطط له دايتون وسلطة عبالس ودحلان  قبيل الحسم في منتصف حزيران2007؟ أما كان المتوقع أن يكون وضع غزة أسوأ من وضع الضفة الآن؟
وهل تصدق أن حماس تخلت عن المقاومة، وأنت تسمع التصريحات وترى الغارات الجوية على الأنفاق ومراكز لحماس في القطاع بعد كل إطلاق لصاروخ أو قذيفة من فصيل مقاوم، ومع ذلك لم تمنع حماس أحدا من هذه العمليات، وهي قادرة لو أرادت أن تمنع من هو أكبر من هذه الحركات، أما إذا توقف فصيل أو امتنع تقديرا للظروف القتالية الطارئة وركز في الاستعداد الحقيقي فلا بأس، وإذا لم تكن حماس تعلن عن إطلاقها  صواريخ أو قيامها بعمليات فذلك لأن حرب غزة التي استمرت 22 يوما وأخفقت فيها إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة والمخفية غيرت أسلوب الحرب معها من عمليات فدائية وقذائف منفردة إلى حرب ميدانية وجبهة عريضة بمشاركة آلاف الجنود من الطرفين وبكل الأسلحة المتاحة، وهذه الحرب بعد انتهائها تستلزم الاستعداد والإعداد والتدرب وتعويض ما استهلك وتطوير السلاح واستحداثه. فحماس بحمد الله تعمل وليس غافلة عما، والعدو يعلن ذلك.
وأما تقرير أن حماس لا تستطيع أن تحافظ على السلطة وعلى المقاومة، (وذلك بالتساؤل والترجيح) فأمر عجيب كأن المرء لا يدرك أن حماس جمعت بينهما على مدى خمس سنوات حتى الآن فلمَ الشك أو التشكيك في قدرتها على ذلك؟ وإن كان من " الصعب الجمع بينهما " فإن المقاومة من غير سلطة في الظروف القائمة  ( كأن تكون السلطة لإسرائيل وحدها أو لها ولعملائها كما هو حال الضفة) ستكون أصعب وأقسى وقد تجهض وبخسائر أكبر من كل الخسائر المادية والمعنوية من مواجهة العدو مباشرة، وهذه حالة وجدتها حماس مفروضة عليها، وقد وفقها الله في تجاوزها بالصمود حتى يئس الصهاينة من تحقيق أهدافهم وآمال عملائهم وتمنيات خصوم حماس،  التي خرج بعضها للعلن، فكانت فضيحة لهم أخزاهم الله بها.
وأهم من كل هذا الذي أقوله وتقوله أن من يكون في الميدان هو أصوب تقديرا للعواقب والنتائج من ذوي القلوب الطيبة والغيرة الظاهرة، فإن أحجموا عن خوض الانتخابات فهم على صواب، وإن قرروا أن يخوضها في ظرف آخر فهم كذلك على صواب، لأن قراهم ليس قرارا فرديا يتخذه من يرى أن الشورى غير ملزمة، وعندهم علماء عاملون ومفكرون مجاهدون وقراراتهم جماعية والشورى عندهم ملزمة. والمسلمون الغيورون يقدمون مع هذه النصائح ما هو أهم منها: يقدمون المشاركة في المقاومة أو في المال أو في تكثير سواد المسلمين، أو في الدعاء لهم بالثبات والتوفيق والنصر .
وأنا أعجب ممن لا يرى فيما فعلته حماس  إلا الجانب المتشائم " أحذر من تعثرها وخفوت شعلتها فهذا سيؤدي إلى مزيد من التعثر للتيار الإسلامي في مجال القضية الفلسطينية... ومسيرة الأمة" فهو يرى ذلك ولا يرى توفيق الله لحماس في الحرب صمودا يحير الاستراتيجيين وتحطيما لهيبة الجيش الذي زعم أنه لايقهر، وحمايتهم من الهلاك والاستئصال، وتأييد الإسلاميين والمسلمين في أرجاء الأرض لهم ودعمهم بما يستطيعون.                   
 
مغالطات عباس في خطابه
 نشر هذا المقال في المركز الفلسطيني للإعلام      12/11/2010 - 05:34 
صدقي البيك
 
استمعت إلى خطاب رئيس السلطةالمنتهية ولايته في ذكرى مقتل أبي عمار، وعجبت من صمته الرهيب عن الإشارة إلى مقتلهعلى أيدي الصهاينة وعملائهم، بل لم يشر إلى حقه على السلطة أن تحقق في مقتله، ولكنكيف يفعل ذلك وأصابع الاتهام تشير إلى مفاوضيه الصهاينة وإلى عملائهم الذين يلوذونبه؟!

وأثار عجبي أنه يعلن رفضه ليهودية إسرائيل، فأي القولين نصدق؟ أنصدقهذا الكلام الذي يقال في حشد عربي فلسطيني فتحاوي للاستهلاك أم نصدق كلامه الذيأعلنه في أمريكا أمام اللوبي الصهيوني بأن تسمي إسٍرائيل نفسها ما تشاء يهودية أوصينية؟ أم أنه قال ذلك ليضحك على اللوبي ويخدعهم؟

لقد غص خطابه  بمغالطاتكثيرة،  ولكن أكبر مغالطاته أنه يوازن بين مواقفه ومواقف حماس ليقول ليس بينناخلاف: فيقر هو بنفسه على أنه لا يقاوم بالسلاح، ويمنع مقاومة إسرائيل بالسلاح، و... ويزعم أن حماس أيضا لا تطلق الصواريخ وتمنع الآخرين من ذلك بل تقتلهم! وهو في ذلكمدع، فإن كان هو يعلن أنه ضد استعمال السلاح فحماس تعلن جهارا نهارا أنها تنتهجالمقاومة المسلحة، وإن كان يعد الصواريخ عبثية فحماس تطلقها على إسرائيل وتنشرالرعب في سكان المغتصبات المحيطة بالقطاع، ألا يعلم أنها أطلقت على الصهاينة مئاتالصواريخ في حرب الفرقان؟ أولا يعلم أن إسرائيل قامت بالهجوم على القطاع وحرب ال22يوما ردا على إطلاق الصواريخ؟!

أما زعمه أن حماس توقفت عن إطلاق الصواريخفهذا إيهام للسامعين، أفلا يعلم أن إسرائيل تعلن أن حماس قد زادت أعداد صواريخهاوأنها حصلت على صواريخ أبعد مدى من السابقة وتصل إلى تل أبيب وغيرها؟ أتحصل حماسعليها لتخرجها في العروض العسكرية أم لتدك بها المغتصبات؟  أولا يدرك أن الوضعالعسكري بين حماس وإسرائيل بعد حرب الفرقان تحول من مناوشات هنا وهناك وتسللوعمليات فردية إلى حرب شاملة يلزمها الاستعداد  رجالا وسلاحا وتدريبا لمعارك قادمةلا تقل شراسة عن سابقتها؟
 
إن عباس لا يطلق ولا يستعمل سلاحا ويمنع ويصادرسلاح الفصائل الأخرى ويعتقل المطلوبين لأجهزة الأمن الإسرائيلي، والأسرى الذينتحرروا من الأسر، ولو كان أسرهم سابقا على خلفية عمليات للعاصفة أو لكتائب الأقصىالتابعة لفتح، والمدنيين، وينسق هو وأجهزة أمنه الدايتونية مع الأمن الإسرائيليويدلونهم على مخابئ النشيطين أمنيا وسياسيا ضد إسرائيل، بل يتناوب الطرفان الاعتقالوالتحقيق، كل هذا يفعله بلا حياء أو استخفاء، في حين تقبل حماس بوجود الفصائلالمسلحة وبسلاحها، على ألا يستخدم إلا ضد إسرائيل ولا يستعرض في الشوارع والأعراس،ثم ألا يسمع بين حين وآخر أن صواريخ وقذائف أطلقت من القطاع على مغتصبات النقب، وأنإسرائيل ترد بطيرانها لا على من أطلق الصواريخ بل على مراكز للحكومة في غزة وعلىالأنفاق التي تهرب عبرها الأسلحة؟

لو كانت حماس مثل السلطة فلمَ لمْ تشنالطائرات الإسرائيلية ولو غارة واحدة على أحد مراكز السلطة، ولو ذرا للرماد فيالعيون، بعد عملية الخليل البطولية؟ لم لم تعامل إسرائيل السلطة  في ذلك كما تعاملحماس لو كانت حماس مثل السلطة وفتح؟ هل تسارع حماس إلى اعتقال مطلقي الصواريخوتسلمهم لإسرائيل كما تفعل سلطة عباس وفياض وأجهزة دايتون؟ فهل يمكن لإسرائيل أنتعامل من يعمل معها ولصالح أمنها معاملة من يعبئ السلاح لها وحاربها وحطم عنجهيتهاوجعلها توقف القتال وتنسحب قواتها الغازية من القطاع بعد ثلاثة أيام من إيقافهاالقتال من طرف واحد؟ وهل تعامل من يفاوضها ويتنازل لها وتنحط طلباته وشروط تفاوضهمعها إلى حد توقيف أو تجميد الاستيطان في الضفة لشهرين أو شهر، معاملة من يتمسكبفلسطينية وعربية وإسلامية أرض فلسطين من البحر إلى النهر؟ كيف تستوي في نظر عباسمواقفه المخزية مع مواقف حماس المبدئية والعملية؟ كيف يستوي من يريد المصالحة لتصبحكل الأجهزة الأمنية دايتونية وبيد فتح وفياض ومنسقة مع إسرائيل، مع من تسهر أجهزتهالأمنية على الأمن الاجتماعي في القطاع وتضبط العملاء وجواسيس العدو وتحاكمهم وتحكمعليهم بما يستحقون؟ أفيجد القارئ بعد هذه المقابلة بين سلطة عباس وحركة حماس صحةادعاء عباس في خطابه أنهما سواء، أم يكتشف مغالطاته؟!   
 
 

الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

نعم للتيسير لا للتشدد
تاريخ الإضافة29/11/2010 ميلادي - 22/12/1431 هجري زيارة106:
نعم للتيسير لا للتشدد بعَثَ الله - تعالى - محمدًا - عليه السلام - بالإسلام رحمةً للعالمين،وتعدَّدت تكاليف المسلم في حياته اليومية وفي سلوكه، ولكنَّ الله - تعالى - جعل كلَّ ما طالَب به المسلم من أعمالٍ في حدود طاقته وقدراته التي تتفاوَت من شخصٍ إلى آخر، وجعَل تطبيقَ كثيرٍ من هذه التكاليف مُرتبِطًا بالاستطاعة؛ كالحجِّ، والإصلاح، وإعداد القوَّة ولهذا كانت هذه التكاليف أقرب إلى التيسير على المسلمين منها إلى التعسير والتشدُّد، وفي المواقف التي استدعى فيها بعضُ المسلمين - بالسؤال أو بالرغبة - الحدَّ الأقصى من العبادة، أعلَمَهم الرسول - عليه السلام - أنهم لا يستطيعون، والله لا يريد عنَتَهم، فعندما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أيها الناس، قد فرَضَ الله عليكم الحجَّ فحُجُّوا))، قال رجلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو قلت: نعم، لوجبت، ولَمَا استطعتم))، ثم قال: ((ذَرُوني ما تركتُكم؛ فإنما هلك مَن كان قبلكم بكثرة سُؤَالِهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعُوه))؛ رواه مسلمهكذا تكون رحمة الله بعباده، وهكذا يكون إشفاق رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أمَّته، فالإلحاح من السائلين ورغبتهم في التشدُّد قد تنعكس عليهم تشديدًا في الأحكام؛ ((ذَرُوني ما تركتكم))، فلا تُكثِروا من الأسئلة، وقد ضرب الله - تعالى - في القرآن الكريم للمسلمين مَثَلاً من إلحاح بني إسرائيل في السُّؤال وتشديد الله عليهم، حتى كادوا لا يجدون البقرة من كثرة الشروط والقُيُود التي كانوا يستدعونها بكثرة أسئلتهم؛ فيقول الرسول - عليه السلام -: ((إنما أُمِروا أن يذبحوا بقرةً))، ولكنهم لَمَّا شدَّدوا شدَّد الله عليهم، وايم الله لولا أنهم استثنوا وقالوا: ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 70] لَمَا بُيِّنت لهم آخِرَ الأبد، ويقول ابن كثير بعد هذا لهذا لَمَّا ضيَّقوا على أنفسهم ضيق عليهم ويروي أبو داود عن أنس بن مالكٍ - رضِي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: ((لا تُشَدِّدوا على أنفسكم فيشدِّد الله عليكم؛ فإن قومًا شَدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصَّوامِع والدِّيار، رهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم...)).فلا مجالَ إذًا للتشدُّد، بل المطلوب من المسلم أن يُيَسِّر الأمور على نفسه، والمطلوب من الدُّعَاة أن يَنشُدوا اليُسْرَ والسُّهولة فـمَن صلَّى بالناس فليُخَفِّف؛ فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة))؛ رواه البخاري. بل عَدَّ الرسول - عليه السلام - عمل هؤلاء المتشدِّدين تنفيرًا للناس وفتنة لهم؛ فعندما أطالَ معاذٌ - رضي الله عنه - فقَرَأ سورة البقرة في إحدى الركعات وشكا أحد المسلمين ذلك إلى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال له - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفَتَّان يا معاذ؟: وإذا كان الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يرفض التشدُّد حتى يُسمِّيه فتنةً أو تنفيرًا من الدين، فإنه دعا إلى ما يُقابِله وهو التيسير، فهو في اختياراته - عليه السلام - كان يتوجَّه إلى أيسر الأمور ما لم يكن إثمًا؛ فعن عائشة - رضِي الله عنها - قالت: ما خُيِّر رسولُ الله بين أمرين قطُّ إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا وطالَب - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَّته بهذا التيسير فقال: ((يَسِّروا ولا تُعَسِّروا وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا))، وذكَر ما يُمَيِّز الإسلام فقال: ((إن الدين يسرٌ، ولن يُشَادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلَبَه، فسَدِّدوا وقارِبوا وأَبشِروا، واستعينوا بالغَدْوَة والرَّوْحَة وشيءٍ من الدُّلْجَة...)). وكذلك وصَف أُمَّته بهذه الصفة؛ فقال - فيما يرويه محجن بن الأدرع في ;مسند أحمد بن حنبل -: ((إنكم أمَّة أُرِيدَ بكم اليسر))، وهل بعد قول الله - تعالى -: ﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185] مجالٌ لأحدٍ أن يتشدَّد في أمرٍ من أمور الدين، إذا كان في هذا الأمر سَعَة ويسر؟ وقد عَدَّ الرسول - عليه السلام - مَن يَتنطَّعون ويستقلُّون العبادات المطلوبة من المسلم والتي كان يُؤَدِّيها الرسول من الصلاة والصيام والزواج، فيتعاهَدُون على أشدِّ حالاتها، عدَّهم راغِبين عن سنَّته؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شأنهم: ((... أمَّا أنا فأصلِّي وأنام، وأصوم وأُفطِر، وأتزوَّج النساء، فمَن رغب عن سنَّتي فليس مِنِّي))فأيُّ تهديدٍ أكبر وأشدُّ من هذا؟ فالأليق بالعلماء أن يتجنَّبوا التشدُّد ولو كان في باب الأَخْذِ بالأَحْوَط، بل على الدُّعَاة - خصوصًا - أن يأخذوا بالأيسر على الناس، خاصَّة إذا كان ذلك رأيًا لأحد علماء المسلمين المعتَبَرين، والغالب أنهم يستَنِدون في آرائهم إلى أدلَّة واضحة ومعتمدة
ما أحوجنا إلى الوسطية في هذا العالم المتطرف الوسطية: مفهومًا ودلالةالوسطية الوسطية والطرفيةالوسطية ضرورة للحفاظ على اليقظةالوسطية التيسير في دعوة المسلم الجديدالاتهام بالتشددرفع الحرج والتيسير في الشريعة الإسلامية ضوابطه وتطبيقاتها السلام عليكم ورحمة الله ..

جزى الله الكاتب خير الجزاء على بحثه القيم والثري حقيقة بهذا الموضوع المهم في فقه الدعوة واصولها.. ونحن حقيقة بحاجة الى مثل هذا اليوم.. نظرا لاختلاط الحابل بالنابل. في واقع الأمة..

ولكن يا حبذا لو أذن لي الكاتب الكريم أن أضيف أمر مهم:
كنت أود أن تضيف للموضوع فريقًا آخر من الناس.. جعلوا من التنادي .. بقه التيسير فقها مطلقا.. يمارسون من خلاله فقه الانتقاء لا التيسير.. ولا الموازنة.. ولا الحال وفقهه..
فيجيزون للناس استماع الغناء وفوائد البنوك.. وتبرج المرأة بحجة انهم بعثوا ميسرين لا معسرين.. ويضعون النصوص الشرعية في مأزق بين التعسير والتيسير..
ثم يلمزون المتسابقين إلى ملازمة الحق والسنة بالتشدد.. دون اعتبار وموازنة صحيحة ومنضبطة..

ولكن جزاك الله خيرا فمقالكم قيم جدا

السبت، 27 نوفمبر 2010

وسطية الأمة المسلمة

وسطية الأمة المسلمة صدقي البيك نشر في موقع الألوكةتاريخ الإضافة20/11/2010 ميلادي - 13/12/1431 جاء الرسول محمد - عليه السلام - ليكون خاتَمَ الأنبياء، وليكون كتابه خاتَمَ الكتب التي أَوْحَاها الله ومهيمِنًا عليها، ولتكون أمَّته شاهِدَةً على الأُمَم، وقد وصَفَها الله - تعالى - بالوسطيَّة والخيريَّة؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، و﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، وقد ذكر معظم المفسِّرين أن هذه الوسطيَّة تعني العدل، فهي الأمَّة العادلة، ومع ذلك فقد ذكر لها بعض المفسِّرين معنى التوسُّط بين شيئين، فعبارة القرطبي: هذه الأمَّة لم تغلُ غلوَّ النصارى في أنبيائهم، ولا قصَّروا تقصير اليهود في أنبيائهم وعبارة أبي حيَّان: وقيل: متوسِّطين في الدِّين بين المفرِط والمقصِّر، لم يتَّخِذوا واحدًا من الأنبياء إلَهًا كما فعلت النصارى، ولا قتلوا نبيًّا أو حاوَلُوا قتله كما فعلت اليهود ولا يبعد هذا عن تفسير سائر العُلَماء لكلمة وسطًا بمعنى فالاعتدال بين الأشياء مشتقٌّ من العدلوقد وردَتْ كلمة وسط بمشتقَّاتها في القرآن الكريم خمس مرَّات يحتمل معظمها بشكلٍ واضح معنى التوسُّط بين شيئين ماديين أو معنويين، وكذلك تحتمل كلمة أمَّة وسطًا الاعتدال والبعد عن الإفراط وعن التفريطوالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُرِيد من أمَّته أن تتوسَّط بين الانقطاع للعبادات الإفراط بين تركها التفريط فهو في ردِّه على مَن رغِبُوا في المغالاة وتجاوَز الحدَّ في عباداتهم ((... أمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنَّني أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النساء...))، وعَدَّ الرغبة عن هذه السنَّة (في الاعتدال) إلى ذات اليمين تشدُّدًا أو ذات الشمال إهمالاً، أو إلى الأعلى أو إلى الأسفل، عدَّها خروجًا عنه وعن دينه وسنَّته؛ ((فمَن رغِب عن سنَّتي فليس مِنِّيوالذي يراه المسلم في الإسلام حقيقة هو التوسُّط بين المادية التي يَتكالَب عليها الملحِدون واليهود، وبين الروحانية والرهبانية التي غَرِقَتْ فيها النصرانية والبوذيةوالإسلام في أوامره ونواهيه كلها يتميَّز بهذا التوسُّط والاعتدال، ويقترب منه ما يقوله بعض المفكِّرين من أن الفضيلة هي توسُّطٌ بين رذيلتين، فالكرم وسَطٌ بين البُخْلِ والإسراف، والشجاعة وسَطٌ بين الجبن والتهوُّر... والله - تعالى - يقولوَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ [الإسراء: 29]، وهو يقول: وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا"البقرة: 195]، ويقول:إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ﴾ [الأنفال: 45 والرسول - عليه السلام - يقول: ((لا تتمنَّوا لقاء العدوِّ، وسَلُوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا))، ولم يقبل - عليه السلام - من أصحابه أن يُبالِغوا في مدحه والثناء عليه إلى درجة الإطراء التي أطرى بها النصارى عيسى ابن مريم - عليه السلاموقد شمل الاعتدال والتوسُّط كلَّ جوانب الحياة في الإسلام، ففي شؤون العمل يقول الله - تعالى وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، فلا يشغل المسلم اهتمامه بالآخرة عن أمور دنياه وحاجاتها، ولا ينسيه إقدامُه على متاع الدنيا وعمرانها بناءَ آخرته، ويصبُّ في هذا المجرى القولُ المأثورُاعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا وفي الحديث عن ابن عمر - رضِي الله عنهما -: ((احرُث لدنياك كأنَّك تعيش أبدًا، واعمَل لآخرتك كأنك تموت غدًا))؛ القرطبي;ويشمل كذلك العلاقات الاجتماعية في نِطاق الأسرة، فالزوج مُطالَب بالعدل في طاقاته البشريَّة، وبعدَم الإهمال لطرَف وإيثار آخَر من الأولاد والزوجات؛ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: 129]، ((أَكُلَّ ولدِك نحلتَ مثله؟ وقد تجاوَز طلبُ الاعتدال كلَّ الجوانب المادية ووصَل إلى الجوانب العاطفية، على رغم صعوبة العدل فيها، فإن لم يكن فيها عدل فليكن فيها اعتدال ومُقارَبة، فالحبُّ بمقدار والبغض بمقدار، فلا إفراط ولا تفريط، ولا تطرُّف في أيٍّ منهما، فقد ورد أن رسول الله - عليه السلام - قال: ((أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بَغِيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بَغِيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا مافماذا بقي ممَّا لا تشمله المطالبة بالاعتدال والتوسُّط فيه؟

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الروح الإسلامية عند الشعراء السعوديين

الروح الإسلامية عند الشعراء السعوديين

 نشر في موقع الألوكة

صدقي البيك

 

تاريخ الإضافة: 16/10/2010 ميلادي - 8/11/1431 هجري   زيارة: 280     

 

شهد الأدب العربي في مطلع هذا القرن توجُّهًا نحو مفهوم العروبة وتمجيدها، والدعوة إلى القومية العربية والتغنِّي بها، وكان هذا الاتِّجاه في بلاد الشام مصحوبًا بمُناصَبة الإسلام العداء، أو على الأقلِّ بوضعه جانبًا أو إبعاده عن ساحة الأدب؛ وقد يكون السبب وراء هذا أن أكثر الشعراء كانوا من غير المسلِمين، أو كانوا يحملون أفكارًا يَسارِيَّة إلحاديَّة تدعو إلى فصْل الدين عن الدولة، وقد سارَتْ على هذا النهج جِهاتٌ لها صِلَة بالتربية والتدريس ووضع المناهج والكتب الدراسية، التي لم تجد غضاضة في أن تحذف من نصٍّ أدبي نثري جملةً مُعترِضة للكاتب إبراهيم عبدالقادر المازني في حديثه عن الحضارة، فهو يقول: "الحضارة العربية - وسمِّها الإسلامية إذا شئت - حضارة تقوم..."، فلكي يطمس هؤلاء كلَّ شيء يمتُّ إلى الإسلام حذفوا من النص "وسمِّها الإسلامية إذا شئت"؛ ليظهر المازني أمام الطلاَّب الدارِسين أحد دُعاة العروبة، مع أن المازني ومُعظَم الأدباء والشعراء المصريين كانوا لا يُفَرِّقون بين العُرُوبة والإسلام، فإن لم يكونا مترادفَين فهما غير متعارضَين، فهذا الشاعر محمد محمود غنيم يقول:

هِيَ الْعُرُوبَةُ لَفْظٌ إِنْ نَطَقْتُ بِهِ

فَالشَّرْقُ وَالضَّادُ وَالإِسْلاَمُ مَعْنَاهُ

 

وإذا كان الأمر هنالك كذلك، فهل اختَلَف الموقف عند الشعراء في المملكة العربية السعودية؟ إن هذه الدولة قامَتْ جذورها على دعوة محمد بن عبدالوهَّاب، وكانت منذ قيامها في أوائل هذا القرن مبنيَّة أيضًا على الإسلام عقيدة وشريعة، وكانت الثقافة العامَّة السائدة فيها - ولا زالت - ثقافة إسلامية صحيحة وصريحة وصارمة، والتدريس فيها يقوم على موادَّ دراسيةٍ إسلامية عديدة أساسية في النجاح وفي الاحتساب، (في مقابل إهمال مادَّة واحدة للتربية الإسلامية وجعْلها ثانوية ولا تُحتَسب للطالب عند دخوله في الجامعات في بلاد عربية أخرى!).

 

وهذه البلاد حفِظَها الله من شَرِّ المستعمِرين؛ فلم تطأها أقدامهم بالأسلحة والجيوش، ولا بالأفكار والعادات، ولم تنتشر فيها المدارس التبشيرية، بل لم تظهر فيها أصلاً واحدةٌ منها، كما لم يدخلها مستشرقون ولا أساتذة مستغرِبون ينشُرون أفكارَهم بكلِّ جرأة وصراحة، وإذا دخَلَها أحدهم لسببٍ أو لآخَر فلم يكن يجرؤ على نشر أفكاره.

 

لهذا كانت الظُّرُوف المُحِيطة بالشعراء السعوديين لا تُبعِدهم عن الاتِّجاه الإسلامي، بل تجعلهم من مثقَّفيه وحمَلَة أفكاره والدُّعاة إليه، ويظهر ذلك واضحًا لدى هؤلاء الشعراء.

 

وقد تناوَل هذا الموضوعَ كثيرٌ من النقَّاد ودارِسِي الأدب العربي المعاصِر، وأبرزهم الدكتور حسن فهد الهُوَيمل، الذي أصدر كتابًا ضخمًا من 600 صفحة تحت عنوان "النزعة الإسلامية في الشعر السعودي المعاصِر".

 

ولم يقتصر الأمر عند هؤلاء الشعراء على تناوُل القضايا والأفكار الإسلامية في أبيات أو في قصيدة أو في قصائد، بل تجاوَزوا ذلك إلى إصدار دواوين حول المفاهيم الإسلامية وقضايا المسلمين، فأحمد محمد جمال له ديوان "طلائع" الذي يُمَثِّل مُيوله الإسلامية في معالَجة الظواهر الاجتماعية معالَجة إسلامية.

 

وللشاعر أحمد قنديل ديوانان يُفِيضان بالمشاعر الإسلامية هما "شاعر ومشاعر" و"مكَّتي قبلتي"، وللشاعر طاهر الزمخشري ديوان "لبَّيك"، وللشاعر محمد بن سعد الدبل ديوان "إسلاميات" و"أناشيد إسلامية" و"ملحمة نور الإسلام"، وللدكتور عدنان النحوي "ملحمة القسطنطينية" و"موكب النور"، وللشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي ديوان "يا أمَّة الإسلام" و"إلى أمَّتي"، وللشاعر محمد هاشم رشيد ديوان "في ظلال السماء"، وهذا غَيْض من فَيْض.

 

والذين لم يَخُصُّوا المفاهيم الإسلامية بديوان أكثر من ذلك بكثيرٍ، تناثرت قصائدهم الإسلامية في ثَنايا دواوينهم من أمثال حسن الصيرفي، وعبدالسلام حافظ، ومحمد بن عبدالله بليهد، وزاهر بن عوَّاض الألمعي، وأحمد فرح عقيلان، وأحمد إبراهيم الغزاوي... وهم يستعصون على الحصر.

 

وقد تناوَل هؤلاء الشعراء الأفكار الإسلامية من تمجيد القرآن الكريم، والدعوة إلى عقيدة التوحيد والإيمان بالغيب، وتسبيح الله، والدِّفاع عن العقيدة، والجهاد في سبيل الله، والعبادات وآثارها على الأفراد والمجتمع، ومدح الرسول - عليه السلام - وإبراز معجزاته، وأهميَّة الهجرة في إنشاء الدولة الإسلامية، وذكريات الأحداث الإسلامية من هجرة وغزوات وفتوحات.

 

كما أنهم عالَجُوا قضايا المسلِمين المعاصِرة، وشارَكُوهم في الضرَّاء والسرَّاء، وواكَبُوا ثوراتهم التحرُّرية، وكانوا دائمًا يُبرِزون الرُّوح الإسلامية المتأجِّجة في هذه الثَّوْرَات في فلسطين والجزائر وأفغانستان، ومصر ولبنان وباكستان وكشمير، والدعوة إلى الوَحْدَة الإسلامية والتضامُن الإسلامي، ومواساة المسلمين في الكوارث الطبيعية التي أصابَتْهم، كما كانت مواقفهم في القضايا الاجتماعية تنطلق من رأي الإسلام وموقفه منها، كقضايا المرأة والتَّرَف والأخلاق والزهد والعمل والمُسْكِرات والتمييز العنصري.

 

ولا بُدَّ من ذكْر بعض الأمثلة على تناوُل الشعراء السعوديين لهذه المفاهيم والقضايا الإسلامية؛ فالشاعر عبدالله بن خميس يعتزُّ بالإسلام، ويُعلِن رفضه لتلقِّي أيَّة أفكار أجنبية فيقول:

شَرَفِي - مَا عِشْتُ - أَنِّي مُسْلِمٌ

نَسَبِي هَذَا وَهَذَا مَذْهَبِي

لَسْتُ مِنْ (بِكِّينَ) أَسْتَوْحِي الهُدَى

إِنَّمَا أَبْغِي الهُدَى مِنْ (يَثْرِبِ)

 

والشاعر محمد صبحي يقول في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية:

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ قَدْ وَضَحَ الأَمْ

رُ فَخَلُّوا الجَفَا وَخَلُّوا الخِصَامَا

وَتَعَالَوْا لِلاتِّحَادِ وَلَبُّوا

دَاعِيَ الحَقِّ وَالزَمُوا الإِسْلاَمَا

وَاسْتَفِيقُوا فَقَدْ دَهَتْنَا اللَّيَالِي

إِنَّ فِيهَا مِنَ الأُمُورِ عِظَامَا

 

وحسين النجمي الذي ساءَه أن يتمكَّن الصهاينة من احتلال كلِّ أرض فلسطين، وأن يطؤوا بأقدامهم المسجد الأقصى، تَثُور نفسه ويُعلِن رفضه لما آلَتْ إليه حال المسلمين:

أَفَنَرْضَى بِأَنْ تَدُوسَ يَهُودٌ

بِمَكَانٍ لِسَيِّدِ الخَلْقِ مَسْرَى

يَا حُمَاةَ الإِسْلاَمِ هَذَا زَمَانٌ

قَابِضُ الدِّينِ فِيهِ يَقْبِضُ جَمْرَا

 

وها هو الشاعر محمد علي السنوسي يُثِير الهِمَم ويُلهِب الحماسة في صدور أبناء أمَّته يدعوهم إلى الجهاد بالدم فيقول:

يَا أَخِي يَا أَخَا العُرُوبَةِ وَالإِسْ

لاَمِ قُمْ نَنْفُضُ الأَسَى وَالحِدَادَا

قُمْ بِنَا نَكْتُبُ البُطُولَةَ بِالدَّمْ

مِ زَكِيًّا فَقَدْ سَئِمْنَا المِدَادَا

أَنْتَ مِنْ أُمَّةٍ يَلَذُّ لَهَا المَوْ

تُ كِفَاحًا عَنِ الحِمَى وَذِيادَا

لَيْسَ إِلاَّ الجِهَادُ طَبْعًا لِصِهْيَوْ

نٍ فَطُغْيَانُهَا تَمَادَى وَزَادَا

 

والشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي يُخاطِب أمَّته الإسلامية:

يَا أُمَّةَ الإِسْلاَمِ فَجْرُكِ نَوَّرَا

وَالرَّوْضُ فِي سَاحَاتِ مَجْدِكِ أَزْهَرَا

يَا قُدْسَنَا المَحْبُوبَ عُذْرًا إِنَّنَا

تُهْنَا عَلَى دَرْبِ الخِلاَفِ كَمَا تَرَى

سَنَجِيءُ فِي ظِلِّ العَقِيدَةِ أُمَّةً

مَرْفُوعَةَ الأَعْلاَمِ مُحْكَمَةَ العُرَى

أَوَلَمْ يُبَشِّرْهَا الرَّسُولُ بِأَنَّهَا

سَتَظَلُّ أَقْوَى فِي الوُجُودِ وَأَقْدَرَا

 

فشاعرنا مُتفائِل بالنصر الذي بشَّر به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((لا تزال طائفةٌ من أمَّتي قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذلهم، أو خالَفَهم حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون على الناس)).

 

وهذا شاعرنا عدنان النحوي يجد أن اليقين والإحساس بالأمن لا يصمدان أمام كلِّ خَوْفٍ وفي وجه كلِّ ظلام إلا للمؤمن، فيقول:

عَجَبًا أَنْ تَرَى مَعَ الخَوْفِ أَمْنًا

وَمَعَ اللَّيْلِ شُعْلَةً مِنْ يَقِينِ

وَعَلَى الشَّوْكِ نَفْحَةً مِنْ نَدَى الصُّبْ

حِ وَمِنْ رِقَّةٍ عَلَيْهِ وَلِينِ

ذَاكَ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي صَحَّ مِنْهُ

قَلْبُهُ أَوْ مَضَى بِعَزْمٍ أَمِينِ

 

ويتعالَى تعالِي المؤمن عن كلِّ طأطأةِ رأسٍ لغير الله فيقول:

دَرْبِيَ الحَقُّ حَيْثُمَا سِرْتُ أَلْقَى

قَبَسًا شَعَّ أَوْ هُدًى بِيَمِينِي

مَا حَنَيْتُ الجَبِينَ إِلاَّ رُكُوعًا

وَسُجُودًا للهِ فَهْوَ يَقِينِي

 

ولن أزيد على ما سبق، فهذه أمثلة ونماذج لمئات أو آلاف الشواهد التي تؤكِّد ما ذهبتُ إليه من وضوح التوجُّه الإسلامي لدى الشُّعَراء السعوديين المعاصِرين، وليس إشارات عابِرَة في أشعارهم تحتاج إلى بَذْلِ جهد للعثور عليها.


 

 

·         قول: شوفتك ترد الروح(محاضرة - مكتبة الألوكة)

·         من أسرار الروح(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)

·         يسألونك عن الروح(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة) انتشال الروح(مقالة - حضارة الكلمة)

·         صلاة الروح والبدن(مقالة - آفاق الشريعة)

·         التسامح وإذكاء الروح الإيجابية(مقالة - مجتمع وإصلاح)

·         أفراح الروح في رمضان بالبلقان(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 

 

1- الشعراء لم يحظوا بما يستحقون
د/بشير أبو لبن - السعودية 26/10/2010 09:12 PM

الاخ الأستاذ الكريم صدقي البيك
مقالة جيدة ومفيدة ولكنها اختصرت اختصارا مخلا ولم يحظ أي من الشعراء بما يستحقه وبالأخص الشاعر الدكتور عدنان النحوي الذي لم يذكر له سوى ملحمة واحدة وديوان واحد علما بأنه قد أبدع حوالي ثلاث عشرة ملحمة شعرية حسب المفهوم الإيماني لمصطلح الملحمة وكذلك حوالي سبعة دواوين شعرية هذا عدا القصائد الكثيرة التي لم يحويها ديوان ولا ملحمة حتى الان وسوى الكتب والدراسات الكثيرة في الادب الاسلامي ومؤلفاته الغزيرة في الدعوة الاسلامية والمنافحة عن قضايا الإسلام والمسلمين على كل أرض اسلامية.