الإسلام في شعر أبي تمام |
ومن يجهل أبا تمام وهو صاحب ملحمة فتح عمورية وشاعر المعتصم الذي خلده وخلد استجابته للصرخة المدوية في تاريخ الإسلام (وامعتصاه)؟! إنه حبيب بن أوس الطائي، خرج من إحدى قرى حوران في جنوب سورية، وأصبح شاعر المعتصم ومن حوله من القواد والولاة. وإنه لأمر طبيعي أن تبرز الروح الإسلامية ومفاهيم الإسلام في ثنايا شعره، فهو الشاعر الرزين الذي يرافق الخليفة في حله وترحاله وفي غزواته، ويلتقي قواده وولاته، وهم رجالات الدولة الإسلامية التي تواجه الروم البيزنطيين على الحدود وفي الثغور، كما تتصدى للخارجين على الدين والأمن في داخل البلاد، متدثرين بثياب المروق من الدين وبدعوى العنصرية والشعوبية، ولذلك كثرت الأبيات التي تتردد في قصائده حول مفاهيم الإسلام وقيمه وأخلاقه التي يتحلى بها ممدوحه أو من يرثيهم من رجالات الدولة. فتح عمورية وإذا بدأنا بقصيدته (فتح عمورية) وجدناها تزخر بهذه المفاهيم، فالأبيات التي تفتتح بها القصيدة تمثل مفهوماً إسلامياً واضحاً وهو محاربة الشعوذة وادعاء علم الغيب «كذب المنجمون ولو صدقوا» فلو كانت هذه الأجرام السماوية تدل على المستقبل لكشفت ما بمعالم الكفر: ولكن النصر الذي وفضح زيف المنجمين وكذبهم، كان فتحاً مبيناً وعملاً صالحاً يتقبله رب السماء وعندما يخاطب المعتصم يبين له أن مافعله كان رفعاً لنصيب الإسلام وقعراً لعمود الشرك، فالمعركة بين الإسلام والشرك، وأحدهما في صعود والآخر في انحدار: ويتمنى لو أن الكفر كان يعلم أن عاقبة أمره مرهونة بسيوف المسلمين من زمن سحيق، وأن ذلك التدمير والإيقاع بالعدو هو من تدبير رجل يعتصم بحبل الله وكل عمله لله: ويختم قصيدته بالدعاء للخليفة بأن يجزيه الله خير الجزاء على ما قدمه من الخير والنصر للإسلام، فإن هناك رابطة قوية تشد هذه المعركة إلى أختها في بدر. الخرمي المارق وهل تقتصر هذه المعاني والعواطف الإسلامية على هذه القصيدة؟ إن هناك عشرات الأبيات التي تأتي متناثرة في ثنايا القصائد تعبر عن هذه المفاهيم التي تنم عن إيمان صادق لدى الشاعر. ففي مدائحه الأخرى للمعتصم ومعاركه مع المارقين من الدين والخارجين على السلطان يبرز طبيعة المعركة بين الفريقين، فإذا لم يقنع المارقون بحجج القرآن الكريم، ولم يقبلوا بأركان الإسلام فليس لهم إلا أن يقنعهم السيف بحججه الدامغة: وهذا بابك الخرمي الذي فاقت مفاسده مفاسد الدجال، انتهت أموره إلى أسوأ ما تنتهي إليه من الهزائم والهروب، واستبشر الدين وافتر ثغره عن بسمة فيها كل الشكر للخليفة وقائده على ما ألحقاه ببابك الخرمي، ولا غرو في هذا النصر فقد شاركت فيه الملائكة جنود المسلمين: وفي قصيدة أخرى يفصح عن سرور الدين وشكر المسلمين للخليفة على ما فعله: في مدائح آخرى وإذا مدح الواثقَ أبرز فيه نور النبوة الموروث، وقد جعل الله الخلافة في هذا البيت الذي يمتد بجذوره إلى الرسول عليه السلام: وهو من بني العباس الذين ينتسبون إلى عم الرسول وجده وفيهم استقرت الإمامة فالواثق من: وكل فخر بني العباس والهاشميين أنهم رهط الرسول عليه السلام وإليه ينتسبون، فالممدوح: والأخلاق التي يتحلى بها ممدوحوه هي أخلاق الإسلام، وهم يؤدون العبادات الإسلامية، فمحمد بن حميد الطوسي له: وآخر يذهب إلى مكة ملبياً، ومحرماً ورامياً للجمرات، وسافكاً لدعاء البدن، ومقبلاً الركن. فهو جزار للخيول في المعارك وللإبل في موسم الحج، وقد توجه إلى بيت الله بعد أن ترك بيوت الكفر خاوية على عروشها، وفارغة من أهلها: مفاهيم إسلامية والمفاهيم الإسلامية المتعلقة بإرادة الله وقدرته ونصره للمؤمنين، تتوزع في قصائده بحيث لا تحصى، فالله هو الذي يرمي أبراج الأعداء فيهدمها «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى» فهو يقتبس هذه الآية في قوله: وما أكثر ما يأخذ صوره من القرآن الكريم أو يضمن بعض آياته في شعره كما سبق وكقوله: وما أكثر فخره بأيام الإسلام وبنصر الإسلام، فأيام انتصارات الخلفاء العباسيين تذكره ببدر وأحد صفات إسلامية وكل المعاني والأعمال التي يسبغها على ممدوحيه هي صفات إسلامية، ففي مدحه للمأمون يبرز إشراق وجه حكم الله، وصحة إيمان المأمون في قيادته للجيش، فكل ذلك يحول دون فوز الشرك.. كما يقول في مدحه لمحمد بن الهيثم بن شبابة وعندما يتناول أبو تمام ارتداد الأفشين (واسمه خيذر) وكفره بعدما كان أحد قواد المعتصم تحفل قصيدته التي زادت على ستين بيتاً بكل معاني النفاق والكفر التي تحلى بها هذا الأفشين، فيقول: ونختم حديثنا عن إسلاميات أبي تمام في شعره بما ختم به هو حياته من الزهد والإقبال على العبادة والتقوى والتخلي عن متاع الدنيا، مع أنه كان في كهولته، فينظم قصيدة يائية من عشرين بيتاً يتحدث فيها عن شيبه وتناقص أيامه ورضاه بما قسم له الله وأنسه بالموت، ويختمها بأبيات يتحدث فيها عن خوفه من الله ورجائه فيه وتقواه ومخالفته هواه فيقول: فلو لم تكن له إلا هذه الأبيات لكفته، فهو فيها كما ترى مؤمن بالله لم يشرك به شيئاً، ولكنه يخشى صغائر ذنوبه وصباباته ومعاصيه التي تجعله جديراً بأن يخاف العقوبة عليها، ويتمنى أن يكون من أهل الأعراف ما عليه سىئات ولا له حسنات لينجو بذلك من عذاب الله، وهو يرجو العفو من الله وأن ينال رضاه. رحم الله أبا تمام، ونسأل الله أن يحقق له رجاءه وأن يسجل هذه الأبيات التي تزخر بالصدق والإيمان والحب للإسلام والمسلمين في سجل حسناته. |
الثلاثاء، 20 ديسمبر 2005
الإسلام في شعر أبي تمام
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق